أثارت أحداث تونس وما أنتجته على الصعيد الاحتجاجي الحاجة لإعادة استكشاف خريطة هذه الظاهرة في التاريخ والفكر السياسي الإسلاميين. وفي هذا الإطار كان أول ما برز من نتاج علمي رصين تلك الأطروحة التي تقدمت بها الخبيرة المصرية نيفين عبد الخالق مصطفى لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة السياسية، تلك الأطروحة التي حملت عنوان "المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي"، وهي الأطروحة التي حازت على مرتبة الشرف الأولى، مشفوعة بتوصية بتداولها بين الجامعات، ونشرت بعد ذلك في كتاب يجد القارئ غلافه مرفقا. وكان منهج د. نيفين في أطروحتها يقوم على مسلَّمة مركزية قوامها النظر إلى الإسلام وما يمثله من فكر وحضارة بوصفه يمتلك تصوره الذاتي للوجود السياسي والاجتماعي، والذي يمكن اكتشافه من خلال التعامل المباشر مع أصول ومبادئ ومدركات الإسلام وليس من خلال أي مدركات حضارية أخرى. [COLOR=red]الإطار المرجعي للمعارضة في التاريخ الإسلامي[/COLOR] ترى د. نيفين عبد الخالق أن مفهوم المعارضة في التاريخ الإسلامي قد قام على عدة دعائم؛ أولها النظر إلى الكون والخلق على أنه وجد من أجل المعرفة بالله وعبادته، وسير البشرية نحو غاية محددة، وهي يوم الحساب الذي يفصل فيه الخالق بين خلقه. كما تلفت إلى أن ثاني أهم هذه الدعائم أن الجهات التي أسست لخبرة المعارضة كانت تنظر إلى الدولة أو المجتمع السياسي باعتبارهما وسائل تمكن الفرد من اجتياز الاختبار الدنيوي والوصول إلى يوم الحساب وهو مؤدٍّ لفروض دينه بعيدا عن ارتكاب ما حرمه الله، وبذلك تصير وظيفة الدولة وظيفة عقدية، ويصير الحاكم بمثابة الحارس على الشرع. كذلك ترى د. نيفين أن المعارضة كانت تحمل معنى التصدي والرفض لكل ما من شأنه الإخلال والإعاقة لبلوغ الفرد والأمة لهذه الغاية، وبذلك تكون حارسة للدين وتذود عنه، وبذلك تصير المعارضة بمعنى الاختلاف حول تصور الوسيلة والمنهج المؤدي لبلوغ هذه الغاية. [COLOR=red]مدارس المعارضة: الخروج والصبر والتمكن[/COLOR] وقد تناولت د. نيفين الدراسة من خلال ثلاثة مداخل، كان أهمها المدخل التاريخي، بما يقدمه من متابعة زمنية لظاهرة المعارضة من نظرة المحلل السياسي الذي ينظر للماضي كمرآة للحاضر وكأداة لاستكشاف المستقبل. وقد اتسعت الرؤية الزمنية للدراسة لكي تشمل التجربة التاريخية الإسلامية الممتدة من عصر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وحتى العصر العباسي الثاني، دون أن تهتم الباحثة بمتابعة الوقائع والأحداث التاريخية، وإنما اهتمت بالفكر ذاته من ناحية أصوله وتبلوره. وكان المدى الزمني المتسع يهدف إلى تتبع المساحة الفكرية المرتبطة بالمعارضة والاحتجاج سعيا لاستبصارها في أوج اكتمالها وتبلورها وصياغتها بصورة واضحة قد يحول التناول المرحلي اكتشافها. كما استخدمت د. نيفين المدخل الفكري التحليلي السياسي، ليكون اهتمام الدراسة وفقا لهذا المدخل ينصب على المعارضة من زاوية معينة هي الفكر السياسي الإسلامي، ويأتي ذلك من خلال البحث عن أصول المعارضة وجذورها بما يعنيه ذلك من جانب التأصيل الفكري لها، وكذلك متابعة تبلورها في شكل مدارس فكرية تضم فكر الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة حول مبادئ معينة هي من صميم مدركات الفكر السياسي الإسلامي ، وهي: مدرسة الخروج (الثورة)، ومدرسة الصبر، ومدرسة التمكن. ومن خلال المدخل التنظيري السياسي الذي يهتم بمنطق التعامل بين الحاكم والمحكوم، تنظر للمعارضة كحقيقة حركية تعني موقفا معينا تجاه السلطة، وبالتالي فهي مفهوم سياسي يتعلق بممارسة السلطة والقواعد التي تنظم هذه الممارسة، وتناقش كذلك طبيعة السلطة في الإسلام والنماذج التي تسود بالنسبة لمركز القيادة في المجتمع الإسلامي وأثر ذلك على المعارضة.. المعارضة كظاهرة طبيعية. [COLOR=red]الاختلاف كمدخل لدراسة ظاهرة المعارضة[/COLOR] إن الاختلاف في الرأي يبدو ظاهرة طبيعية، وهي نتيجة لما يتمتع به البشر من ملكة التفكير والتقدير الذي يؤدي استخدامها إلى تفاوت واختلاف الآراء بحسب تفاوت ملكات التفكير والتقدير الخاصة بكل فرد. وبما أن هذه الملكات هي نعمة من نعم الله على الإنسان، فإنه من ثم لن يكون مقبولا عقلا ولا شرعا حرمان الإنسان من استخدام مثل هذه الملكات، وإنما الأقرب إلى القبول العقلي والشرعي، العمل على تنظيم هذا التعدد والاختلاف في الآراء حتى لا تشتت وتستنفد طاقتها في التناحر والاصطدام. لذلك تؤكد الباحثة أن ما يراه البعض أن بعض النصوص الشرعية تذم الاختلاف وتحذر من مفارقة الجماعة لا تنصرف بالأساس لحظر المعارضة؛ لأنه يجب النظر لمثل هذه النصوص من خلال الجمع بينها وبين النصوص الأخرى الدالة على الدعوة إلى التفكير والتدبر، وعدم الانسياق والتقليد والاتباع دون إعمال العقل والفكر. وبهذا الجمع نصل لإظهار المجال الحقيقي لدور الرأي والفكر في الوصول إلى قرار معين يعبر عن استخدام الأفراد لملكاتهم الفكرية والعقلية من أجل الوصول إلى قرار يعبر عن الجماعة، وهو ما لا يمكن الوصول إليه بغير الحرية في إبداء الرأي والرأي الآخر المخالف له (أي بغير حرية المعارضة). وفي هذا السياق ترى د. نيفين أنه يجب مراعاة أن المسائل المتعلقة بالحقائق المطلقة التي ليس ثمة مجال فيها للرأي والاجتهاد هي عدد محدود ولا تحتمل التأويل، أما ما عدا ذلك فقد تختلف الآراء فيه وحوله، وقد تحتمل التغيير والتطوير ويكون ذلك بتغير المكان والزمان. كذلك فإن الخطأ في الرأي لا يعني فساد العقيدة وصاحبه ليس بضال؛ فقد شجع الإسلام على الاجتهاد فمن أخطأ فله أجر ومن أصاب فله أجران؛ وكذلك لا يملك أحد الحقيقة المطلقة فلا يجب أن يفرض رأيه على الآخرين ممن يعارضونه، وليس أدل على ذلك من قول أحد الأئمة: "رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب". [COLOR=red]قراءات مختلفة في علاقة القرآن بالمعارضة[/COLOR] لقد اختلفت الآراء حول مبدأ الحكم بما أنزل الله وهل هو الحاكمية أم غيره؟ وسبب الخلاف حول مدلول الحكم بما أنزل الله يبدو من وجهة نظر الباحثة أنه يعود في المقام الأول إلى عدم تحديد دلالة الألفاظ، وعدم وضوح المفاهيم في ذهن من يتناولون الموضوع الواحد، بحيث إنهم يفتقدون اللغة المشتركة بينهم، ومن ثم تنشأ المعارضة والاختلاف في الآراء، فالكثير يستخدمون اللفظ الواحد بمدلولات متعددة ومعان مختلفة. لذلك فهناك بديهيات يسلم بها كل من تناول الموضوع بالبحث، وهي أن ما أنزل في القرآن من أحكام وشرائع لا تخضع للاختلاف، ويجب الحكم بمقتضاها، وأن فتاوى المجتهدين واجتهاداتهم ليست لها الصفة المقدسة، وإنما تتعرض للتغيير والتطوير بحسب مقتضى الحال وفي الحدود التي أقرها الشرع، وكذلك أن الحاكم الإسلامي هو منفذ للقانون الإسلامي ومطبق لشرع الله وليس لشخصه أي صفة مقدسة. لذلك وضع القرآن مبادئ للحكم أهمها العدل الذي يتسع ليشمل كافة أنواع العدل، سواء بين الإنسان ونفسه أو بين الإنسان وغيره في نطاق الأسرة أو في معاملاته في نطاق المجتمع الإسلامي من مختلف النواحي الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، أو حتى في المعاملات مع الأعداء أنفسهم. وكذلك الحال بالنسبة لمبدأ المساواة فهو يرتبط بالعدل إلى حد كبير، وكذلك مبدأ الأهلية للقيام بالأمانة وأدائها إلى أهلها، فكلها مبادئ أساسية تشكل معا جانبا من التصوير القرآني لمعنى الحكم في الإسلام وغايته بحيث تصير المحافظة على تلك المبادئ هي بمثابة أسس شرعية تولي الأعمال القيادية للحكم. [COLOR=red]البيعة بالإكراه رافد لتأسيس المعارضة[/COLOR] وعلى أساس هذه المبادئ تتم مبايعة الحاكم (بأي طريقة متعارف عليها من طرق البيعة)، ولكن بشرط أن تكون البيعة على أساس حرية الإرادة وانتفاء الإكراه، واستنادا إلى حرية الإرادة في المبايعة فإنه إذا أخل الحاكم بشروط العقد أو البيعة أو أخذت له البيعة بالإكراه فإن المعارضة يحق لها أن تستند في هذه الحالة إلى سند شرعي يدعمها ويبرر وجودها. صحيح أن لفظة المعارضة لم ترد في القرآن الكريم كما هي بحسب الباحثة، إلا أن هذا لا يعني أنها غير متضمنة في ألفاظ أخرى وردت بالقرآن الكريم ويدور معناها حول الاختلاف والمعارضة، فما كلمات التنازع والشجار والمجادلة والجدل إلا ألفاظ مختلفة لمعنى واحد وهو عدم وجود رأي واحد مما يعني وجود المعارضة؛ لذا يعد الاختلاف في الآراء شيئا متوقعا وتحسب له القرآن الكريم، وافترضه كأمر واقع غير مستبعد الحدوث. [COLOR=red]الفكر السياسي للمعارضة، بين الفكر الغربي والرؤية التاريخية الإسلامية[/COLOR] ترى الباحثة أن الفكر السياسي الغربي ربط بين المعارضة ونظرية الديمقراطية الغربية، وأكد على ضرورة وجود حزب معارض كخاصية مميزة للديمقراطية، ولم يقم الفكر الغربي بتشخيصها وإنما اهتم بالأدوار، ويشترط كذلك الانتماء لعضوية تنظيم معين للتعبير عن معارضته في إطاره. بينما الفكر السياسي الإسلامي نظر للمعارضة وشخصها واهتم بشكل الحكم الأمثل وعين مفهوم الحاكم ودوره، وبينما اعترف الفكر الغربي بتبادل الأدوار بين أطراف السلطة، ظلت السلطة في الفكر الإسلامي حكرا على طرف واحد، ولا تعتمد على تبادل الأدوار؛ لأن كل طرف يدعي المثالية، والسبب في ذلك هو إضفاء الصبغة الدينية على جوهر الصراع السياسي، لدرجة أن أصبحت القضية تتعلق بالعقيدة، وأصبحت القضية إما كفرا أو إيمانا، هذه العقيدة تتسم بالثبات وليست كالسياسة تتسم بالتغيير. فالمعارضة في الثقافة الإسلامية موقف وليست دورا يتخذه الفرد بغض النظر عن كونه حاكما أو محكوما متى ظهرت دواعيه الشرعية الممثلة أساسا في القيام بالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا المبدأ قرين بالإيمان، انطلاقا من الحديث الشريف: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده... إلخ". ولالتصاق المعارضة بالعقيدة، فهي مخالفة أو معارضة كل ما يخالف الشرع، وهي ثابتة كذلك لثبات كل المبادئ التي انطلقت منها، وتعكس هذه المعارضة درجة الولاء لله ولرسوله؛ حيث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وتعبر وظيفة الحسبة عن معارضة كل ما ينافي الشرع، فالفرد له ولاية مباشرة في استعمال هذا الحق، والواجب العام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكما أن لكل منصب صفاته، التي بفقدها يفقد أهلية المنصب، وننتقل بذلك للمعارضة التي لها حق إقصاء فاقد هذه الصفات، ولكن بشرط استيفاء المعارضة للشروط مثل الإيمان والعدالة والعلم والقدرة... إلخ، وإلا أصبحت فتنة. وتكون بذلك المعارضة محرمة في حالة رفض أمر من أوامر الله، وتكون واجبة في حالة الغضب لانتهاك حدود الله، وتكون مباحة إذا تعلقت المعارضة بأمور الدنيا التي لم يرد بشأنها نص تحريم أو كراهة (المسكوت عنه). [COLOR=red]لماذا نشأت المعارضة؟[/COLOR] جاءت المعارضة كرد فعل لأسلوب القهر والاضطهاد الذي عوملت به المعارضة في ظل نموذج "الملك"، الذي بحلوله بدأ زوال أسلوب الشورى الذي يعطي الآراء المتعارضة الفرصة للتعبير عن نفسها، وحل أسلوب التنصيب بالقوة والقهر كطريقة للوصول للسلطة وأسلوب ممارستها. فيعتبر نموذج الخلافة أفضل النماذج؛ لأنها تعتمد المعارضة وحرية الآراء، بينما نموذج الإمامة الشيعي لا يعترف بالمعارضة؛ لأنها تعتمد نظام التعيين، وتعتقد بعصمة الإمام، ويزيد على ذلك نموذج الملك العضوض، الذي ليس فقط لا يعترف بالمعارضة وإنما يعمد للهيمنة بالقوة والبطش وإضفاء القداسة على شخص الحاكم لتدعيم مركزه، وتبرير سحقه للمعارضة أيضا. وتوضح الباحثة أن المعارضة أخذت في الإسلام أشكالا كثيرة، تمثلت بعضها في مدارس وهي: مدرسة الثورة، ومدرسة التمكن، ومدرسة الصبر، وقد مثل كل مدرسة منها طائفة أو أكثر مثل الخوارج، وأهل السنة، والمعتزلة من أهل السنة، على التوالي. مدارس المعارضة في التاريخ الإسلامي وقد اختلف تكييف إدارة الصراع بين المعارضة والسلطة من شكل لآخر. ويمكن بيان تلك الأشكال والمدارس فيما يلي: أولا: مدرسة الثورة، يكاد يجمع مؤرخو التاريخ الإسلامي على أن هذه الثورة تعتبر خروجا على أولي الأمر، وأن القائمين بها عصاة، وأطلقوا على الثورة: البدعة، والفتنة، والتطاول، والخروج عن الجماعة. وبذلك يمثل نجاح الثورة كارثة، وكذلك يفضلون القيام بإصلاحات وتقويم الوضع القائم دون محاولة تغييره باتخاذ مسلك الثورة، بالتالي كان موقف مؤرخي الفرق الإسلامية سواء من الخوارج أو الشيعة أو أهل السنة، فتميز بطابع التفسير الديني والمذهبي. وقد نعت مؤرخو أهل السنة وأهل الشيعة (ماعدا الفرق التي تبنت مبدأ الثورة) بالمروق والبغي والعصيان، عكس نظرة الخوارج الذين اعتبروا الثورة الطريق الصحيح لإعادة الحق لأصحابه، بينما يأتي التكييف القرآني ليؤكد دعمه للثورة، واستند مفكرو التيارات الثورية المسلمة في عصر الفتنة لأسس مشروعية الثورة في الإسلام مثل ظهور الفسق أو الجور أو الضعف من جانب الإمام في القيام بمهامه، واستنادا في ذلك لآيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة. ثانيا: مدرسة الصبر: ويعتمد فيها أهل السنة على مبدأ الإرجاء كموقف إزاء الفتن، ويرجئون أمرها إلى الله سبحانه حتى يكون الله هو الحاكم فيها يوم الدين، وقد نظر للمعارضة على أنها تمثل تهديدا خطيرا لدار الإسلام ونسيجها الاجتماعي، لذلك يجب أن تفرض المحافظة في جميع الأحوال، بسبب التهديد المستمر من الانحراف الداخلي ومن الغزو الخارجي. وتستند مدرسة الصبر في موقفها لموقف علي بن أبي طالب من قضية المعارضة، فصبر دون الخروج ودون النكوص بالبيعة، ويكتفي أهل هذه المدرسة بالاتجاه نحو دراسة الفقه والحديث واعتزال السلطان، والاكتفاء بتقديم النصح للراعي والرعية. وكان موقف الحسن البصري من الحجاج أوضح مثال لهذه المدرسة، فعلى الرغم من قوله في وجه الحجاج: "أما أهل السماء فمقتوك، وأما أهل الأرض فلعنوك"، إلا أنه رأى أن الخروج على الحجاج فتنة عظيمة للأمة، فنهى عن الخروج اتقاء الفتنة. ثالثا: مدرسة التمكن: لتتوسط المدرستين السابقتين، باشتراطها توافر الإمكانيات كشرط لنجاح المعارضة، وتعترف هذه المدرسة بشرعية الثورة على الحاكم الظالم متى نجحت هذه الثورة، فالبغي لا يكون إلا في حالة الخروج على الإمام الحق بغير حق. وقد وقف حسن البصري موقف المعارض للثورات التي شهدها عصره، ولكنه لم يرفض الثورة ذاتها في حال توافرت إمكانيات نجاحها وضمانات العدل في البديل الذي تقدمه، وهو كذلك موقف ورأي جماعة العدل والتوحيد. ويرى أبو حنيفة عدم جواز معاقبة من اعترض على الخلافة الشرعية العادلة ما لم يعتزم القيام بثورة مسلحة فعلا، ويرى كذلك أن إمامة الظالم باطلة ويجوز الثورة عليه، بشرط أن تتوافر لهذه الثورة أسباب نجاحها. أما المعتزلة، فقد انحازوا لمدرسة الثورة الإسلامية ووجوب النهي عن المنكر بالوسائل الثلاث، بشرط التمكن الذي ميز المعتزلة حتى تكون الثورة مثمرة، وفي حالة غياب التمكن، وفقدان الأمل في نجاح الثورة، أحجم المعتزلة عن مسلك الثورة، وصرفوا جهودهم لمواجهة التحديات الفكرية الموجهة إلى الإسلام. ومن ثم فإن الأساس الحقيقي للنظر إلى مشروعية المعارضة القائمة والمضطلعة بالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تمارس دورا في عملية انتقال السلطة والرقابة عليها إنما يكون من خلال ما أرسته أصول الشريعة في القرآن والسنة، تلك الأصول التي يتفاعل معها كل عصر من العصور ليتحقق بالفعل أن الإسلام إنما جاء ليكون صالحا لكل زمان وكل مكان، وبذلك يكون الإسلام قد اعترف بوجود المعارضة كظاهرة ومبدأ في الممارسة عرفها واقع الحياة السياسية الإسلامية، سواء كانت بالمخالفة في الرأي، أو غيرها من أشكال المعارضة التي سبقت الإشارة إليها. ---------- [COLOR=darkblue]إيمان شادي / أون إسلام[/COLOR]