سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني : ليس من العِلم اختزال موضوع اللغة في سؤال لساني، أو في سؤال ثقافي أو موقف هوياتي كما لا يمكن حل هذا السؤال باستيراد نموذج للسياسة اللغوية أو بتفويض الجواب عليه للمقاربات البيداغوجية
أجريَ هذا الحوار مع السيد فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، حول سياسة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حول لغات التدريس وتدريس اللغات، وذلك بمناسبة مشاركته في الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الرابعة التي نظمها مركز الدراسة والأبحاث في منظومة التربية والتكوين حول "المسألة اللغوية: أية رهانات؟" بالرباط يومي السبت 21 والأحد 22 دجنبر 2013. للإشارة فالسيد فؤاد شفيقي هو أستاذ التعليم العالي، يشغل مدير المناهج والبحث التربوي بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني منذ سنة 2010؛ حاصل على دكتوراه الدولة في علوم التربية من جامعة بوردو بفرنسا (2003) وعلى دكتوراه السلك الثالث في ديداكتيك العلوم من المدرسة العليا للأساتذة بالرباط (1994). كما اشتغل أستاذا للتعليم الثانوي للعلوم الفيزيائية وأستاذا باحثا في ديداكتيك العلوم بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش وتشرف بتسيير الكتابة العامة للجمعية الدولية لعلوم التربية. له عدة مقالات علمية منشورة في دوريات مُحَكمة حول تدريس العلوم والتربية العلمية. شاركتم في الجلسة الافتتاحية للمناظرة التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث في منظومة التربية والتكوين، بمداخلة حول المسألة اللغوية بقطاع التربية والتكوين، والتي ستكون محور هذا الجوار، لكن اسمحوا في البداية أن أستوضح رأيكم في أهمية هذه الأنشطة التي تتناول قضايا التربية والتعليم. في حقيقة الأمر، تأتي هذه المناظرة العلمية والتربوية الهامة في سياق وطني ودولي يمور بالتحولات والمستجدات، والتي تلتقي فيها فعاليات فكرية وتربوية وعلمية من أجل التداول في قضية من أهم القضايا التي شغلت وتشغل الرأي العام الوطني ألا وهي مسألة اللغة ورهاناتها المستقبليةفي السياقات المدرسية والثقافية والتنموية. ولذلك أغتنم هذه الفرصة لأشكر مركز الأبحاث والدراسات في منظومة التربية والتكوين على الاختيار الموفق لموضوع هذه المناظرة وعلى حسن اختيار توقيت تنظيمها. ولعل من شأن هذه المبادرة أن تغني النقاش العمومي الدائر اليوم حول قضية من كبريات القضايا المصيرية والتي ستكون لها آثار كبرى على هوية البلاد الحضارية وعلى علاقاتنا بمحيطنا الجهوي والدولي وعلى آفاق المستقبل في المديين المتوسط والبعيد. شهد المغرب في الآونة الأخيرة نقاشا متعدد الأطراف حول إشكالية لغات التدريس،وتجاذبات تداخل فيها ما هو بيداغوجي بما هو سياسي و ثقافي، في نظركم كيف يمكن مقاربة المسألة اللغوية، حتى تكون الاستنتاجات أقرب إلى الموضوعية والعلمية؟ لقد مثل موضوع اللغة، دوما، قضية بالغة الدقة والحساسية، حتى لا نقول الخطورة، لأن أسئلتها تقودنا مباشرة إلى أسئلة الدولة والمجتمع وتدبير إشكالياتنا الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لذا، فهو موضوع يُلزم الباحث، مهما كانت قناعاته الفكرية وموقعه السياسي، بمراعاة السياق والدروس المستخلصة من التجارب الوطنية والدولية. ليس من العِلم اختزال موضوع اللغة في سؤال لساني، أو في سؤال ثقافي أو موقف هوياتي كما لا يمكن حل هذا السؤال باستيراد نموذج للسياسة اللغوية أو بتفويض الجواب عليه للمقاربات البيداغوجية. ولعل من الثوابت في البحث العلمي تناسب المنهج مع موضوعه. وفي هذا الإطار يقتضي موضوع اللغة- أولا، بحكم تشعبه وانفتاحه على مجالات معرفية وتربوية وسياسية بالغة التعقيد والتشابك مقاربة منهجية تكاملية متعددة المعارف؛ وثانيا، بالنظر لارتباط اللغة بمسار الإصلاحات التي عرفتها بلادنا في كافة المجالات القيامبتقويم السياسات العمومية للوقوف على السيرورات الإصلاحية في مجال التربية والتكوين وما راكمته من مكتسبات أخدا بعين الاعتبار ما تخللها من كبوات وقطائع وذلك من أجل استخلاص الدروس ومراعاتها عند اقتراح البدائل وتحديد الرهانات دون إغفال التحولات الدولية وما تفرضه التنافسية في المجال الاقتصادي. يتميز المشهد المغربي بتنوعه الثقافي وتعدده اللغوي، فإلى أي حد استطعنا استثمار هذا الغنى لتقوية روابط الانتماء للوطن؟ ومن تم، ما مدى حضور هذا المعطى في التصورات والخلفيات التي تتحكم في رسم السياسة اللغوية بالمغرب؟ لقد حافظ المغرب، خلال التاريخ الحديث، بفضل "سياسة لغوية" مرنة ومنفتحة على التطور باستمرار، على الوحدة الوطنيةوصاغ نموذجه الحضاري المُعبر عنه بشكل جلي في دستور يوليوز 2011، هذا النموذج الغني بتنوعه الإثني والأنتربولوجي وبتعدد روافده الحضارية ومكوناته الثقافية، وبهذا الاختيار الإرادي يسعى المغرب، دولة ومواطنين، لضمان مقومات التلاحم والتنوع والتكامل الخلاق داخل الأمة المغربية. ويمكن استقراء هذا المسار التاريخي وذاك النموذج الحضاري من خلال خريطة اللغات في السياقات الثقافية والأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية ومجالات تداولها والوظائف الحيوية المؤداة بكل واحدة منها. واليوم، تولي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني لمسألة اللغات وتعلمها وتعليمها أهمية بالغة، وذلك من خلال تصور تربوي للمدرسة المغربية الحديثة التي تجعل من التحكم في اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية مرتكزا ثابتا في المنظومة التربوية. وذلك وفق ما ينص عليه دستور المملكة في فصله الخامس والميثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة التاسعة. مهما تعددت الاجتهادات وفضاءاتها، فإن مسؤولية ترجمة هذه المقاربات ومواءمتها مع حاجات المجتمع و المدرسة، تعود إلى وزارة التربية الوطنية، بطبيعة إشرافكم على مديرية المناهج بهذه الوزارة، كيف تنزلون هذه التصورات إلى داخل الفصل الدراسي لتمكين المتعلمين والمتعلمات من اكتساب الكفايات اللغوية سواء تلك المتعلقة بالعربية والأمازيغية أو باللغات الأجنبية؟ في انتظار إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والذي من بين مهامه حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية في كل مناحي الحياة العامة باعتبارها إرثا أصيلا وإبداعا معاصرا، تقوم الوزارة بما يلي: - اعتماد اللغة العربية في التعلم والتدريس والتكوين بجميع الأسلاك التعليمية والتكوينية، بحيث تلقن كدروس لغوية وبها تدرس كذلك عدد من المواد الدراسية منها الرياضيات والعلوم والعلوم الاجتماعية والإنسانية مع العلم أن تدريس بعض المواد بالغات الأجنبية التي تدرس بها في التعليم العالي وبشكل تدريجي انطلاقا من السلك التأهيلي يمكن في بعض الشعب (التكنولوجيا والاقتصادية) من جعل المتعلم متمرسا بشكل سلس على التداول باللغات الأخرى في التعليم العالي؛ - مواصلة إرساء اللغة الأمازيغية وتعميم تعليمها تدريجيا بتنسيق وتشاور مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية باعتبارها أيضا لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء؛ - الحرص على ضمان تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الآتية: الفرنسية في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي والإنجليزية والإسبانية والألمانية والإيطالية ابتداء من السنة الثالثة من التعليم الإعدادي؛ - توفير المورد البشري، وفي هذا الصدد تعمل الوزارة على تأهيل خريجي شعب اللغات من المسالك الجامعية للتربية في المراكز الجهوية لمهن التربية قبل تعيينهم لتحمل مسؤولية التدريس وتقوم أيضا بتكوين أطر التأطير والمراقبة التربوية بالمركز الوطني للمفتشين كما تنظيم المباريات الوطنية للتبريز في اللغات. - توفير الكتب المدرسية والدلائل البيداغوجية والدعامات الرقمية بحيث صادقت على 17 كتاب للتلميذ بالسلك الابتدائي و 9 كتب بالسلك الثانوي الإعدادي و 18 كتاب بالسلك الثانوي التأهيل ياي ما مجموعه 44 كتابا إضافة إلى 26 دليل للمدرس؛ - تشجيع التحكم في اللغات والتميز فيها من خلال تنظيم المباريات والأنشطة والمسابقات الثقافية وعمل الأندية المدرسية التي تشرف عليها الأكاديميات الجهوية والنيابات، وتشكل ركنا أساسيا في مشاريع المؤسسات التعليمية. - كما تحرص الوزارة على تحيين المناهج والبرامج الدراسية لمواكبة المستجدات الدستورية والسياسية والعلمية والبيداغوجية. وفي هذا الإطار اشتغل فريق تربوي وعلميداخل مديرية المناهج ما بين أكتوبر 2010 ومارس 2013 على وضع تصور تربوي مندمج يمكن من تعلم متكامل لمهارات الاستماع والحديث والقراءة والكتابة بثلاث لغات بالسلك الابتدائي ويتعلق الأمر باللغتين الرسميتين للبلاد ( العربية والأمازيغية) بالإضافة إلى اللغة الأجنبية الأولى. في خاتمة هذا اللقاء، وبعد مشاركتكم في الجلسة الافتتاحية ومتابعتكم لأشغال الندوتين المبرمجتين في اليوم الأول من هذه المناظرة، ما هي الخلاصات والاستنتاجات التي توصلتم إليها ؟ من خلال تتبع المداخلات العلمية ومداولات المناظرة الوطنية الرابعة حول لغات التدريس وتدريس اللغات يبدو أن مسألة التنوع (وليس التعدد) اللغوي تحظى بشبه إجماع حول ضرورتها في المنظومة التعليمية المغربية مع الإشارة إلى أن العديد من الباحثين ينبهون إلى التكلفة الكبيرة لتفعيل تنوع لغوي حقيقي سواء على مستوى الكلفة الاقتصادية أو على المستوى التدبيري بالنسبة للوزارة فيما يتعلق بالخرائط التربوية وتوفير الموارد البشرية أو بالنسبة للمتعلم(ة) فيما يتعلق بالمجهود المضاعف الذي تفرضه طبيعة الأنظمة التعليمية التي تتبنى خيار التنوع اللغوي؛ إلا أن طبيعة هذا التنوع فيما يتعلق بماهية وعدد اللغات الأجنبية ومستويات إدماجها ووظائفها وتفاعلها مع اللغتين الرسميتين ضمن المنهاج الدراسي تبقى أسئلة حارقة. فسمعنا خلال الندوة اجتهادات كثيرة بصدد بعضها، منها العلمي ومنها، وبشكل كبير، المُعَبِّر عن قناعات فكرية شخصية وفي بعض الأحيان المُصدِر لأحكام قيمية. فتعويض اللغة الأجنبية الأولى مثلا، التي هي الفرنسية بحكم الإرث التاريخي، باللغة الأكثر تداولا في مجال الاقتصاد والمعرفة، أي اللغة الانجليزية، يتطلب تخطيطا قد يتجاوز جيلين نظرا أولا للتكلفة الباهظة لهذا الانتقال بالنسبة للتعليم ما قبل الجامعي وثانيا لانعدام وجود مشتل للأطر القادرة على التدريس باللغة الإنجليزية. فالجامعة المغربية، ولحدود اليوم، لا توفر تكوينا في أي من التخصصات المعرفية باللغة الأنجليزية. فالبداية إذا، يجب أن تنطلق من هذا المستوى الأكاديمي. أما القول هكذا في المطلق، أن المسألة مسألة قرار فقط،فأعتقد شخصيا أن في هذا الرأي الكثير من الاستصغار للمشكل، كما أن الوضعية الهدف، وسيناريوهات تدبير المرحلة الانتقالية لم تحظ بما يكفي من التمحيص بالنظر للارتباطات الاقتصادية لبلادنا وللدروس المستخلصة من التجارب الدولية في هذا الميدان. الأمر الثاني الذي أثار انتباهي في النقاش الذي عرفته المناظرة هو الانتقاد الحاد لمستوى المكتسبات اللغوية للتلميذ المغربي والاستشهاد في نفس الوقت بتفوق هذا التلميذ حينما يدرس لغة أجنبية لأول مرة في دول أوربا الشرقية مثلا لبضع شهور فقط ويتمكن من الدراسة بها في تخصصات علمية دقيقة في التعليم الجامعي. أود أن أشير بهذا الصدد، أن هذه المقارنة تُغفل معطى أساسيا هو ما يسميه التربويون الإغماس اللغوي(immersion linguistique)؛ فالطالب المغربي حينما يصل إلى رومانيا أو أوكرانيا أو غيرهما، فإنه يجد نفسه في كل ساعة وفي كل ثانية مجبرا على التواصل بهذه اللغة الأجنبية، لذا فتعلمها يتضاعف بسرعة، أما في وضعنا اللساني الحالي فالتلميذ والطالب الجامعي غير مضطرين للتمكن من لغة من أجل التواصل داخل الفصول الدراسية، خاصة مع توفر لغة التداول اليومي التي تمكن من اختصار المسافات، وبالتالي تكريس التقاعس الفكري في الإقدام على تعلم اللغات. خلاصة القول، أثمن عاليا مبادرة مركز الدراسات والأبحاث في منظومة التربية والتكوين لأنها أعطتنا فرصة لنقاش هادئ ورصين حول إحدى أهم إشكالات بلادنا في المجال التربوي متمنيا أن تتكرر في كل جهات المغرب، فحاجتنا ماسة في هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها منظومتنا التعليمية للمشاركة المُجتمعية في صياغة تعاقد جديد حول المدرسة مُؤطر بالعقل والحكمة .