سننطلق من هذا الشريط القصير تمهيدا متواضعا لما سيليه: اريك فروم (1900-1980) من اشهر فلاسفة علم الاجتماع والفلسفة في النصف الثاني من القرن العشرين، من المانيا وهاجر الى الولاياتالمتحدة عام 1934 واستقر فيها. من بين أهم مؤلفاته : الخوف من الحرية، ( ترجمة عبد المنعم مجاهد )، الانسان بين المظهر والجوهر (ترجمة سعد زهران / سلسلة عالم المعرفة عدد 140 /1990 ). وتعود اهمية اريك فروم - الآن - لما له من دور في فهم واقع شعوب الربيع الديموقراطي التواقة للحرية في ظل ضبابية المواقف السياسية من الحراك الإجتماعي وفي ظل انفراد الاحزاب الدينية بالساحة السياسية تحت يافطة الخيار الشعبي السليم ... ما صار مؤكدا ان هذه الشعوب تتوق للحرية بالقدر الذي تتخوف منها وبلغة فروم نفسه فان التاريخ يثبت لها ان نضالها من أجل الحرية صنع لها شخصيات تسلطية صادرت الحرية المنشودة .. حالة مصر في تاريخها الحديث التي اسقطت ملكية وحلت محلها الجمهورية التسلطية كان آخر شخصياتها التسلطية نظام مبارك وهو نظام كبافي الأنظمة التسلطية التي تحاول اقناع العامة انهم و في ظلها يعيشون في مأمن من شر خارجي يحدق بمصيرهم ، كالتلويح بفزاعة الإسلاميين تارة والتلويح بسجل الإنجازات والرخاء تارة أخرى ...وأن سعادة الناس تكمن في الخضوع . وهو الدور نفسه الذي تحدده الطبيعة السيكولوجية لمعتنقي المعتقدات الدينية حيث كان مارتن لوثر شخصية دينية تسلطية لأنه سوف لا يقبل بما يخالفه من الحريات ... وان الحرية وما يدخل في دائرتها فعل فردي مقرون بالقناعات الدينية كما ان البروتستانتية والكالفينية رغم تعبيرهما عن شعور جديد بالحرية فانهما يشكلان خوفا وهربا من الحرية..( الخوف من الحرية ...ص 70 ). الخوف من الحرية اضحى مرضا مزمنا يصيب المجتمعات وهو التفسير الموضوعي الممكن لشعب ثار ضد الاستبداد حتى النهاية لتحل محل هذا الأخير فئة ما فتئت تتنكر للديموقراطية وللحرية - التي راقت دماء من أجلها - وتحاول إعادة قولبتها تحت ذرائع ايديولوجية صرفة تجسدها في رمز للرذيلة والإبتذال والعري و التفسخ.. إنه الخوف من الحرية الذي جسدناه بصورة الجنين الذي فضل عالم الرحم عن عالم الحياة الخارجي ويضيف فروم ان " الإنسان حر بالمعنى الأخلاقي إذا اعتمدت دوافعه على حكمه الخاص بما يعنيه الواجب الأخلاقي .. وإن الذات الأخلاقية هي التي تصنع القانون لذاتها". وهو ما سيؤكده من بعده بعض اتباعه من ان ". الحرية عبء، والإنسان يهرب أحياناً من هذا العبء إلى التوحد في ضمن كتلة من الدهماء، أو بالانتماء إلى معسكر سياسي ذي إيديولوجية راديكالية شمولية ليتحرر "من كل شعور بالمسؤولية الشخصية". إن جني باكورة النضال كان على حساب ذلك الخوف الجماعي من الحرية التي راكمتها التجربة الفاشلة للتحرر و التي حاولت فئة المثقفين الأكثر نبلا التعبير عنها عبر خطاب ايديولوجي متعالم .. في الوقت الذي حاولت فئات تجرم الديموقراطية لقف الحماس الجماهيري واستثماره في اوج عنفوانه... وهو الحدث الأكثر دلالة ليتناغم مع استراتيجية مندسة ستستهدف الحقوق والحريات ومجالات الابداع والفن التي - طبعا – لا تتماشى مع القناعات التسلطية ومع الرؤية للحرية الفردية وللحق في الاختلاف.. حسب اريك فروم – دائما - تشترط كينونة الانسان الإستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي وهي شروط ملزمة للإنسان كي يكون ناشطا و فاعلا والربيع الديموقراطي للشعوب سيضع الأحزاب ذات المرجعية الدينية أمام خيارين لا ثالث لها فاما ان تقدم صورة جديدة لها باحترام الديموقراطية والحرية وتطهير تجربتها السياسية من كل الشوائب التي الصقت بها ضمن ادعاءات فزاعة الإسلاميين وهذا لن يتحقق إلا بالاستفادة الواقعية من طرح الحداثيين والعلمانيين لسد الثغرات اللاواقعية لبعض المفاهيم الأيديولوجية لهم وللأثر السلبي الذي خلفته الكثير من شطحات زعمائهم إبان الحماس الإنتخابي .. وإما التعبير عن مزيد من الحلكة في مواقفهم وهو ما سيزيد من اعبائهم السياسية الجديدة. ان ما بدأ يصطلح عليه بالاسلاميين الجدد سيجسدون هذا التميز باحترام المكاسب العامة للانسان في الحريات وفي المساواة بين الرجل والمرأة وفي احترام الحق في الاختلاف ' ويعتقد الجميع ان مضمون الرهان قد التقطت إشاراته سواء من في تونس بعد فوز حزب النهضة . أو في المغرب بعد فوز البيجيدي بإسراع بن كيران عن الاعلان ان '' محوري الحكم هما، الديمقراطية والحكم الرشيد، وإن الحزب لن يتدخل في الحياة الخاصة للمغاربة رغم مرجعيته الإسلامية ...'' كل الأبواب مشرعة الآن ./.