رهان نهج المقاربة التشاركية من أجل حكامة ترابية جيدة عبد السلام انويكة Abdesslam nouiga مدينة صفرو كانت مؤخرا في إطار تقليدها العلمي/التواصلي/الإنمائي،على موعد مع فعاليات ملتقاها الثقافي في دورته الثالثة والعشرين أيام 4_5_6 ماي2012،والرهان الاساس الذي تم إختياره كان هو تدارس موضوع على درجة عالية من الأهمية،في مجالي التهيئة واعداد التراب/المجال”سياسة المدينة”،الدورة تميزت بإسهامات كثيفة/نوعيةعن الفاعلين في النسيج الجمعوي المحلي،وبتوزيع كتابين يتضمنان على التوالي أشغال الدورة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين.الدورة افتُتحت بكلمة رئيس اللجنة الثقافية ذ.عبد الحق شاكر العلوي،تم فيها التذكير بكون الدورة/الملتقى يتزامن مع حدثين بارزين ميزا التاريخ المحلي، أولا:مائوية التعمير العصري بمدينة صفرو الذي يعد حدثا مفصليا في تاريخ المدينة، منذ سنة 1912م.والثاني:الذكرى الخامسة والعشرون للملتقى الثقافي لمدينة صفرو والذي تعود نسخته الاولى الى الثمانينات من القرن الماضي.كلمات الإفتاح الأخرى بالمناسبة عن المجلس البلدي، وعن السلطات المحليةللمدينة،تم فيها التنويه بهذا الامتداد المعبر والانمائي لهذه التظاهرة العلمية/التواصلية،وبالجهود الداعمة لإستمرارية هذا الملتقى الثقافي،مع الوقوف على دقة وراهنية موضوع الدورة الثالثة والعشرين. وبخصوص مضامين إسهامات الجلسات العلمية،وفي المحور الأول من الندوة تم التركيز من قبل المتدخلين على مفهوم”سياسة المدينة”في سياق إكراهات الحواضر/المدن المغربية، وكذا على دوافع اعتماد هذا المصطلح/المنهج بالمغرب،مع إبراز مفهوم المجال العام بالمدينة ورمزية توظيفه في الإحتجاج من منظور سوسيولجي،مع أهمية إعمال آليات الحكامة في تدبير سياسة المدينة.وقد خلص المتدخلون إلى أن الوضع الإجتماعي بالمدن المغربية على حد سواء،بلغ درجات من الإختلال والتناقض جعل من فضائاتها العمومية مجالا للاحتجاج بمختلف أشكاله،وأن سياسة المدينة تعد مدخلا لمعالجة هذه الوضعية.وأن”سياسة المدينة” المراد اتباعها،لم تتحدد بعد بالدقة وبالوضوح على المستوى الإصطلاحي والقانوني،الوضع الذي يحتاج معه الأمر إلى مزيد من الجهد،من أجل قراءة أوضح وأشمل لهذا المفهوم،واستجلاء مساره التطبيقي حتى لا تلقى”سياسة المدينة”المصير نفسه للسياسات السابقة،والتي تم إعتمادها وإتباعها في تدبير المدينة على امتداد عقود،السياسات التي أنتجت الوضع الحضري الحالي المتسم بالاختلال والتناقض والإحتقان.وقد تم الحديث على أن استيراد واستنبات سياسة المدينة،التي عرفت بعض الإخفاق في موطنها الأصلي،يقتضي ملاءمتها بحرص وواقعية مع الخصوصيات المحلية،بنهج مقاربة تشاركية تدمج مختلف مكونات المدينة، بالنظر لتعقد مشاكل هذه الأخيرة واستفحال تناقض مكوناتها.مع نوع من التأكيد على ان سياسة المدينة تعد مشروعا سياسيا قبل كل شيء،لأنه يقوم على اختيارات اقتصادية واجتماعية وثقافية،تستدعي طرح السؤال الموالي: أية مدينة ؟ لأي مجتمع ؟ . ما يتعلق بالمحور الثاني من هذا الملتقى،فقد خُصص بكامله لمدينة صفرو استحضارا لمائوية تعميرها العصري،بحيث توجهت المداخلات الى رصد التحولات المجالية والاجتماعية،مع نوع من التطلع لتحقيق تأهيل حضري ملائم،يتجاوب مع طموحات وحاجيات الساكنة.حصيلة النقاشات ضمن هذا المحور ترتبت عنها النقاط التالية.أولا: انتقال مدينة صفرو من منظومة حضرية مندمجة ومستقرة نسبيا في أواسط القرن الماضي،إلى مدينة مفككة ومتناقضة باختلالات متعددة، تتمثل في:تدهور المدينة العتيقة بشكل غير مسبوق،وتردي وضعية موروثها العمراني والثقافي،أمام اجتياح قوي لمجالها بكيفية منظمة وغير منظمة.تعرض واد أكاي للتشويه والتلوث الكثيف،مما حوله إلى بؤرة للمشاكل البيئية.احتضار”واحة صفرو”في انتظار اختفائها تحت ضغط التوسع العمراني،مع التفكير في إمكانية التعويض عبر مجالات ترابية محادية للمدينة. تآكل وتشوه الوسط الطبيعي القريب من المدينة،بفعل الإستغلال غير المنظم لمقالع الرمال.تراجع الدَّور الاقتصادي الحيوي للسوق الأسبوعي للمدينة.سوء تنظيم الأنشطة الاقتصادية واحتلال جزء منها للمجال العمومي،معرضا إياه لإكراهات عدة ومتداخلة: المرور، التلوث، التشويه... ثانيا :ضعف الوضع التنافسي لمدينة صفرو في إطار الجهة الحالية،مع التساؤل عن تموقعها داخل منظومة الجهوية المتقدمة،وبالنظر إلى عدد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمجالية الضعيفة لمدينة صفرو،تبعا للمشاكل التي تنخر كيانها،فإن الأمر يستدعي تدارك هذا الوضع،بالسير قدما في تسريع وتوسيع مدى برامج التأهيل الحضري.وقد واكب الإبداع الأدبي هذا التقهقر الواضح لمدينة صفرو،من خلال قصائد نحتها شاعر الخضراء،ذ.عبد الإله بوثنين الذي عبر فيها عن حسرة عارمة وتأمل عميق،متطلعا إلى المستقبل بنظْم قصيدة تحت عنوان: “ستُزهر الحدائق من جديد”، تبث الأمل، وتنشر التفاؤل باسترجاع مدينة صفرو لرونقها وجمالها وحلتها الأنيقة،كما كانت عليه في الماضي القريب.ما يتعلق بالمحور الثالث من هذا الملتقى الثقافي في دورته الثالثة والعشرين.تتبع فيه المتدخلون حصيلة التخطيط والتدبير الحضريين بالمغرب على مدىالمائة سنة من الزمان،مع استشراف أفق تأهيل المدينة المغربية،عبر مقالات تجمع بين المقاربة الموضوعاتية ودراسة الحالة،إذ تم التطرق إلى: ظاهرة التعمير الإستثنائي وأثره على وضعية المدينة،من خلال الإنحرافات التي طالته،وكان من بين مخلفاته أن أنتج مدنا جديدة ما زالت وضعيتها القانونية غير محددة بدقة،وأن هذا الإستثناء أصبح قاعدة بحيث إن المدبر يربك المخطط في هذا الصدد.هناك لتمدين الموازي أو غير المرخص بهوامش المدن، والمتولد عن رهانات وتواطؤ مختلف المتدخلين،الذي أسهم في التوسع العشوائي للمدن المغربية وفي تشوهها.وقد جسدت ملمح هذا الإختلال حالتا مدينة الناظور التي تعيش بين عشوائية التعمير وعطوبية المجال،ومدينة وجدة ذات التطور البنيوي المتناقض والمفكك وتوجهات التهيئة والتأهيل.هناك”تدبير المجال الحضري من إشكالية التعمير إلى إشكالية التشغيل”. لك أن ورش البناء والأشغال العمومية يعد منفذا مهما لفرص الشغل،لكنه بالمقابل لا يدمج حملة الشواهد،مما يطرح معضلة المعطلين،وما يستتبعها من احتجاجات واحتلال للساحات العمومية،الأمر الذي يدعو إلى تبني مقاربة شمولية لسياسة المدينة تستحضر مكون التشغيل المحلي.وضمن دائما فعاليات ملتقى صفرو الثقافي هذه العلامة المتميزة والتي بات لها الصدى القوي في كل المغرب،بل تحولت الى نموذج وفلسفة ترابية/تدبيرية لإنعاش ليس فقط الثقافي العلمي بل الانمائي بالاساس.في الملتقى الاخير والذي تمحور حول سياسة المدينة،وعلى مستوى النقاش أبان الحاضرون بمختلف أطيافهم والذي جاءومن عدة مدن ومناطق مغربية،اهتماما كبيرا بالموضوع المطروح من خلال التفاعل مع محاورالندوة بكيفية بناءة،بحيث تراوحت التدخلات بين تشخيص الوضعية الراهنة للمدينة،واقتراح أفكار من شأنها أن تعبر عن تطلعات الساكنة لملمح سياسة المدينة المنتظرة،مؤكدين على ضرورة استثمار مخرجات ورشات الملتقيات الثقافية وغيرها من التظاهرات التشاركية والتفاعلية،والعمل على إدماجها في بلورة مشروع سياسة المدينة تكريسا لنهج المقاربة التشاركية في ظل الحكامة الترابية الجيدة.ومن التوصيات التي أفرزتها فعاليات هذه الدورة.هناك تحديد مفهوم سياسة المدينة بشكل واضح يدمج جميع مكوناتها، ويربط المدينة بمحيطها في نسق يراعي مقومات التنمية المستدامة،ومنظومة التربية على القيم والمواطنة،مع استحضار جميع أنواع المخاطر في مخططات التهيئة الترابية،وتبني مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المدينة.توفير جميع الظروف المناسبة لإنجاح سياسة المدينة،سيما ما تعلق بالموارد المالية والكفاءات البشرية والقوانين المنظمة والتنسيق الكافي،والعمل على تطبيق القوانين المنظمة للمدينة،مع الحد من العمل بآليات الاستثناء وربط المسؤولية بالمحاسبة.تعميم التغطية بوثائق التعمير لتشمل جميع المدن والمراكز،وتبسيط مساطر إعدادها والتصديق عليها وتطبيقها،وإعمال آليات المراقبة بحزم في إطار القانون،للحد من انتشار السكن الموازي، ذلك وفق مقاربة بعيدة عن الهاجس الأمني. إصلاح النظام العقاري المغربي وجعله يتماشى مع التحولات والمتطلبات الجديدة،وضبط السوق العقارية للحد من المضاربات من أجل تحسين عرض منتج السكن القانوني،ولا سيما الاجتماعي منه. إيلاء الموروث الثقافي بجميع أشكاله الأهمية المطلوبة في إطار سياسة المدينة،خصوصا بالمدن العتيقة التي هي في حاجة ماسة إلى الإنقاذ ورد الاعتبار وفق منظور شمولي ومندمج.دعم ومساندة تجربة الملتقى الثقافي لمدينة صفرو،بتبني استراتيجية تواصلية،قصد توسيع مجال إشعاعه وتسويق منتجه، بإعطاء مزيد من الأهمية للتغطية الإعلامية،وتعزيز الإنفتاح على مختلف المؤسسات العلمية والثقافية، لتبادل الخبرات والتجارب والحواصل،من جهة والعمل على إبرام اتفاقيات شراكة وتعاون وتوأمات مع منابر مماثلة من جهة ثانية.للاشارة فالملتقى الثقافي لمدينة صفرو بهذا الامتداد والاستمرارية،وهذا الانتقاء الدقيق للقضايا ذات الفاعلية المعبرة تجاه التنمية المحلية في أفق الرفع من دينامية المدينة وعلى كل المستويات،خاصة وانها تتوفر على كل المؤهلات والتي يمكن ان تجعل منها مدينه بإشعاع أقوى في المجال الاقتصادي خاصة ما يتعلق بالفلاحات الشجرية ومعها السياحة الإكولوجية/الجبلية.الملتقى الثقافي بهذه الطموحات والغيرة المحلية على المنطقة ككل،يقوم على ثلة من الباحثين الأكفاء/الغيورين حتى النخاع/العمليين بالنظر لما يقترحون وما يتوفرون عليه من ملفات على درجة من الاهمية تجاه التنمية المحلية،ثلة من الاسماء التي شكلت ولا تزال اللجنة العلمية للملتقى والتي ابانت على امتداد تجارب عدة ولا تزال عن تفانيها في محاولة لإستحضار الفكر/المعرفة العلمية الوظيفية/التشاركية/أسهامات كل الاطراف في التنمية المحلية لصفرو،ومن جملة هؤلاء المحترمين الموطنيين/د.محمد الزرهوني/ د.محمد البقصي/ذ.عبد الحق شاكر العلوي.