في منتصف أكتوبر الماضي أصدرت المجموعة المهنية لبنوك المغرب بلاغا باللغة العربية، وهي التي قلما تخاطب الرأي العام بلغة الضاد، نشر في عدد من الصحف المغربية تقول فيه إنها لاحظت منذ عدة أشهر نشر مقالات في بعض الصحف «تستهدف في كل مناسبة النيل من كرامة نساء ورجال القطاع البنكي الذين يعملون بتفان وأمانة ومسؤولية لمصلحة الوطن والمواطن المغربي». وأضافت المجموعة المهنية للبنوك أن أصحاب هذه المقالات لم يأخذوا بعين الاعتبار ما حققه القطاع البنكي من إنجازات في ميدان تمويل ومواكبة المشاريع الكبرى والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والأسر وأيضا تنسيقها مع البنك المركزي لتحسين وسائل الأداء وتقليص آجال استخلاص الشيكات وكذا تطوير استعمال البطاقات البنكية ووضع مركزية للمخاطر لتسهيل التمويل عبر القروض وإقامة آلية للوساطة البنكية، وما أغضب مسؤولي البنوك أن المقالات المذكورة إشارة وليست تصريحا «مست بسمعة وكرامة الرأسمال البشري للبنوك بواسطة تعابير مشينة في حقه» حسب البلاغ نفسه. هذه الخرجة الإعلامية لتجمع البنوك المغربية ولو أنها لم تحدد بالضبط الصحف والمقالات التي تتحدث عنها، والقضايا التي أثارتها هذه المقالات، وفضلت الحديث بلغة تعميمية لا تذهب إلى صلب الموضوع، غير أن المتتبعين ربطوا بين هذا البلاغ والمقالات الكثيرة التي ظهرت في الصحف اليومية وغير اليومية وتطرقت إلى قضية مدى احترام البنوك دورية بنك المغرب حول المجانية الإلزامية 16 خدمة بنكية كحد أدنى، وهي الخدمات التي كانت الكثير من البنوك يقدمها بالمقابل للزبناء، وهو ما كرس لدى المغاربة الاعتقاد بأن البنوك تبحث عن الربح المأمون في كل معاملة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة حتى طبع الكشوفات الشهرية للحسابات في الوكالات البنكية. الجواهري يعاقب بنكا كبيرا من القرارات التي وجهت رسالة إنذار مباشرة للبنوك المغربية إزاء علاقتها بالزبناء ما اتخذه والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري من عقوبة مالية في حق أحد البنوك الكبيرة لم يحدده بالاسم، والسبب هو خرق دورية البنك المركزي الصادرة في ماي الماضي، والتي تلزم البنوك بتقديم قائمة من الخدمات للزبناء بالمجان، ويصل عددها إلى 16 خدمة هي الحد الأدنى المطلوب. وقال الجواهري في شتنبر الماضي إن الغرامة المالية التي ستطبق على البنك تتناسب وحجم الأموال التي ربحها البنك جراء خرق الدورية، مع إلزامه بإرجاع ما أخذه من الزبناء نتيجة عدم تطبيق مجانية الخدمات المحددة، وحرص والي البنك على الإشارة إلى أن قرار العقوبة سيطبق «حتى لا تعتقد البنوك أننا نقوم بإجراءات شكلية لحماية زبناء البنوك» على حد قول المسؤول نفسه. وأضاف الجواهري أن فروع البنك في جهات المغرب ستقوم بمراقبة جهوية للبنوك في تلك الجهات فيما يخص التقيد بمجانية عدد من الخدمات البنكية، لكي لا تنحصر المراقبة على محور الدارالبيضاء والرباط التي تتركز فيها أكثرية الوكالات البنكية وأيضا المقرات الاجتماعية للبنوك، وقد سبق للبنك المركزي نفسه أن وقف إبان المراقبة الفجائية التي يقوم بها لمقرات الوكالات البنكية على أن البنوك لا تقوم باللازم فيما يخص إشهار تعريفة الخدمات البنكية في مكان مناسب وبخط مقروء، وبعضها لا يكلف نفسه عناء وضعه لائحة التعريفات بالمرة. وساطة ونزاعات في خطوة وصفت بالمتأخرة انطلقت منذ دجنبر 2009 تجربة لجنة الوساطة البنكية التي يترأسها بنك المغرب لحل المنازعات الكثيرة التي تقع بين المغاربة والمؤسسات البنكية بشكل حبي ودون اللجوء إلى المحاكم، ورغم أن المبادرة خطوة أساسية في اتجاه تحسين العلاقة بين القطاع البنكي وزبنائه إلا أن البنوك لم تبادر إلى شن حملات تواصلية للتعريف بهذه الآلية ما عدا بعض الخطوات المحتشمة كالإشارة إليها في ورقة الكشوفات البنكية في بداية العام الجاري، ولكنها لم تول كبير اهتمام لهذه الآلية. والنتيجة أن لجنة الوساطة البنكية لم تتوصل بملفات كثيرة وفسر ذلك بجهل الكثيرين بهذه الآلية وما تقدم من خدمة، ولهذا طلب والي بنك المغرب من الوسيط البنكي الانفتاح أكثر على الرأي العام والتعريف بهذه اللجنة التي تضم في عضويتها ممثلين عن القطاع البنكي وشخصيات وطنية في مجالات متعددة ويترأسها شخص له تجربة طويلة في القطاع البنكي هو محمد العلوي القاسمي، وأبانت التجربة القصيرة للجنة أن نزاعات كثيرة تنشب بين البنوك وزبنائها فيما يتعلق بإغلاق الحساب، خصوصا استمرار عدد من البنوك في مراكمة اقتطاعات على الزبون بعد طلبه إغلاق حسابه، حيث يفاجأ بعد مدة باحتساب البنك مبلغا كبيرا يمثل مجموع تلك الاقتطاعات لحساب كان يعتقد أنه أغلق نهائيا. كما أن البنوك المغربية تعتمد مسطرة مختلفة عن بعضها البعض في عملية إغلاق الحساب، وهو ما يخلق متاعب للزبناء تضيع معها حقوقهم، ولهذا تقرر أن يتم خلق لجنة تحت إشراف البنك المركزي، مهمتها توحيد كيفية إغلاق الحساب لدى البنوك كلها، مع تحديد آجال صارمة لتنفيذ الإغلاق، وبالموازاة مع ذلك تقوم جمعية تعنى بالدفاع عن الزبناء من الخروقات البنكية بإعداد مسطرة موحدة لفتح الحساب البنكي، ويقول رئيس الجمعية عبد الغفور غيات، وهو خبير في التقنيات البنكية، إن فئة من الزبناء غير واعية بأهميتها لدى الأبناك، حيث لا تكلف نفسها مراقبة الكشوفات وتفاصيل العمليات البنكية التي تجريها، في المقابل فإن الأبناك واعية بأهمية الزبناء بالنسبة إليها، إذ بدونهم لا يمكنها الاستمرار. ويضيف غيات أن عملا شاقا ينتظرنا لتوعية المغاربة بأهميتهم لدى المؤسسات البنكية، وعندما يتحقق ذلك فإن معاملة هذه الأخيرة لهم ستتغير حتما في اتجاه توازن أكبر في الحقوق والواجبات بين الطرفين، حيث يلاحظ مثلا في بنود عقود القروض أنها تتضمن في أغلبها تحديد واجبات الزبون تجاه البنك وتوفير كافة الضمانات التي تحمي أموال هذا البنك، دونما تنصيص بالقوة نفسها لحقوق الزبون تجاه البنك. جهل بواقع الحال رغم كل ما يقال ويكتب حول علاقات الزبناء بالمؤسسات البنكية، فإنه يندر وجود دراسات عملية معمقة في المغرب حول هذا الجانب، باستثناء بعض استطلاعات الرأي هنا وهناك، ومنها الاستطلاع الذي تشرف عليه الجمعية المغربية لمناهضة الخروقات البنكية لمعرفة رأي 1000 من زبناء البنوك حول المغاربة وشطط البنوك، وتحاول الجمعية من خلال الاستطلاع معرفة رأي المغاربة في المؤسسات البنكية، ومستوى الخدمات التي تقدمها لهم، ومدى وجود علاقة ثقة بين الطرفين، ونسبة تعرض الزبناء للخروقات البنكية.. ورغم أن إحصائيات شبابيك المستهلك الموجودة في المغرب تشير إلى أنه من أصل 6605 شكايات توصلت بها هذه الشبابيك خلال السنوات الثلاث الماضية (2007 و2008 و2009)، فإن نصيب الخدمات المالية لم يتعد بنسبة 3.1 في المائة، إلا أن المؤشر المعبر عن وجود نزاعات كثيرة في علاقات المغاربة بالزبناء هو أن أكثر من نصف القضايا التي تروج في المحكمة التجارية لمدينة الدارالبيضاء يتعلق بالمنازعات بين البنوك وعملائها، ومن أكثر القضايا المطروحة ما يتعلق بالعقود البنكية واستخلاص القروض... من جهة أخرى، يقول رئيس لجنة العقود والالتزامات التابعة لجمعية حماية المستهلك في الجديدة، محمد الخالدي، وهو إطار بنكي سابق، إن 45 في المائة من شكايات المواطنين ضد البنوك، التي ترد على اللجنة، تخص قروض السكن، بحيث لا يراعي عدد من البنوك حالة العجز عن السداد التي قد تحدث للزبون أحيانا لظروف قاهرة كالمرض أو التوقف عن العمل، وأضاف أن نسبة 35 في المائة تخص قروض السيارات. ويقول الخالدي إن المشكل يكمن في وجود فارق بين الثمن المعلن عند الاتفاق بين الزبون والبنك، وبين الثمن المدون في العقد ويتم تفسير ذلك بأن الزيادة في الثمن المتفق عليه تخص صوائر الملف والتأمين على السيارة، وهي أمور، يضيف الخالدي، لم يخبر الزبون بها منذ البداية. وحظيت القروض الاستهلاكية بنسبة 20 في المائة من الملفات الواردة على اللجنة، حيث يتم منح القروض لشريحة معينة من البسطاء ومحدودي الدخل وتخص مناسبات كالدخول المدرسي وشراء الأضحية وغيرهما، ويقع الزبون ضحية ما أسماه «الإشهار الكاذب» بين المبلغ المعلن في دعايات البنوك والمبلغ الحقيقي المسجل في العقد، ويصل الفارق بينهما إلى 10 إلى 12 في المائة ويتم تبريره بأنه يتعلق بمصاريف ملف القرض الخاص بالزبون، بحيث يقال له في الإشهار إن القرض المقترح هو 3000 درهم، لكن يفاجأ بأنه لا يتعدى 2600 أو 2500 درهم، والفارق في كل مرة يخص مصاريف الملف. ومن أبرز المنازعات بين البنوك والزبناء ما يتصل برفع الدولة نسبة الضريبة على القيمة المضافة على عمليات الليزينغ (الإيجار المفضي للتملك) من 7 إلى 20 في المائة قبل بضع سنوات، بحيث وجد المواطنون الذين أخذوا قروضا بنسبة الفائدة الأولى قبل الزيادة فيها أنفسهم مضطرين لدفع مصاريف غير متفق عليها عند توقيع عقود اللزينغ. ومن جملة المشاكل أيضا كيفية معالجة البنوك حالات العسر في سداد بعض المغاربة قروضهم المستحقة للبنوك، إذ عندما تعيد هذه الأخيرة جدولة ما تبقى من ديون مترتبة على الزبناء، فإنها تعمد إلى رفع نسبة الفائدة بموجب عقد جديد مقارنة بالنسبة المطبقة على العقد الأولي، حسب الخالدي. ليس المشكل من البنوك دائما رغم أن العديد من البنوك ترتكب خروقات في حق الزبناء دون أن يكون لهؤلاء سند يقف معهم للدفاع عن حقوقهم، إلا أن اللوم يقع أيضا على المواطنين الذين يتعاملون مع البنوك حسب قول عبد الغفور غيات، حيث لا يبادرون إلى تنظيم أنفسهم في جمعيات للدفاع عن حقوقهم في المعاملات البنكية مع الأبناك، «مع أن القانون المنظم لتأسيس الجمعيات لا يمنعهم من ذلك شريطة احترام القانون». ويشرح غيات كيف أن الجمعية التي يترأسها استطاعت حل الكثير من النزاعات بطريقة ودية بعد تدخلها بين الطرفين، من خلال مراسلة المؤسسات البنكية حول قضية النزاع وعقد لقاءات بين الجمعية وإدارة البنك، كما يقول محمد الخالدي إن جمعية حماية المستهلك في الجديدة تمكنت من حل ما بين 55 و60 في المائة من ملفات النزاعات بين البنوك وزبنائها التي وردت عليها منذ إنشاء شباك المستهلك، حيث تلقت 2300 شكاية منها 11 في المائة تتعلق بالعلاقات مع البنوك.