بإعلان إصابته بمرض كوفيد 19يكون الرئيس الأمريكي قد بعثر جميع أوراق الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية، ليس فقط بإيقاف حملته الانتخابية ، بل أيضا في التأثير على نتائج استطلاعات الرأي العام التي كانت قبل اعلان مرض الرئيس تصب لصالح غريمه السياسي جو بايدن، حيث أن جل استطلاعات الرأي العام الأمريكية تظهر تفوق نسبي للمرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب غريمه الجمهوري دونالد ترامب، فحسب استطلاع للرأي نشرت نتائجه شركة civils أظهر تقدم بايدن على حساب ترامب ب 11نقطة ، كما أن استطلاعا آخر أنجزته شركة yougov سار في نفس الاتجاه بابراز تقدم بايدن بأربع نقاط على حساب ترامب. فإلى أي حد يمكن القبول بتوقعات هذه الاستطلاعات؟ الواقع أنه ينبغي التعامل بحذر شديد مع نتائج هذه الاستطلاعات ،خصوصا في حالة وجود مرشحين استثنائيين من طينة بايدن وترامب، فخلال الاستحقاقات الرئاسية لسنة 2016 أظهرت استطلاعات الرأي العام آنذاك تفوقا كبيرا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على حساب ترامب، لكن هذا الأخير خلق المفاجأة بالانتصار عليها عبر صناديق الاقتراع، حيث فاز بثلاثين ولاية مقابل 20ولاية لصالح هيلاري. لقد جرت العادة أن المناظرات التلفزيونية لن تحسم في من سيؤول إليه أمر الوصول إلى البيت الأبيض ، خصوصا أن المناظرة الأولى بين الرجلين أعطت انطباعا سيئا عن المرشحين معا، لكونهما اغرقا 90 مليون أمريكي المتابعين لها بالاتهامات المتبادلة عوض إعطاء أجوبة مقنعة للقضايا العالقة التي يعاني منها الناخب الأمريكي ، كعدم تقديم حلول للتداعيات الصعبة لجائحة كورونا ،خصوصا على المستويين الصحي والاقتصادي ، فهذه الجائحة أدت إلى إصابة ما يزيد عن 7مليون ومقتل أكثر من 200000 امريكي ، دون أن تظهر أي بوادر لبروز لقاح فعال وأمن ، وها هو الآن الرئيس يتعرض بدوره للاصابة بالفيروس الصيني كما يحلو له أن يسميه، لكن يبدو أن العلاقة بين ترامب وبين الفيروس الصيني التي ابتدأت بالرفض وانتهت بالحجر من شأنها أن تعصف بالمستقبل السياسي لهذا الرئيس الغير مسبوق في تاريخ الرئاسيات الأمريكية. صحيح أن القاعدة الانتخابية لكلا المرشحين لن تتأثر كثيرا بمرض الرئيس، لأن هناك ثوابت تحكم مسألة تصويت الناخب الأمريكي، كالولاء الحزبي والاستناد إلى برغماتية الفعل والانجاز لدى هذا الناخب، دون أن ننسى الدور الأساسي للوبيات السياسية والاقتصادية ، ومما يزيد الأمر تعقيدا أن كلا المرشحين يحضيان بمساندة جد متقاربة من قبل هذه اللوبيات بنسبة تصل إلى 40 في المائة لكل واحد منهما، بيد أن من سيحسم صراحة في هذا المعترك الانتخابي هم الناخبون المترددون الذين يمثلون العشرة في المائة ، خصوصا أولئك المتواجدون في الولايات المتأرجحة كميشيغن ،وونوت كارولينا... فهل سيحقق مرض الرئيس تعاطفا لدى هذه الفئة؟ صحيح أن ترامب سيحصل على تعاطف شعبي ورسمي، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الزمن السياسي المتمثل في حدود شهر على موعد الاقتراع قد يعصف بمستقبله السياسي أمام التداعيات الصعبة لهذه الجائحة ، كما أن الحزب الديمقراطي من شأنه أن يوظف ما نسميه في الأدبيات الانتخابية بالحملة السلبية ،كما حصل في مرض الوزير الأول البريطاني بوريس جونسون من خلال ابراز تقاعس الرئيس ومساعديه في اتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة ،وإظهاره بموقف المستهتر في التعاطي الجاد مع هذا المرض الخطير. قضية أخرى تثار في هذه الاستحقاقات تتعلق ببروز من جديد لظاهرة الميز العنصري ، حيث برزت حركة حياة السود مهمة كرد فعل على الممارسات اللانسانية التي ميزت تدخلات بعض رجال الشرطة اتجاه المواطنين السود . إلى جانب تزايد الحركات الاحتجاجية على ترامب فإن هناك ملفا آخر يلقي بكل ثقله على هذه الاستحقاقات ألا وهو ملف المحكمة العليا ، فبوفاة القاضية روت غينسبورغ سعى ترامب إلى محاولة تعويضها بالقاضية ايمي كوني باريت ‘ ذات التوجهات المحافظة، الامر الذي افضى إلى احتدام الصراع الانتخابي بين الرجلين، ذلك أن هذا التعويض ليس تعويضا شكليا ، بل ستكون له تأثيراته السياسية على الحياة السياسية الأمريكية ككل، فالقاضية ايمي معروف عنها مواقفها المحافظة كمناهضتها بقوة لمسألة الاجهاض... لكن فوق هذا وذاك فإن حرص ترامب على تعيين هذه القاضية يكمن في ترجيح كفته في الاستحقاقات القادمة في حالة الطعن في نتائجها ،فإذا أتت النتائج بفارق كبير لصالح بايدن فإن الأمر سيكون محسوما ، لكن في حالة تقارب النتائج بينهما آنذاك سيطعن ترامب في نتائجها بدعوى أن اللجوء إلى التصويت عبر البريد الذي انطلق في 6سبتمبر تخللته عدة عيوب أبرزها أن انظمة الفرز غير مختبرة ، الأمر الذي يفسح المجال لبروز حالات للتزوير. ، لذلك لم يترد ترامب قائلا ً لا أتعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا ما خسرت الانتخابات ،يجب أن نرى ما سيحصل أولا.ً وبالرغم من أن المتحدثة باسم البيت الأبيض تراجعت بعد أيام على هذا التصريح عن هذا التهديد الصريح، مشيرة إلى أن ترامب سيقبل بهذه النتائج ، إلا أن هذا الأخير ترك الباب مواربا لهذا الإحتمال ، لذلك رد عليه المرشح الديمقراطي بايدن بصيغة استنكارية قائلا في أي بلد نعيش. ترمب يقول أكثر الامور غير العقلانية. لا أعرف ماذا أقول .؟ً الواقع أن ترامب يمارس نوعا من الضغط السياسي ،فقد وظف نفس الأسلوب في صراعه الانتخابي السابق مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون حينما هدد بعدم قبول نتائج انتخابات 2016. لكن هذه المرة الوضع مختلف لأنه أمام شخصية سياسية مخضرمة ، فبايدن ابن شرعي لنظام الحكم في واشنطن بامتياز، فقبل أن يصبح نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما على امتداد ولايتين رئاسيتين فقد كان رئيسا للجنة القضائية لسنوات عدة ، وهي لجنة تضطلع بالنظر في القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية ، ومنع الجرائم ومكافحة العنف،وبالتالي فهو مطلع جيد على كافة ملفات البيت الأبيض ، سواء تلك المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الخارجية. فهل سيبقى ترامب في أعلى هرم السلطة السياسية كما قال في كتابه البقاء في الأعلى ؟.