تضمن مشروع القانون المالي الجديد مقتضى جديدا (المادة 8)، من شأنه أن يثير جدلا قويا حول نتائجه على الاقتصاد، وعلى ثقة المواطن في الدولة، بسبب أنه يمثل تراجعا عن توجهات حكومية في مجال إصلاح القضاء، ويتناقض مع قوانين أخرى، أبرزها المسطرة المدنية. فالمادة الثامنة تنص على مقتضيات منها أولا، أنه «يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام تنفيذية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء، إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة المعنية»، وتضيف مقتضى ثان، مفاده أنه «في حالة ما إذا صدر قرار قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع أموال أو ممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية». هذه المقتضيات اعتبرها المحامي عبد الرحمن بنعمرو متناقضة مع المادة 480 من قانون المسطرة المدنية، التي تسمح بالحجز على أموال وممتلكات الدولة، إذا لم تؤد الأخيرة ما عليها من ديون لدائنيها، أي حين لا تنفذ أحكاما قضائية صادرة ضدها. كما أنه ضد التوجهات التي تضمنها مشروع المسطرة المدنية الجديد، والذي جاء ثمرة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، والذي يعتبر الحكم القضائي أمرا نافذا وجب تنفيذه مباشرة لدى المحاسب العمومي (الخازن العام للمملكة). وأوضح بنعمرو أن مشكلة تنفيذ الأحكام القضائية من قبل الدولة، قائمة وتسيء إليها، لأنه من أجل تنفيذ حكم قضائي واحد قد يستمر الوقت سنوات، وبالتالي فإن الدولة تقدم صورة سلبية عن التزامها بتنفيذ القانون، والذي يجب أن تكون فيه قدوة، لكن في الوقت الذي تحاول الحكومة إصلاح الوضع من خلال التشريعات الجديدة في مجال القضاء، فإن مشروع القانوني المالي، من خلال المادة 8، «يريد العودة بناء إلى الوراء». وأكد بنعمرو أن الخازن العام للمملكة يريد أن «يجعل نفسه مشرعا مكان آخرين»، بل «ويعتدي على اختصاصات وزير العدل والحريات»، مشيرا إلى أنه في حال تم تمرير هذه المادة، فإنها ستكون «ضربة للدستور، وللحوار الوطني حول العدالة». في المقابل، اعتبر الوزير المنتدب في الميزانية، إدريس الأزمي، أن الغاية من هذه المادة هي «ضبط المسؤولية». ففي الوقت الذي أقرّ بأن هناك مشكلة في تنفيذ أحكام القضاء ضد الدولة، قال إن المادة 8 تحاول تجاوزها عبر ثلاثة مقتضيات متكاملة: الأول، حصر الجهة التي يجب المطالبة أمامها بالأداء فقط، في الآمر بالصرف بالإدارة المعنية. ثانيا، إلزام الآمر بالصرف بأن يصدر أمر تنفيذ الحكم القضائي النهائي ضد الدولة في أجل شهرين. ثالثا، وفي حالة كانت الاعتمادات المالية غير كافية، فإن الآمر بالصرف يكون ملزما بدفع الاعتماد المالي المتوفر، وتوفير الاعتماد المتبقي خلال أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ التبليغ به. وأكد الأزمي أن المادة المذكورة تُحدد الجهة المسؤولة بوضوح، وهي الآمر بالصرف، أي الوزير الوصي على القطاع المعني ومساعدوه، ويحملها مسؤولية تنفيذ أحكام القضاء ضد الدولة. وعن تناقض مشروع القانون المالي مع قانون المسطرة المدنية، بخصوص الحجز على أموال الدولة أو ممتلكاتها، اكتفى الأزمي بالقول «هذا قانون، وذلك قانون»، مشيرا إلى أن مشكلة تنفيذ الدولة للأحكام الصادرة ضدها، ستصبح مستقبلا، وبناء على القانون التنظيمي للمالية «نفقة من بين نفقات الدولة»، متوقعا أن يشكل ذلك حلا ملائما للمشكل القائم حاليا.