«عايشين في التكرفيس» بهذه العبارة يلخص، عبد الكبير السملالي، أحد قاطني «دوار الشطب» بعين عودة، الوضعية التي يعيشها من تبقى من سكان الحي الصفيحي، بعد أن أعياهم انتظار تحقق وعود المسؤولين بتوفير مسكن لهم، فيما اختار المحظوظون منهم النزول ضيوفا عند أقارب لهم أو استئجار بيوت، لكن «إلى متى؟» يعقب السملالي. 24 أسرة في خيام بلاستيكية لا تتجاوز مساحة الواحدة منها المترين، أطفال ونساء وشيوخ ورجال يقتسمون الخيمة واللقمة الواحدة، يقضون بياض نهارهم معتصمين أمام باشوية عين «عودة» في معتصم اختاروا له اسم «مخيمات عين عودة»، فيما يحاولون ليلا أن يحتموا من شدة البرد القارس بما توفر لهم من أغطية وملابس بالية: «لم يعد لدينا مأوى نأوي إليه غير الشارع الذي اتخذناه مسكنا لنا، بعد أن أقصينا من الاستفادة من تجزئة سيدي العربي، وبعد أن أخلفت الباشوية وعدها حين قامت السلطات بهدم البراريك التي كانت تقينا شر التشرد»، يقول السملالي. بدأت معاناة سكان «مخيمات عين العودة» حينما شرعت السلطات المحلية، نهاية أبريل الماضي، في هدم براريك كانت تقطنها نحو 84 أسرة، في إطار المخطط الوطني للقضاء على دور الصفيح بالجماعة، الذي استفادت منه ساكنة الدوار البالغ عددها 1300 عائلة من بقع أرضية في تجزئة «سيدي العربي» تكفلت مؤسسة العمران بتهيئتها. بيد أن عملية توزيع البقع الأرضية على المستفيدين الذين تضمنتهم لوائح وضعتها سلطات عمالة تمارة الصخيرات، لم تنبن على قواعد عادلة ومنصفة وشابتها تجاوزات خطيرة، يقول المعتصمون، تمثلت في إقصاء أسر تتوفر فيها جميع الشروط القانونية للاستفادة، وشملتها إحصاءات أجرتها لجنة يرأسها عامل الصخيرات تمارة في سنة 2000 و2009، مقابل استفادة مجموعة من الأسر لا تربطها أية صلة بالدوار. يقول سعيد الرحالي: «منذ نحو 28 سنة وأنا أقطن دوار الشطب، لكنني فوجئت بإقصائي رغم أنني من سكان الدوار القدامى الذين شملتهم جميع الإحصاءات وأتوفر على وثائق إدارية تثبت انتمائي إلى الدوار، لكن ما أثار حفيظتنا هو استفادة غرباء عن الدوار يتحدرون من حي التقدم بالرباط ومناطق أخرى، من البقع الأرضية، فيما تم إقصاؤنا نحن سكان الدوار الأصليين». قدرة عجيبة على الصبر تلك التي يتمتع بها المعتصمون، الحاجة تعصف بهم في أقصى درجاتها، وجوه بائسة لا حول ولا قوة لها إلا بصيص أمل مازال يدغدغ قلوبهم ويدعوهم إلى الحلم بحياة أكثر إنسانية، لكنه أمل لا يبدو أنه سينسي بعضهم مرارة ما عاشوه خلال الأشهر الماضية من تشرد ومهانة. يقول السملالي بعبارات يشوبها الألم: «ما عمري في حياتي ما غادي ننسى كيف وصل بنا الحال نسكنو في القوادس ونعسو في الزناقي، واش كاين شي مهانة أكثر من أن مراتي ولدات في الزنقة في البرد؟ واش كاين شي حرمان أكثر من حرمان ولدي من التسجيل في الحالة المدنية». ويستنكر المعتصمون في تصريحاتهم للجريدة ما أسموه عدم تعاطي المجلس البلدي الحالي إيجابيا مع ملفهم وممارسة سياسة اللامبالاة وعدم إيلاء قضيتهم كبير اهتمام، محملين باشا عين عودة مسؤولية إقصائهم من الاستفادة وتبعات ما يعيشونه من تشرد. «هل تريدون أن تلتقطوا لنا صورة ليرى العالم حالنا؟» هكذا قال لنا طفل صغير لم يتجاوز السابعة من عمره، ونحن نهم بتفقد حال سكان «دوار الشطب» المعتصمين منذ أشهر أمام باشوية عين عودة. أحمد واحد من أطفال «مخيمات عين العودة» الذين اضطرهم انتقال أسرهم من الحي الصفيحي لمجاورة مقر الباشوية إلى مغادرة مقاعد الدراسة. وفيما تعذر على الجريدة طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، الحصول على تعقيب بشأن مصير العائلات المعتصمة أمام الباشوية رغم محاولتنا المتكررة ربط الاتصال بالسلطات المحلية والمنتخبين، قالت مصادر من المدينة متابعة لقضية سكان «دوار الشطب» إن موقف السلطات المحلية يقوم على أن الأسرة الواحدة القاطنة في «براكة» واحدة لها الحق في الاستفادة من بقعة واحدة، بغض النظر عن كونها تضم أبناء متزوجين ولهم أطفال.