سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    زياش: عندما لا يتعلق الأمر بالأطفال يفرون    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر الوطني عند علال الفاسي
قراءة في أطروحة الدكتورة فتيحة بلعباس
نشر في العلم يوم 20 - 11 - 2010

قدمت الدكتورة فتيحة بلعباس أطروحة لنيل الدكتوراه في في شعبة اللغة العربية وادابها وحدة المناهج النقدية المعاصرة والنص الأدبي بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت إشراف الدكتور أحمد بوحسن .
وقد تفضلت صاحبة الأطروحة بإهداء نسخة منها للأستاذ عبد الحق التازي الذي كتب عنها وعن شعر المرحوم علال الفاسي هذه القراءة القيمة .
شرفتني الدكتورة فتيحة بلعباس بإهدائي أطروحتها لنيل الدكتورة في الأدب بعنوان «الشعر الوطني عند علال الفاسي،»
وكلما تقدمت في قرائتها المتأنية، كلما اكتشفت عمق هذا العمل الجليل، الذي يعتبر ثمرة مصاحبة طويلة للكاتبة دامت زهاء أربعة سنوات مع الإنتاج الغزير لهذا الشاعر العبقري.
إن هذا مدون في ديوان علال الفاسي، المتكون من ثلاثة أجزاء.
أما الجزء الأول: فهو ينقسم إلى أربعة عناوين ويحتوي على 128 قصيدة أولها القصيدة الشهيرة « سيعرفي قومي « وهي عبارة عن خريطة الطريق التي اختارها علال لحياته النضالية من أجل بلوغ أهدافه النبيلة وقد نظم علال هذه القصيدة وهو ابن الخامسة عشرة من عمره، ولذلك سمي من عهدها « بشاعر الشباب» ويحتوي هذا الجزء الأول أو الكتاب الأول من ديوانه على كل القصائد التي نظمها علال قبل نفيه من قبل السلطات الاستعمارية إلى الكابون في 31 أكتوبر 1937.
أما العنوان الأول فهو يهتم بالدين والإصلاح والوطنية ويحتوي على 53 قصيدة تعتبر كلها على عزم وقرار الشاب علال على الكفاح المستميت من أجل حرية بلاده وشعبه وتقدمها، مستمدا إرادته الفولاذية من إيمانه بالله، ومن أخلاق مثله الأعلى في الحياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما العنوان الثاني فهو» المراثي» ، ويحتوي على 10 قصائد في رثاء صادق لبعض شيوخه الذين أخذ منهم العلم عمه المرحوم عبد الله الفاسي، وسعد زغلول وحافظ إبراهيم وفيصل ملك العراق، والحاج عبد السلام بنونه أب الوطنية في تطوان، والمتنبي في ذكراه الألفية.
أما العنوان الثالث المعنون بعواطف وتأملات فيحتوي على 38 قصيدة يحكي خواطر (الشاعر الشاب ) في الحكمة، وعلاج النفس والفخر بها، في الغزل والغرام والحب ودائما في الالتزام بعزم وإيمان بالدفاع عن حرية المغرب وشعبه وتقدمهما بالعلم والمعرفة.
أما العنوان الرابع فهو الشعر التعليمي، الموجه إلى الشباب لأخذ العبرة ممن سبقهم من السلف الصالح يعتمد على الإيمان بالله والتشبث بالسنة وأخلاق نبي الإسلام، وحب الوطن والملك، والوالدين ثم مجموعة قصائد على منوال قصائد Jean de la Fontaine
وآخر عنوان هو في الحقيقة ملحق يحتوي على قصائد ما قبل المنفى اكتشفها مدير مؤسسة علال الفاسي المرحوم عبد الرحمن بن العربي الحريش، بعد صدور الطبعة الأولى من ديوان علال ومن بينها على الخصوص النص الأصلي لنشيد الحزب: «مغربنا ووطننا».
وكل أبيات هاته ال 128 قصيدة مكتوبة على النمط القديم في الوزن والقافية، باستثناء قصيدته الرقيقة «أغرودة مشتاق» التي كانت أول قصيدة كتبها علال بباريس سنة 1933 على طريقة الشعر الحر.
أما الجزء الثاني: من شعر المنفى فهو يحتوي على 189 قصيدة مقسمة على 30 أقسام أرض الملك- تأملات (1) من شريط المنفى- من الشعر الرمزي- من أناشيد الرباعيات- من المزامير-علاج النفس-عواطف وذكريات- وجدانيات- من صور الحياة- نبويات مراثي-نظرات وأذكار-تشبيهات دعبات-اجتماعيات(1) ثنائيات- عبر وأساطير(1) أناشيد(1)- ورود وأشواك- ذكريات وأشجان من صور الطغيان الحديث- تأملات(2) وخواطر-اجتماعيات(2)-إشراقات أنغام الحب والحرية- أساطير(2)-أناشيد(2)-الزورق المغربي.
وفي هذه القصائد يعبر فيها الشاعر العبقري على لوعته وألمه لفراق رفاق الطريق في الكفاح الوطني، وعائلته المحترمة، من زوجته المصونة للا زهراء زاد الله في عمرها، وبنته البكر ليلى ووالده الوقور سيدي عبد الواحد الفاسي وكذلك لوعة فراق الوطن العزيز وحرمانه من الكفاح من أجل استقلاله، وتأملات حول الحياة، وقوة الإيمان بالله، وبقضية وطنه ومواطنيه وتحريرهم من الاستعمار والجهل والفقر والشعوذة ورفع شأنهم بولوجهم عالم العلم والمعرفة وخاصة المرأة المغربية ضحية الجهل وعدم الاهتمام بأحوالها والرفع من مستواها، كما يعبر الشاعر عن تعلقه بالحرية وحب الإنسان وحب الخير لغيره مما يكسي شعره شمولية وعالمية تعبر عن علو تفكيره.
وبه كذلك مجموعة من الأناشيد الحماسية التي تذكي روح التضحية والكفاح عن المغرب من أجل التحرير والإصلاح؛ والفخر بأعظم مثال الأخلاق الحميدة و الإيمان سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلم.
أما الجزء الثالث والأخير من ديوان علال فيحتوي على 110 قصيدة موزعة على 13 أقسام: تأملات- على درب العروبة- في سبيل بعث إسلامي- تحرير وتوحيد- نسائم قدسية- إضاءات- إشادات- ذكريات نبويات- عواطف صادقة- مراثي- نفتاث- أناشيد- أساطير وعبر- ملحق على الطبعة الأولى- (وفيه القصيدة العصماء).
وتعبر هذه القصائد عن تأملات الشاعر حول حالة بلاده وسبل انعثاقها من العبودية والجهل باللجوء إلى البعث الإسلامي والتشبث بلغة القراء وأخلاق نبينا محمد عليه السلام وبالحماس في الكفاح الذي يوقده الإيمان والأناشيد الوطنية التي أرادها الشاعر زادا لهذا الكفاح المقدس، كما أن علال أرثى فيها على الخصوص المناضل الفد سيدي عبد العزيز بن إدريس والشاب الشعلة الحسن بن شقرون وكذلك فال ولد عمير أمير طرارزة بموريطانيا، والأمير شكيب ارسلان ، وأخيرا رثاء الملك محمد الخامس.
كل هذه القصائد تؤشر على تشبث علال بالوطنية والوطنيين الصادقين يتقدمهم عاهل البلاد، وكذا الزعماء العرب والمسلمين المخلصين لذمتهم والمدافعين على قضية المغرب في بلدانهم أو في المؤسسات الدولية، وفي حقه في الحصول على الحرية والوحدة الترابية، والحفاظ على هويته الإسلامية كما عبر في بعض القصائد على ألمه لما يحصل لشعبه في عهد الاستقلال من اضطهاد وكبت لحرية التعبير بفرض الرقابة على الصحافة وعلى المفكرين الوطنيين، وتوجه البلاد توجها مضادا لوطنية وللمصلحة العليا للبلاد لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية.
هذا وباختصار شديد ما يحتوي عليه ديوان علال الذي استأنست به لمدة طويلة الدكتورة فتيحة بلعباس، واطلعت على شعره ذو الطابع الشمولي والكوني وعلى اهتماماته الكثيرة والمتعددة، فاختارت وحسنت الاختيار فقط الشعر الوطني عند علال معنونة به أطروحتها القيمة التي هيأتها في جو البحث والاجتهاد في كلية الآداب بالرباط، ومع مؤطريها الأجلاء.
فجاء هذا العمل كثمرة غالية تؤرخ لفترة دقيقة من حياتنا الوطنية، فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني و للرجة العنيفة التي فجرها الاحتلال العسكري لبلد عاش حرا مستقلا منذ بداية التاريخ، فقاوم الاحتلال بالسلاح أولا تحت قيادة موحى وحمو الزياني في الأطلس المتوسط ثم الأمير عبد الكريم الخطابي بطل ملحمة أنوال والثورة الريفية التي انتهت سنة 1926 حيث تحالفت ضده دولتان عظيمتان استعماريتان فرنسا وإسبانيا بجيشها العرمرمين واللذين استعملا كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة الفتاكة والطيران وكذلك الغازات السامة لإركاع المجاهدين في شمال المغرب.
كما استمرت المقاومة المسلحة في جبل صرغو في الأطلس الصغير حتى سنة 1934 أي 24 سنة بعد فرض الحماية على المغرب في 30 مارس 1912.
ومباشرة بعد قهر ثورة الريف بزغ الكفاح السياسي مؤطرا بثلة أغلبيتها من شباب جامعة القرويين يرأسهم شاعر الشباب علال الفاسي مسلحين بإيمانهم بالله وبقدرته القاهرة وبالحب الأزلي للوطن وإرادتهم الفولاذية هم ومن التف حولهم من الوطنيين أبناء الشعب في جميع أنحاء البلاد لمقاومة الاستعمار والكفاح من أجل الحرية والإصلاح والعمل على أن يتبوأ المغرب مكانته الطبيعية كبلد حداثي، متقدم متمسك بحضارته وإنسيته الأمازيغية العربية الإسلامية ونظامه الملكي الدستوري الديموقراطي.
فقد أدركت الدكتورة فتيحة أن علال وبدون منازع هو شاعر الوطنية الأول، الذي كما قال فيه الأستاذ عبد العلي الودغيري محقق الجزء الأول من ديوانه، « عرب بحق كيف يكون معنى الصدق والالتزام...وعرف رسالة الشعر والشاعر فوظف أداته لخدمة قضايا شعبه وأمته الإسلامية قبل أن يدعو غيره لتوظيفها».
فجاءت أطروحة الدكتورة فتيحة والتي اهتمت من بين الموضوعات العديدة والمتنوعة التي تطرق لها علال في ديوانه الضخم، بموضوع الأوحد والأهم عنده الوطنية المخلصة والصادقة على شكل كتاب من 201 صفحة.
إن هذا الكتاب عميق يحتوي على دراسة متأنية وصبورة للمؤلفة أخذت على نفسها إلمام شامل بالموضوع الذي اختارته، مسلحة بالاطلاع على كل جوانبه وبالتعرف على محتوى ما يزيد عن 30 مرجع عربي وأجنبي من مجلات وكتب وأبحاث علال الفاسي التي يقترب عددها من الأربعين ويتوزع الكتاب الأطروحة على بابين:
علال الفاسي المناضل الشاعر- منقسم إلى ثلاث فصول.
الشكل الفني وفكرة الوطن – منقسم إلى أربعة فصول.
وكل فصل من هذين البابين يتطرق إلى جانب من جوانب الموضوع من ناحية العمق والشكل، أترك القارئ استكشافها بقراءة متأنية للأطروحة بمقدمتها وخاتمتها ومحتواها الذي يتطرق لصلب الموضوع في بابها الأول بدءا بالمقاومة المغربية، وحياة علال الفاسي، مرورا بالالتزام والرؤية الإصلاحية لعلال، والحرية والتعليم عامة، وتعليم المرأة خاصة، والروح الوطنية والوعي الوطني والملكية والهوية المغربية ووحدة الشعب المغربي والانصهار الحضاري بين العرب والأمازيغ والديانة الإسلامية الموحدة لمكونات الشعب المغربي واللغة العربية لغة التعليم والتشريع والإصلاح.
أما محتواها في الباب الثاني فهو يتطرق للجانب التقني في شعر علال: المعجم والصورة الشعرية ومكوناتها وأثر النضال في توجيهها، وأخيرا الشكل الفني في الوزن العمودي والموضوعات الشعرية وأجناس الشعر.
وبقراءة الأطروحة يكتشف القارئ أن المحرك الأساسي في شعر علال هما المعركة ضد المستعمر من جهة والمعركة ضد التخلف في المجتمع المغربي.
وقد عانا في كلتا المعركتين السجن والمنفى السحيق والاضطهاد من قبل المستعمر، والمكائد من قبل الخونة والجهلاء وأئمة الطرقية المستعملين للشعوذة والخرافة والظلامية من أجل استغلال الشعب الفقير والمتعب فكريا لقضاء مصلحتهم الخاصة والاستغناء غير المشروع محميين في هذه المهمة الظلامية من قبل الاستعمار وأدنابه.
وقد واجه علال كل هذه المحن بصبر جميل وإرادة فولاذية حتى حقق هدفه: استقلال البلاد ثم مواصلة معركة الإصلاح من أجل بناء مغرب جديد، حر وديمقراطي ومتقدم.
ويكتشف القارئ أن الأستاذة فتيحة بعد تمكنها من شمولية وكونية شعر علال، اختارت لموضوع دراستها 50 قصيدة شعرية مستقاة من الأجزاء الثلاثة من ديوانه الغزير (الذي يحتوي على 427 قصيدة) مستشهدة بها على استنتاجات دراستها القيمة في الشعر الوطني عند علال الفاسي وبينت بذلك عنده أداة من أدوات التوعية والحماس وبواسطتها استطاع هو وأصدقاءه أن يعبئ أغلبية الشعب في جميع ربوع المغرب من أجل الكفاح ضد الاستعمار ومن أجل إصلاح ونهضة المجتمع المغربي، بالعلم وأخذه بلغته العربية.
وكنموذج لهذا الشعر النضالي صدرت أطروحتها بالقصيدة الشهيرة «سيعرفني قومي» وهي عبارة عن خريطة طريق لحياته وهو لازال في سن الخامسة عشرة من عمره، من أجل الوصول إلى الهدف الذي التزم بالكفاح من أجله حتى الموت: الدفاع المستمر عن الحرية وعن الوطن وعن الإنسان.
وتلى هذه القصيدة قصيدة أخرى تعبر عن إصراره على المقاومة وقد نظمها في منفى الكابون في 6 أبريل 1938 والتي تنتهي «بوطني أفديه»، ثم تأتي «الحرية» التي هي مفتاح كل ما يصبو إليه الشعب من استقلال وإصلاح، وقصيدة مدح الملك عند زيارته لمدينة فاس، ثم في ترقب زيارة العالم عبد الحميد بن باديس رئيس رابطة العلماء في الجزائر، الزيارة التي منعتها سلطات الحماية ينشد فيها وحدة عمل شعوب المغرب العربي، ووحدة كفاح علمائه وصلابتهم (صحيفة الشهاب) ثم قصيدة بمناسبة المولد النبوي ينهى فيها أبناء شعبه من زيارة الأضرحة وإقامة مواسم السحر والشعوذة، المنافية لتعاليم دينهم الحنيف وسنة رسولهم المصطفى الأمين ثم تأتي حسب المواضيع المدروسة (التعليم، الحالة المزرية لجامعة القرويين، تعليم المرأة وحريتها- الروح الوطنية وحدة الشعب المغربي - الملك - اضطهاد لغة القرآن- والمواضيع الأخرى التي سبق أن أشرنا إليها).
كما جاء في أطروحة الدكتورة فتيحة بلعباس قصائد شعرية لشعراء من المغرب العربي مثل أبي العباس الشابي من تونس ومحمد العيد من الجزائر وإشارته إلى محمد بنبراهيم من المغرب . وأحمد الشاف من ليبيا كما جاءت إشارات إلى شعراء المشرق الملتزمين والمرموقين مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد مهدي الجواهري، مبرزا الغليان الثقافي الذي كان يميز تلك القدرة من حياة شعوب الأمة العربية شرقا وغربا.
ولقد أبيت أن أسرد هاته الأبيات من كل القصائد التي نشرتها الدكتورة فتيحة في أطروحتها مع بعض الملاحظات شخصية لي وللدكتورة في الطرة، لأفتح شهية القارئ وحمله على دراسة متأنية لها والاستمتاع بما جاء من دور في شعر علال الذي كان وبامتياز شاهدا على عصره ، كما أتمنى أن يقدم القارئ كما فعلت الدكتورة على التعرف عن قرب من شخصية علال الفريدة من نوعها إذ هو من الصنف الذي ينعم به الدهر على البشرية كل قرنين أو ثلاث قرون، وذلك بقراءة ما جاء في ديوانه الذي يستحق كل العناية والوقوف عند كل قصيدة من قصائده التي هي جزء من حياتنا الوطنية المشرقة.
كما أن قصدي هو أن يتلذذ القاري وخاصة المفرنسين مثلي- بسحر اللغة العربية وغناها وقدرتها الفائقة على التعبير الدقيق على كل أنواع أحاسيس الإنسان ووصف دقيق لكل أسرار الكون، وما استكشفته العلوم القديمة والحديثة من أسراره في شتى المجالات.
إن الرجوع إلى اللغة العربية، والتشبث باستعمالها كلغة رسمية للبلاد حسب ما أقره الدستور، في جميع مناحي الحياة اليومية، سيمكننا من أن نتفاهم بيننا كمواطنين نعيش في بلد واحد وكذلك لنطور لغتنا ونحدثها لتبقى آلة التواصل بيننا وبين كل الذين يتكلمون بهذه اللغة وهم ملايين من البشر خاصة أنها لغة القرآن، الكتاب المقدس عندما يفوق المليار من سكان الكرة الأرضية، وخاصة منهم شعوب المغرب العربي التي لا يمكن أن تبني مستقبلها المشترك في إطار الحرية والتقدم والازدهار إلاّ بالتشبث بالمقومات المشتركة بينهم من دين ولغة وعادات.
كما أن استعمال لغتنا سيجعلنا قادرين على الرجوع إلى جذورنا واستكشاف ما خلّفه المؤلفون من قبلنا في شتى المجالات والعلوم وحتى نستمر في المكانة التي بوأنا الله سبحانه وتعالى: ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ (آل عمران: 104) وحتى نتمكن في تواصل غنى مع شعوب الحضارات المتنوعة للبشرية، ونستمر في إغناء القيم العليا المشتركة بين الحضارات الإنسانية، لنساهم في نشر المعرفة والسلم في هذا العالم المضطرب بفعل العولمة المتوحشة التي تجتاح كل المجتمعات غير مبالية بإدارة الشعوب في الحفاظ على هويتها وإنسيتها ، وعلى ضرورة تعدد الحضارات التي هي رحمة بين العباد.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (صدق الله العظيم) الحجرات-13-
غشت:2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.