تنتشر خيام متهالكة مشكلة أجزاؤها من رقع أسمال بالية وقطع بلاستيكية.. قرب إحدى هاته الخيام تنهمك امراة ذات وجه شاحب في نشر غسيل على شريط مربوط بعود لا يتعدى طوله علو الخيمة.. نساء ورجال يحملون قناني وأوعية مملوءة بالماء، تم جلبها من مكان ما.. عشرات الأطفال في حالة رثة يسرحون جريا ومشيا بين هذه الخيام المنصوبة. هي مواصفات تنطبق إلى حد ما على أحد مخيمات اللاجئين المتداولة أسماؤها في وسائل الإعلام، ارتباطا بأخبار النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، لكنها في الواقع مواصفات لتجمع عشرات من الأسر يضمه مكان هنا في مدينة طنجة، وهي ليست أسر لاجئين من دول جنوب الصحراء أو سوريا، كما يمكن أن يتبادر إلى الاذهان، ولكنها في الحقيقة أسر مغربية وجد أفرادها أنفسهم مجبرين على العيش في هذا المكان الذي يبعد سوى بأمتار قليلة عن مطرح النفايات البلدي. جولة في "مخيم اللاجئين" تتصاعد أدخنة مخلفات عملية تدبير النفايات الصلبة بالمطرح البلدي بطنجة، إنها عملية تجاوز تأثيرها حدود المطرح ليغطي المنطقة المحيطة بما تضمه من تجمعات سكنية وأيضا هذا الحي الصفيحي أو بالأحرى المخيم يسكنه مواطنون رفقة أسرهم، كأنهم لاجئون فروا من ويلات حرب أهلية أو كارثة طبيعية ضربت مسقط رأسهم. من داخل إحدى هذه الخيام، تخرج إمرأة في حدود الأربعينات من العمر، وهي تسحب خلفها كيسا لم يتم إغلاقه بإحكام لكونه ممتلئا فوق طاقته بقنينات بلاستيكية وربما أشياء أخرى قد تصلح للبيع ، " أنا أرملة واشتغل في بيع هذه الأشياء من أجل إعالة أطفالي الخمسة"، تقول هذه السيدة متحدثة بإنهاك لتشرح السبب الذي يدعوها لتحمل مشقة التنقل لمسافة لمسافة بعيدة بغاية بيع هذه القنينات والأخشياء التي جمعتها أو جمعها أطفالها من بين ىالأزبال. في أحد جنبات المخيم، يرتفع آذان، سرعان ما يستجيب له مجموعة أشخاص يتجهون نحو مصدره، حيث ينتصب كوخ تم نشييده بواسطة القصب والخشب والأسمال البالية، فيما تم افتراش جزء من أرضيته بحصير بال، فيما بقي الجزء الآخر بدون أي فراش، إنه المكان الذي يتم اتخاذه كمسجد لإقامة الصلوات الخمس. حسب الإحصائيات المتوفرة، فإن 117 أسرة، تقطن هذا "المخيم"، مشكلا مشهدا بؤس حقيقي من الصعب التصديق أنه يتواجد في مدينة توصف بانها قاطرة المغرب نحو التنمية، وهي نفس المدينة التي تحدث مسؤولوها عن قرب تخليصها من المطرح العشوائي الذي ما زالت تعتمد عليه في تدبير النفايات، لكن حتى الآن لم تتحدث أي جهة عن ما يمكن أن يخلص هؤلاء المواطنين مما هم فيه. حينما تصبح المزبلة بديلا للمدرسة "عمري 13 سنة، تركت المدرسة منذ سنتين، بسبب كلفتها المادية وأيضا لأنها بعيدة عن المنزل"، يتحدث أيوب وهو واحد من مئات الأطفال في هذا الحي ممن توقفوا عن الدراسة، لأسباب عديدة، من بينها تلك التي تحدث عنها أيوب. منذ أن توقف هذا الطفل عن الذهاب إلى المدرسة، أصبح يشتغل في المطرح القريب من محل سكن أسرته، إنه يقوم رفقة العشرات من أقرانه بالتنقيب وسط الأزبال بحثا عن أشياء قد تصلح للبيع، قنينات بلاستيكية أو أدوات منزلية. الفقر المذقع الذي ترزح تحته هذه الأسر القاطنة بهذا "المخيم"، ليس وحده الذي يجبر أطفالها على ترك المدرسة والإشتغال ك"ميخيات" في المطرح العمومي، لكن هناك سبب آخر مرتبط ببعد المسافة الفاصلة بين المدرسة والبيت. وفي هذا الإطار، يشرح عزيز، وهو رب أسرة، أن التنقل إلى المدرسة يكلف ساعتين يوميا، وهو أمر يتطلب المرور عبر طريق تطوان، بكل ما تحمله من مخاطر على حياة الأطفال. ومن جهة أخرى يكشف عزيز، أن تلاميذ هذا المخيم لا يدرسون سوى ساعيتن يوميا، أما عندما تتهاطل الامطار فهذا يعني انقطاعهم عن الدرساة طوال مدة التساقطات، " نتحمل معاناة كبيرة يوميا أثناء مرافقة أطفالنا نحو المدرسة" يضيف عزيز. وتستمر معاناة "اللاجئين" "ما الذي يجعل آذان مسؤولي المدينة صماء اتجاه وضعيتنا؟"، سؤال طرحه العديد من سكان هذا المخيم بكثير من المرارة، لكن الإجابة الوحيدة التي استقيناها كانت من طرف عبد السلام، رجل كث اللحية يرتدي لباسا قصيرا. هذا الرجل يعقد أن السلطة تتخذ هذا الموقف السلبي اتجاه هؤلاء السكان لأنهم من السلفية الجهادية، لكنه سرعان ما ينفي هذه التهمة قائلا بحزم "نحن لسنا إرهابيين ويجب على الدولة مساعدتنا". ويحكي عبد السلام، أنه في سنة 2008، قامت السلطات المحلية بإنزال أمني كبير وطوقت الحي الصفيحي السابق "عين قانا"، والهدف حسب عبد السلام هو ملاحقة "الإرهابيين" الموجودين في هذا الحي الذي قامت بعد ذلك بهدمه. بيد أن الاحداث التي يرويها عبد السلامن تزامنت مع قرار ولائي في عهد الوالي السابق محمد حصاد، بهدم الحي الصفيحي "عين قانا"، في إطار جهود مكافحة أحياء الصفيح وتحقيق التنمية المنشودة، حسب أدبيات الجهات المسؤولة، غير أن كل ما جناه سكان الحي الصفيحي السابق، هو أنهم وجدوا انفسهم مدبرين على نصب خيام مرقعة غير بعيد من أزبال المدينة ونفاياتها. وعلى مدى فترة وأخرى، ظل هؤلاء "اللاجئون" يتظاهرون ضد هذا التهميش، بالقرب من مقر ولاية طنجة، بعد أن يقطعوا مسافة سبعة كيلومترات سيرا على الأقدام، حاملين معهم لافتات وشعارات تشتكي حالهم الذي يرزحوون تحته، وإن كانت حالة هندامهم الرثة وسحنات وجوههم أبلغ من اي تعبير آخر عن واقع البؤس الذي يتمرغون وسط أوحاله. مرت ست سنوات على بداية فصل من معاناة هؤلاء المواطنين، وهي فترة تم خلالها التوصل إلى صيغة تمكن من ترحيل مطرح النفايات إلى خارج المدار الحضري، وبالتالي تنفس سكان الأحياء والتجمعات السكنية الصعداء، لأن هذا الترحيل يعتبر خلاصا لهم من معاناة امتدت لسنوات طويلة مع هذا المطرح. لكن أفراد "مخيم اللاجئين" سيستمرون في وضع أيديهم على قلوبهم خوفا من مستقبل لا يعرفون شيئا عما يخبئه لهم، في الوقت الذي بدأت فيه إرهاصات تشير إلى رغبة من يوصفون ب"وحوش العقار" في السيطرة على هذه المنطقة ككل.