كاريان المسعودي، كاريان الهجاجمة.. دور عشوائية تسيح في متاهة مساحة متسعة بمقاطعة آنفا، التي تتعايش فيها بشكل غريب كل المتناقضات الاجتماعية. فالمشهد له صورة واحدة، ثابتة لم تتغير منذ أزيد من 50 سنة، تشكل تاريخا خاصا لهذه الكاريانات التي ظلت تتناسل دون رقيب لعقود.. منعطفات أودية ملوثة تجري وسط هذه المساكن المهمشة، والمياه العادمة تجري في موقع مفتوح، وتشكل بركا آسنة تحيط بكل الدواوير، في غياب تام لقنوات الصرف الصحي، وملامح العفونة ماثلة في كل مكان جراء انعدام قنوات الصرف الصحي بالمنطقة، تنبعث منها روائح كريهة تزكم الأنوف.. تلك هي الصورة العامة لـ الكاريانات الإحدى عشر التي تنفرد بواقعها مقاطعة آنفا التي يشير اسمها في ذهن المغاربة إلى الرفاهية ونمط العيش الحضري الراقي. لكن الذي يكشفه الواقع، هو أن هذه البلدية التي تمتد على الساحل الأطلسي بين ميناء الدارالبيضاء شرقا وشاطئ عين الذئاب الجميل غربا، ورغم أنها تقع في قلب الدارالبيضاء إلا أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث نسبة السكان القاطنين في دور الصفيح بعد مقاطعتي عين السبع وسيدي مومن بضواحي الدارالبيضاء. ورغم ذلك، فإنها لم تعرف أي برنامج لمحاربة السكن غير اللائق لحد الآن. فكل ما يحكيه السكان هو عبارة عن أحلام تغذيها وعود كل موسم انتخابي، من دون أن يرى لها أثر على أرض الواقع. واقع جسده مشهد شيوخ التقتهم التجديد يوم اقتراع الجمعة الأخيرة، يستظلون تحت بقايا تل حجري هربا من حر صفيح لا يرحم شيخوخة لم يكتب لها أن تنعم بأمان سكن لائق، لطالما تجدد الوعد به في برامج الوعود الانتخابية. وأنى لهم أن يجدو هذه الراحة، وأغلبهم يقتسمون مع أبنائهم غرفة واحدة ينامون فيها جميعا واحدا بجانب الآخر. تم إحصاء مساكننا لأكثر من أربع مرات، وفي كل مرة كان يتجدد الأمل في تغيير الواقع، قبل أن يتبخر الحلم في الحصول على سكن بمواصفات تحقق العيش الكريم للساكنة يشرح ابا امحمد باستياء بالغ، وهو يؤكد أنه عاش فترة كل من تداولوا على تسيير بلدية المنطقة، ويجزم أن لا تغيير، فلذلك فقد قرر ابا امحمد ورفاق عمره، أن لا يطرقوا باب صناديق الاقتراع هذه المرة، بعد أن أعياهم الانتظار.والحال أن ما يعاني منه هؤلاء الشيوخ، ومعه أغلب سكان الكاريانات مقاطعة لم تتجاوز نسبة مشاركة ساكنتها في اقتراع الجمعة الأخيرة 20 في المائة، يعتبر فعلا مشكلا على درجة كبيرة من الأهمية، كون المنطقة تعتبر قلب الدارالبيضاء ونواتها التاريخية. وآخرون فضلوا أن ينعموا بهدوء الفيلات وهواء قادم من بحر يتراءى من محيطها، اقتطعوا حيزا مكانيا ونصبوا خيمة بحلم سكن في الفضاء الشاسع الممتد بجانبها، هربا من ضغط واقع حرارة سكن عشوائي، وصراخ أحفاد.. بعيدا عن كل ما ينغص العيش ولو لحين. هذا، ويعيش بحسب المندوبية السامية للتخطيط، 1,20في المائة من سكان آنفا في دور الصفيح، وفي الوقت الذي يسكن 1608 من ساكنة آنفا في الفيلات، و40 في الشقق، تعيش 15 في المائة من الأسر القاطنة ببلدية أنفا، بحسب المندوبية، في مساكن تتألف من غرفة واحدة، فيما تعيش 20 من الأسر في مساكن تضم أكثر من 5 غرف. وبالرغم من هذه الأرقام، فإن المقاطعة لم تستفد لحد الآن من أي برنامج لمحاربة أحياء الصفيح، وهي مرشحة بحسب المهتمين لاحتلال المركز الأول بعد إعادة إسكان قاطني أحياء الصفيح في سيدي مومن.