بالضبط منذ بداية سنة 2006، انطلقت عملية توسيع شبكة الوكالات البنكية في أرجاء المملكة المغربية من طرف جميع البنوك، نهجا لسياسة القرب تستهدف المواطن البسيط بجميع فئاته، بما في ذلك أصحاب الدخل المحدود وأصحاب الدخل اليومي، حتى أصبحت الوكالات البنكية اليوم أكثر عددا من مخادع الهاتف. ورغم ارتفاع عدد الوكالات البنكية إلا أن جودة الخدمات تبقى ضعيفة مقارنة مع الفاتورة الثقيلة التي يسددها الزبون كل عام، تصل كحد أدنى إلى 1000درهم، يدفعها من راتبه الشهري البسيط على شكل رسوم، سواء أكانت رسوم اقتطاعات الصراف الآلي أو رسوم التحويلات أو رسوم البطاقة البنكية، زيادة على ضريبة القيمة المضافة الخ... لقد أصبح المواطن يطرق باب الوكالة البنكية وينتابه شعور كما لو أنه دخل باب مؤسسة عمومية أو دائرة حضرية أو محكمة ستبث في شأن فك الحجز المالي الذي أقيم على أمواله وراتبه الشهري، يجد صفا طويلا عند الصراف الوحيد، وزبناء متذمرين ينتظرون مدير الوكالة أو مسؤول البنك الغائب كي يأشر على شيكهم البنكي أو شهاداتهم البنكية، في حين قد تجد موظفين آخرين متفرغين ينتظرون وقت الغداء أو يتحدثون في ما بينهم مع لامبالاة تامة لما يروج من حولهم بدعوى أن عملهم يشمل خدمات أخرى غير التي يطلبها الزبناء بازدحام، بينما يظل الزبون ثائرا ينتظر قضاء حوائجه مع موظف واحد في صف طويل عريض. أما بعض الموظفات فكلما دخلت الوكالة إلا وتجد سماعة الهاتف على أذنهن، يجعلنك غصبا وأنت تنتظر دورك في الصف الذي لا ينتهي، تسمع لحواراتهن مع الخادمة أو الخياط أو أصدقاء طفولتهن. وفي خضم هذه الفوضى وعدم المبالاة بالزبائن، تجد نفس الموظفين قد قاموا من كراسيهم المريحة يتحركون نحو زبون من نوع آخر، زبون يسمونه غالبا ب"السي فلان" أو "الأستاذ علان" احتراما لأمواله قبل شخصه، يعرضون عليه خدماتهم حتى لا "يَطفشَ" بأمواله المكدسة التي تغنيهم عن خدمة باقي الزبناء البسطاء. ولقد أصبحت عادة، أن تدخل الوكالة البنكية لتجد حشدا كبيرا ينتظر بسبب عطل تقني يصيب بتكرار الشبكة العنكبوتية الداخلية للبنك، فتُشَلّ الحركة وتتعطل مصالح الناس ولا يستطيعون صرف أموالهم، وعندما تسأل الموظف متى قد تعود الشبكة، يجيبك بغباء مستخفا بوقتك الثمين، لا أدري ربما بعد ساعة أو نصف ساعة، بينما نعرف أن الوقت بالنسبة للبنك هو مال وربح، بحيث إن تأخرت يوما فقط عن تسديد أقساطك إلا وارتفعت نسبة الاقتطاع لسبب التأخير، بينما حين يتعلق الأمر بضياع وقت الزبون فالبنك لا يعير أي اهتمام، رغم أن بعض الشركات تخسر أموالا طائلة جراء تأخر البنك في معاملاته الإدارية والمصرفية. وهناك مشكل يتخبط فيه تقريبا جميع الزبناء، ألا وهو مشكل البطاقة البنكية، فغالبا ما تصلك البطاقة قبل القن السري، فتنتظره أياما وليال، وأحيانا لا يأتيك، فتعود إلى البنك وتضع شكاية شفوية فيقال لك أنه تم إرسال القني السري إلى عنوان سكناك، ثم يلصقون الخطأ في عنوانك أو في ساعي البريد، فتعاود طلب القن السري من جديد بطلب خطي ويتم اقتطاع مصاريف إضافية لهذه الخدمة، ويضيع أسبوع آخر في الانتظار، وحينما يستعملها الزبون من أجل تسديد فاتورة المطعم أو السوق الممتاز تحرجه أمام الناس لأنه غالبا ما يصيبها عطل تقني بسب الشبكة الرديئة. أما الأخطاء التي ترتكبها البنوك، كالاقتطاعات التي تخص زبناء آخرين وتجدها قد اقتطعت بالخطأ من حسابك الخاص أو تجد في بعض الأحيان أنه قد تم اقتطاع شيك أو تحويل مرتين، فإنك حين تضع شكاية في الموضوع، يكون الجواب دائما على أنه"خطأ تقني"، والمشكل أنه لا يتم تصحيحه في نفس يوم الشكاية، بل يجيبك الموظف على أنه سيرفع الشكاية إلى إدارة التمويل والمحاسبة، فلا يتم تسوية الخطأ إلا بعد مدة قد تصل في بعض الأحيان إلى شهر أو أكثر. أما نسبة الفائدة، فتضل مرتفعة مقارنة حتى مع البنوك اليهودية أول متعامل بالفائدة على هذه الأرض، زيادة على الضمانات المكلفة التي تطلب من أجل الحصول على القرض الذي تتأخر إجراءاته لشهور عديدة. نرجو أن تكون البنوك الإسلامية القادمة أو البنوك التشاركية كما تحب أن تسميها البنوك المغربية التقليدية، قادرة على أن توفر جودة خدمات في المستوى المطلوب، وتخلق منافسة حقيقية تخدم المستهلك في نهاية الأمر، وربما تشجع بعض التجار الذين يتجنبون البنوك التقليدية بسبب الفائدة، للتعامل أخيرا مع هذه البنوك بمنطق البيع والشراء وبالنسبة للشركات بمنطق الربح والخسارة.