قي الصورة الشيخ المغراوي لحظة نزوله من طائرة المنفى، وأسفله صورة السلفيين أتباعه يؤدون الصلاة ببهو المطار تليكسبريس- عزيزة هريش
يستعد الشيخ محمد المغراوي إلى إطلاق تنظيم سياسي سلفي جديد قوامه الهدنة مع المخزن، و قد شرع منذ لحظة وصوله إلى مطار المنارة بمراكش في 11 من ابريل الماضي في تنظيم صفوف أنصاره الذين حجوا بكثافة إلى المطار لاستقباله وأدوا صلاة المغرب خلفه.
ولم تنقطع صلة المغراوي بأنصاره طيلة مدة المنفى الاختياري في السعودية عقب إصداره فتوى تبيح تزويج الفتاة بنت التاسعة، وهي الفتوى التي تسببت في إغلاق دار القرآن التي يملكها بمراكش ورفعت دعوى قضائية ضده.
ومباشرة بعد عودته، ظهرت إلى العلن التنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن التي تولى رئاستها حماد القباج، وهو من أبرز تلامذة الشيخ المغراوي، مما يعني أن أجندة المغراوي رتبت جيدا في المملكة العربية السعودية، وعاد إلى المغرب لتنفيذ ما سطره في منفاه.
وشرع في جمع أنصاره تمهيدا لإطلاق تنظيم سياسي سلفي تقليدي جديد يكون داعما لحزب العدالة و التنمية في صراعه مع السلفية الجهادية وجماعة العدل والإحسان، مستفيدا من الانفتاح السياسي وما أفرزه خطاب 9 مارس والدعوة إلى تغيير الدستور.
ويؤشر هذا المنعطف في نشاط التنظيمات السلفية التقليدية التي كانت تحتفظ بمسافة بينها وبين الأحزاب السياسية أو الحركات الإسلامية الأخرى على التحول الكبير في مبادئها، في الوقت الذي كانت تكتفي فيه بإعلان تأييد النظام، انطلاقا من نظرية عدم جواز الخروج عن الإمام. لكن بمجرد ما أعلنت الدولة المغربية حربا على دور القرآن وأغلقت الداخلية أزيد من 65 دار للقرآن والسنة بمختلف التراب الوطني، حتى ظهرت هذه الدور في تنظيم جديد أطلق عليه "التنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن"، وشرعت في كسب الدعم والتعاطف انطلاقا من عقد ندوات صحافية وتبرير التحول الذي سيطرأ على نهجها.
ذلك أن، التعليم والدور الدعوي والخيري الذي كانت تقوم به هذه الدور، لم يعد يتماشى مع مصالحها، في ظل التغيرات الوطنية والعربية والإسلامية والعالمية ولم يعد أيضا يمثل "صمام الأمان" في وجه ضربات الداخلية، مما حتم التحول باتجاه تنظيم الذات في قالب موحد وبرؤية سلفية تقليدية.
وهذا ما يمكن أن نستنتجه من خلال تصريحات حماد قباج، المنسق العام لهذه الدور، حيث قال في تصريح صحافي: " كنا في السابق نركز فقط على العمل الدعوي لأننا كنا نعتقد أن هناك تكاملا مع فاعلين آخرين يمارسون العمل السياسي والحقوقي، أما بعد أحداث 16 ماي فقد رأينا كيف تم الإجهاز على الجميع، حيث تعرض حزب العدالة والتنمية لحملة ". وأضاف حماد أن التعسف الذي تعرضت له دور القرآن في مختلف المدن المغربية جعلهم يعيدون النظر في عملهم، والتفكير في تطوير آليات العمل الدعوي وإيجاد قاعدة سياسية وحقوقية ينتظمون فيها. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الشيخ المغراوي بمجرد عودته من السعودية صرح أنه سيصوت للحزب الذي يدافع عن الإسلام، في إشارة صريحة إلى أن أصوات السلفيين التقليديين هي من نصيب حزب العدالة والتنمية. إلا أن كثير من المتتبعين للشأن الإسلامي والتنظيمات السلفية في المغرب، يرون أن تفريخ تنظيم إسلامي آخر في المغرب لا يخدم مصلحة الدولة، وأن موافقة الداخلية على إنشاء التنظيم السياسي السلفي الجديد، قد يشكل خطرا يحذق بالمغرب، خصوصا إذا علمنا أن صاحبه الشيخ المغراوي كان في العربية السعودية ومتشبع بالفكر السلفي التقليدي وقد تكون له أجندة خاصة به.
فيما يرى آخرون أن التنظيم الجديد سيأتي في سياق وطني تسعى من خلاله الدولة إلى ضرب جماعة العدل والإحسان المحظورة والتي ما فتئت أن اخترقت حركة 20 فبراير وحولتها عن أهدافها.
وبين هذا الرأي وذاك، تدل كل المؤشرات على أن الداخلية هي التي تسببت في تغيير وجهة هؤلاء السلفيين القادمين من مراكش، على اعتبار أن المغراوي يمارس نشاطه انطلاق من المدينة الحمراء بعد إغلاق أغلب دور القرآن في المدن المغربية، وهي الدور التي مارست عملها طيلة 30 عاما.