أثارت إصابة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالفيروس التاجي جدلا محتدما في الأوساط السياسية الأمريكية، لا سيما حول تأثير ذلك على استطلاعات الرأي العام في الأسابيع المقبلة بعدما مالت كفّتها لصالح غريمه السياسي جو بايدن. وبمجرد الإعلان عن إصابة الرئيس الأمريكي بمرض "كورونا"، ظهرت بوادر التعاطف الشعبي معه، لكن الحزب الديمقراطي يحاول عكس المعادلة، من خلال التركيز على "استهتار" ترامب بالإجراءات الاحترازية. كل هذه "النقاط الساخنة" يحاول محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالبيضاء، دراسة أبعادها الاستراتيجية في المقالة التالية. بإعلان إصابته بمرض كوفيد-19، يكون الرئيس الأمريكي قد بعثر جميع أوراق الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية، ليس فقط بإيقاف حملته الانتخابية، بل أيضا بالتأثير على نتائج استطلاعات الرأي العام، التي كانت قبل إعلان مرض الرئيس تصب لصالح غريمه السياسي جو بايدن، حيث تظهر جل استطلاعات الرأي العام الأمريكية تفوقا نسبيا للمرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب غريمه الجمهوري دونالد ترامب؛ فحسب استطلاع للرأي نشرت نتائجه شركة "civils"، فإن بايدن تقدم على حساب ترامب ب11 نقطة، كما أن استطلاعا آخر أنجزته شركة "yougov" سار في الاتجاه نفسه، بإبراز تقدم بايدن بأربع نقاط على حساب ترامب. فإلى أي حد يمكن القبول بتوقعات هذه الاستطلاعات؟ الواقع أنه ينبغي التعامل بحذر شديد مع نتائج هذه الاستطلاعات، خصوصا في حالة وجود مرشحين استثنائيين من طينة بايدن وترامب، فخلال الاستحقاقات الرئاسية لسنة 2016 أظهرت استطلاعات الرأي العام آنذاك تفوقا كبيرا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على حساب ترامب، لكن هذا الأخير خلق المفاجأة بالانتصار عليها عبر صناديق الاقتراع، حيث فاز بثلاثين ولاية مقابل 20 ولاية لصالح هيلاري. لقد جرت العادة أن المناظرات التلفزيونية لن تحسم في من سيؤول إليه أمر الوصول إلى البيت الأبيض، خصوصا أن المناظرة الأولى بين الرجلين أعطت انطباعا سيئا عن المرشحين معا، لكونهما أغرقا 90 مليون أمريكي من المتابعين لها بالاتهامات المتبادلة، عوض إعطاء أجوبة مقنعة للقضايا العالقة التي يعاني منها الناخب الأمريكي، كعدم تقديم حلول للتداعيات الصعبة لجائحة كورونا، خصوصا على المستويين الصحي والاقتصادي. وأدت هذه الجائحة إلى إصابة ما يزيد عن 7 ملايين ومقتل أكثر من 200000 أمريكي، دون أن تظهر أي بوادر لبروز لقاح فعال وآمن، وها هو الآن الرئيس يتعرض بدوره للإصابة ب"الفيروس الصيني" كما يحلو له أن يسميه، لكن يبدو أن العلاقة بين ترامب و"الفيروس الصيني" التي ابتدأت بالرفض وانتهت بالحجر، من شأنها أن تعصف بالمستقبل السياسي لهذا الرئيس غير مسبوق في تاريخ الرئاسيات الأمريكية. صحيح أن القاعدة الانتخابية لكلا المرشحين لن تتأثر كثيرا بمرض الرئيس، لأن هناك ثوابت تحكم مسألة تصويت الناخب الأمريكي، كالولاء الحزبي والاستناد إلى براغماتية الفعل والانجاز لدى هذا الناخب، دون أن ننسى الدور الأساسي للوبيات السياسية والاقتصادية، ومما يزيد الأمر تعقيدا أن كلا المرشحين يحظيان بمساندة جد متقاربة من قبل هذه اللوبيات بنسبة تصل إلى 40 في المائة لكل واحد منهما، بيد أن من سيحسم صراحة في هذا المعترك الانتخابي هم الناخبون المترددون الذين يمثلون عشرة في المائة، خصوصا أولئك المتواجدين في الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان ونورث كارولينا وغيرهما. فهل سيحقق مرض الرئيس تعاطفا لدى هذه الفئة؟ صحيح أن ترامب سيحصل على تعاطف شعبي ورسمي، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الزمن السياسي المتمثل في حدود شهر على موعد الاقتراع قد يعصف بمستقبله السياسي أمام التداعيات الصعبة لهذه الجائحة، كما أن الحزب الديمقراطي من شأنه أن يوظف ما نسميه في الأدبيات الانتخابية بالحملة السلبية، كما حصل مع مرض الوزير الأول البريطاني بوريس جونسون، من خلال إبراز تقاعس الرئيس ومساعديه في اتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، وإظهاره بموقف المستهتر في التعاطي الجاد مع هذا المرض الخطير. قضية أخرى تثار في هذه الاستحقاقات تتعلق ببروز ظاهرة الميز العنصري من جديد، حيث برزت حركة "حياة السود مهمة" كرد فعل على الممارسات اللاإنسانية التي ميزت تدخلات بعض رجال الشرطة تجاه المواطنين السود. إلى جانب تزايد الحركات الاحتجاجية على ترامب، فإن هناك ملفا آخر يلقي بكل ثقله على هذه الاستحقاقات؛ ألا وهو ملف المحكمة العليا، فبوفاة القاضية "روت غينسبورغ" سعى ترامب إلى محاولة تعويضها بالقاضية "إيمي كوني باريت" ذات التوجهات المحافظة، الأمر الذي أفضى إلى احتدام الصراع الانتخابي بين الرجلين، ذلك أن هذا التعويض ليس تعويضا شكليا، بل ستكون له تأثيراته على الحياة السياسية الأمريكية ككل، فالقاضية إيمي معروف عنها مواقفها المحافظة، كمناهضتها بقوة لمسألة الإجهاض. لكن فوق هذا وذاك، فإن حرص ترامب على تعيين هذه القاضية يكمن في ترجيح كفته في الاستحقاقات القادمة في حالة الطعن في نتائجها، فإذا أتت النتائج بفارق كبير لصالح بايدن، فإن الأمر سيكون محسوما، لكن في حالة تقارب النتائج بينهما، آنذاك سيطعن ترامب في نتائجها بدعوى أن اللجوء إلى التصويت عبر البريد الذي انطلق في 6 سبتمبر تخلّلته عدة عيوب؛ أبرزها أن أنظمة الفرز غير مختبرة، الأمر الذي يفسح المجال لبروز حالات للتزوير. لذلك لم يتردد ترامب قائلا: "لا أتعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا ما خسرت الانتخابات، يجب أن نرى ما سيحصل أولا". وعلى الرغم من أن المتحدثة باسم البيت الأبيض تراجعت بعد أيام على التصريح الذي تضمن التهديد الصريح، مشيرة إلى أن ترامب سيقبل بهذه النتائج، إلا أن هذا الأخير ترك الباب مواربا لهذا الاحتمال، لذلك رد عليه المرشح الديمقراطي بايدن بصيغة استنكارية قائلا: "في أي بلد نعيش. ترامب يقول أكثر الأمور غير العقلانية. لا أعرف ماذا أقول؟". الواقع أن ترامب يمارس نوعا من الضغط السياسي، فقد وظف الأسلوب نفسه في صراعه الانتخابي السابق مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، حينما هدد بعدم قبول نتائج انتخابات 2016. لكن هذه المرة الوضع مختلف لأنه أمام شخصية سياسية مخضرمة، فبايدن ابن شرعي لنظام الحكم في واشنطن بامتياز، فقبل أن يصبح نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما على امتداد ولايتين رئاسيتين، كان رئيسا للجنة القضائية لسنوات عدة، وهي لجنة تضطلع بالنظر في القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية ومنع الجرائم ومكافحة العنف، وبالتالي فهو مطلع جيدا على كافة ملفات البيت الأبيض، سواء تلك المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الخارجية. فهل سيبقى ترامب في أعلى هرم السلطة السياسية كما قال في كتابه "البقاء في الأعلى"؟