ربما لا يكون "إدارة التوحش" كاشفا مثل كتاب "كفاحي" لهتلر، أو "البيان الشيوعي"، ولكن الناس الذين يسعون إلى إلقاء نظرة نافذة في الإستراتيجية المتطرفة التي شحذت همم محاربي جماعة الدولة الإسلامية (داعش) ربما سيبدأون مسعاهم هذا بقراءة كتاب "إدارة التوحش" الذي يحمل عنوانا مرعبا. يفترض الكتاب الذي نشره جهادي يطلق على نفسه اسم أبو بكر ناجي عام 2004، عالما اختفت فيه هالة القوة العظمى التي تطوق الولاياتالمتحدة وانحدر فيه (ذلك الجزء من) العالم الإسلامي داخل الحدود السياسية المعروفة بحدود اتفاقية سايكس- بيكو 1916 إلى حالة الفوضى أو "التوحش" كما وصفها دون مواربة.
هل يبدو هذا القول مألوفا؟ إذن فلنواصل القراءة..
إن هذا الكتاب، الذي ترجمه إلى اللغة العربية ويليام مكانتس في عام 2006، يشكل مرشدا مخيفا إلى تكتيكات فائقة العنف تتبناها اليوم "الدولة الإسلامية" وكذلك زعيمها الذي يسمي نفسه أبو بكر البغدادي.
إن الاطلاع عليه يثير الفزع. إلا ان هناك شيئا واحدا إيجابيا فيه، فخطة الحرب الجهادية التي يرسمها ناجي، توغل في التطرف وتنتج (في التطبيق العملي) مقدارا من القسوة وسفك الدماء يكفي، كما يبدو، لإثارة نفور المسلمين. وإحدى علامات هذا النفور تتجسد في ذلك التحالف العريض للبلدان الإسلامية الذي انضم إلى المعركة ضد داعش. إن مرشد "التوحش"، لحسن الحظ، ليس أفضل الكتب مبيعا وسط المسلمين. ويقول خبير أمريكي في محاربة الإرهاب أنه يبدو مبالغا في باطنيته وأسراريته. فهو "يخاطب أقلية ضئيلة" بحيث لا يمكن له أن يجذب قطاعا عريضا من الاتباع وسط الجماهير.
ويقترح هذا المرشد أو المانفيستو (أو بيان العمل السياسي) أن يتولى الجهاديون جرجرة أمريكا التي أفرطت في التمدد واستهلاك قوتها إلى حرب تجعلها "منهكة" في نهاية المطاف وتدفعها إلى الاستسلام.
وتتطلب هذه الإستراتيجية استقطاب العالم الإسلامي وإقناع أولئك المعتدلين الذين وضعوا آمالهم في حماية الولاياتالمتحدة بأن تلك الآمال ستذروها الرياح. ويرى ناجي أن الولاياتالمتحدة إذا تطرفت في التمدد العسكري فإن ذلك سيؤدي إلى نهايتها. يكتب "إن القوة العسكرية الباطشة (الأسلحة والتقنية والمحاربين) لاقيمة لها بدون… تماسك مؤسسات وقطاعات (المجتمع.)". ويرى أن فقدان أمريكا لسمعتها الإعلامية باعتبارها القوة العظمى المهيمنة "يزيل عنها هالة الغلبة التي تعكسها هذه القوة (والزعم) بأن لا شيء على الإطلاق يقف أمامها". لقد كتب ناجي خطته الحربية هذه في أعقاب غزو أمريكا لأفغانستان في عام 2001 وللعراق في عام 2003.
والفكرة الرئيسية لهذه الخطة أو الكتاب هي الحاجة إلى سحب الولاياتالمتحدة كي تتوغل أكثر في الصراع في العالم الإسلامي. والفرضية التي يسلم بها المؤلف أن الولاياتالمتحدة نمر من ورق سيصيبه التعب من حرب طويلة في البلدان الإسلامية وأيضا من المشاكل الاجتماعية الداخلية (في أمريكا). لذلك يوصي الكتاب بالعمل "على كشف ضعف القوة المركزية للولايات المتحدة بدفعها للتخلي عن الحرب النفسية الإعلامية والحرب بالوكالة والدخول في الحرب مباشرة". ويرى ناجي أن "العنف الفظ" هو الوسيلة المفتاحية لتقويض القوة الأمريكية. وكلما كان هذا العنف صادما كلما كان أفضل. فهذا العنف الموغل في شططه لن يكشف ضعف وهوان الغرب فقط. بل هو أيضا سيجبر المسلمين على الاختيار.
وفي الفوضى التي تضرب بأطنابها في المناطق العربية التي كانت مستقرة في السابق سيوطد الجهاديون مكانتهم من خلال "إدارة التوحش". وقد مضى ناجي حتى إلى حد حث قراءه على مطالعة كتب إدارة الأعمال. ويكنُّ ناجي احتقارا خاصا لرقة أو نعومة المسلمين. يكتب "إن مكون الرقة هو أحد مكونات الفشل لأي عمل جهادي". ويرى أن من الأفضل "لأولئك الناعمين أن يجلسوا في بيوتهم. وبدون ذلك فإن الفشل سيكون مصيرهم إذا لم نكن عنيفين في جهادنا وإذا سيطرت علينا الرقة فإن ذلك سيكون عاملا رئيسيا في فقداننا عنصر القوة". ولكي يدعم دفاعه عن استخدام التكتيكات الوحشية زعم ناجي أن خليفتين (راشدين) "حرقا (أناسا) بالنار على الرغم من أن التحريق بالنار شيء بغيض لأنهما كانا يعلمان أثر العنف الفظ في أوقات الحاجة". وفي فقرة أخرى ينوه بأنهم يحتاجون إلى ارتكاب "مجازر" بحق الآخرين كما فعل المسلمون (بحسب زعمه) في أعقاب وفاة النبي الكريم. فالعنف مفيد.
ويرى ناجي ان "جرجرة الجماهير إلى القتال يتطلب المزيد من الأعمال التي تثير المعارضة وتجعل الناس يدخلون المعركة طوعا أو كرها". ويقول مؤلف إدارة التوحش "علينا جعل هذه المعركة عنيفة جدا بحيث يكون الموت على مبعدة نبضة قلب".
إننا في وقتنا الراهن نشهد حالة اختبار لأطروحة ناجي حول إدارة التوحش كسبيل إلى الخلافة الجهادية الناجحة. والسؤال هو كيف تسير الأمور الآن بعد فترة قصيرة من بداية هذا الصراع الوحشي الجديد؟ ثمة عاملان يجب أن يدعوان المرء إلى التفاؤل: أولهما ان الغرب لم ينهك إلى حد اختفاء الهالة التي تحيط بقوته تماما. وثانيهما ان الدول الإسلامية في معظمها (ودون معارضة علنية ذات شأن) تشعر كما يبدو بنفس ذلك الاشمئزاز الذي يشعر به الغرب تجاه جماعة "داعش" كما أنها مستعدة للانضمام إلى تحالف يسعى لمواجهتها..