صحافي سويدي يروي فصلا من جرائم الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ترجمة وتقديم: علاء الدين أبو زينة دونالد بوستروم.. صحفي سويدي شجاع رشاد أبوشاور الأهداف الحقيقية من وراء الهجمة الإسرائيلية على السويد! صبري حجير صحافي سويدي يروي فصلا من جرائم الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية
منذ أوائل التسعينيات، وحتى الآن، يتهم فلسطينيون قوات الدفاع الإسرائيلية بسرقة أعضاء من أجساد ضحاياها من الشباب. وقد عادت هذه القضية إلى التفاعل مجدداً عقب إلقاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي على وسيط لتجارة الأعضاء البشرية بين إسرائيل والولاياتالمتحدة أواخر الشهر الماضي، وهو ما شجع الصحافي والمصور السويدي دونالد بوستروم على إعادة نشر جزء من مقالته “بيت النجار” التي كان قد ضمنها كتابه الوثائقي “إن شاء الله”. في هذا التحقيق، والذي حمل عنوان “فلسطينيون: أبناؤنا يسلبون أعضاءهم” ونشره في صحيفة “أفتونبلاديت” يوم السابع عشر من الشهر الماضي، يقص بوستروم حكاية أحد الشبان الفلسطينيين الذي يشتبه بأن أعضاءه قد سرقت. يذكر أن دونالد بوستروم، هو مصور صحافي سويدي وناشط أمضى كثيراً من الوقت وهو يرسل صوره وتقاريره عما يحدث في الأراضي الفلسطينية إلى الصحافة السويدية. وقد ضمن كتابه “إن شاء الله” في العام 2003 عشرات الصور التي تحكي مختلف جوانب الحياة والمعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال، كما ضم الكتاب عدة مقالات كتبها صحافيون سويديون، والتي تحدثوا فيها عن تجربتهم مع الحدث الفلسطيني-الإسرائيلي على الأرض. *** إنني ما يمكن أن تسموه “موفق أزواج”. هذا ما قاله ليفي إسحق روزنباوم من بروكلين، الولاياتالمتحدة، في تسجيل سري مع أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف. بي. آي) معتقداً بأن الأخير أحد الزبائن. وبعد 10 أيام من ذلك، في نهاية شهر تموز (يوليو) من هذا العام، تم توقيف روزنباوم عندما تم الكشف عنن قضية فساد في نيوجيرسي: كان حاخامات، وأشخاص منتخبون جماهيرياً وموظفون موثوقون في جهاز الخدمة المدنية قد نشطوا طوال سنوات في غسل الأموال والاتجار غير القانوني بالأعضاء البشرية، وهو أمر تم الكشف عن تفاصيله مؤخراً ليظهر مثل شبكة عملاقة. وهكذا، لم تكن عملية “توفيق الأزواج” تجري في حقل الرومانسية والحب، وإنما في شراء وبيع الكلى من إسرائيل في السوق السوداء. ووفقاً لروايته هو، فإنه يشتري الأعضاء من الناس الفقراء في إسرائيل مقابل 10.000 دولار، ثم يبيعها إلى مرضى يائسين في الولاياتالمتحدة مقابل 160.000 دولار. ويقارب زمن الانتظار القانوني للحصول على كلية في أميركا ما يقارب 9 سنوات. أحدثت هذه الاتهامات صدمة في مجتمع زراعة الأعضاء الأميركي. فإذا كان هذا صحيحاً، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توثيق تهريب الأعضاء في الولاياتالمتحدة، كما يقول الخبراء في أخبار “رل-تايم” في نيوجيرسي. لدى سؤاله عن عدد الأعضاء التي قام ببيعها، أجاب روزنباوم “الكثير”. ومضى إلى القول متفاخراً: “إنني لم أخفق أبداً”، وكان نشاطه مستمراً من دون انقطاع لزمن يعتد به. فرانسيس ديلمونيشي، أستاذ هارفارد في جراحة زراعة الأعضاء، وعضو مجلس إدارة “مجلس مديري مؤسسة الكلى الوطنية”، يقول في الصحيفة نفسها إن تهريب الأعضاء على نحو شبيه بذلك الجاري في إسرائيل يوجد أيضاً في أجزاء أخرى من العالم. ويقدر أن حوالي 10% مما يبلغ مجموعه 63.000 عملية زراعة كلى والتي تجرى في كامل أنحاء العالم تمارس بشكل غير قانوني، حسب ديلمونيشي. أما الدول الساخنة حول هذه الأنشطة غير القانونية فهي الباكستان، والفلبين والصين، حيث يعتقد بأن الأعضاء تؤخذ من السجناء الذين يتم إعدامهم. لكن هناك شكوكاً قوية أيضاً بين الفلسطينيين بأن أبناءهم قد تعرضوا للاعتقال، واستخدموا كما هو الحال في الباكستان أو الصين، كاحتياطي أعضاء قبل قتلهم. وينبغي للشكوك القوية للغاية، والتي تضم الكثير من علامات الاستفهام أمام محكمة العدل الدولية، أن تطلق بكل تأكيد تحقيقاً حول ما إذا كانت هذه تشكل قضية أخرى في قائمة جرائم الحرب الإسرائيلية. لقد وقعت إسرائيل بشكل متكرر تحت النار بسبب تصرفاتها غير الأخلاقية في التعامل مع الأعضاء البشرية وإعادة زراعتها. وقامت دول، مثل فرنسا من بين أخريات، بوقف تعاونها مع إسرائيل في مجال تبادل الأعضاء وراء في التسعينيات، وكتبت صحيفة “جيروسالم بوست” إن “دولاً أخرى في أوروبا يتوقع أن تحذو حذو فرنسا قريباً”. نصف عدد الكلى التي زرعها الإسرائيليون في مواطنيهم منذ بداية هذا القرن كانت تشترى من تركيا، وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. وتعرف السلطات الصحية في إسرائيل تماماً عن هذا النشاط، لكنها لا تفعل شيئاً لوقفه. وفي مؤتمر انعقد في العام 2003، أميط اللثام عن أن إسرائيل هي الدولة الغربية الوحيدة التي لا يدين فيها قانون المهنة الطبي الاتجار غير القانوني بالأعضاء، أو يتخذ إجراء قانونياً ضد الأطباء الذين يشاركون في هذا العمل الإجرامي. على العكس من ذلك تماماً، يتورط كبار الأطباء في المشافي الرئيسية في معظم عمليات زرع الأعضاء غير القانونية، وفقاً لما قاله داغنس نايتر. (ستوكهولم، 5 كانون الثاني-ديسبمر، 2003). في جهد يرمي إلى التغلب على الافتقار للأعضاء في البلد، أطلق وزير الصحة الإسرائيلي آنذاك، أيهود أولمرت، في صيف العام 1992 حملة رئيسية لتشجيع السكان الإسرائيليين على التبرع بأعضائهم. وتم توزيع نصف مليون منشور دعائي في الصحف المحلية، والتي طلب فيها من السكان التوقيع على اتفاق يقضي بالتبرع بأعضائهم عندما يتوفون. وكان أيهود أولمرت نفسه أول الموقعين. وبعد حوالي أسبوعين من ذلك، كتبت صحيفة “جيروسالم بوست” أن الحملة كانت ناجحة. لقد وقع الاتفاق ما لا يقل عن 35.000 شخص، مقابل 500 عقد تبرع شهرياً في الأحوال العادية. وفي المقال نفسه، كتب الصحافي جودي سيغال إن الفجوة بين العرض والطلب ما تزال هائلة. وقد ضمت قائمة منتظري الكلى حوالي 500 شخص، لكنه أمكن إجراء عمليات لمرضى بلغ عددهم 120 فقط. ومن بين 45 شخصاً ممن هم في حاجة إلى زراعة كبد، أتيحت لثلاثة منهم فقط فرصة إجراء العملية في إسرائيل. بالتزامن مع حملة الأعضاء هذه، شرع الفتيان الفلسطينيون بالاختفاء، والذين كانوا يعادون إلى قراهم ليلاً بعد خمسة أيام من اختفائهم، ميتين ومشقوقي الجثامين. هذه الظاهرة من الأجساد المشقوقة أخافت سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. ودار الحديث عن زيادة دراماتيكية في أعداد الشباب الفلسطينيين الذين يختفون، وعن عمليات الدفن الليلي المتكررة لهؤلاء الشباب الذين تعرضوا للتشريح. كنت في المنطقة، أعمل على تأليف كتاب عندما اتصل بي في عدة مناسبات عاملون في الأممالمتحدة، والذين كانوا يستشعرون الخطر بسبب تلك التطورات. وكان لدى أولئك الذين اتصلوا بي رأي يقول إن هناك عملية سرقة أعضاء كانت تحدث فعلاً، لكنهم لا يمتلكون الفرصة للتصرف. وقد تنقلت في الضفة الغربيةوغزة لصالح إحدى محطات التلفزة، وتحدثت إلى عدد كبير من العائلات التي ادعت بأن أبناءها قد سلبوا أعضاءهم قبل قتلهم. وأحد الأمثلة التي صادفتها خلال تلك الرحلة المنهكة، كانت حالة رامي الحجارة الشاب بلال أحمد غنام. كان الوقت يقارب منتصف الليل عندما سمع صوت ضجيج محركات القافلة العسكرية الإسرائيلية عند مشارف قرية “أم التين” في الجزء الشمالي من الضفة الغربية. وقد استيقظ سكان القرية البالغ عددهم 2000 عن بكرة أبيهم، ووقفوا مثل الظلال الساكنة في الظلام. البعض كانوا يستلقون على أسطح منازلهم، وآخرون وقفوا خلف ستارة نافذة، أو منزل أو شجرة يمكن أن تزودهم بالحماية، لكنها تتيح لهم مع ذلك رؤية كاملة لما كان سيصبح قبر أول شهيد من القرية. كان الجيش قد قطع كل خطوط الكهرباء حول القرية، وجعل المنطقة عسكرية مغلقة -ولم يكن بوسع حتى القطة أن تتحرك خارج الأبواب من دون المخاطرة بفقدان حياتها. كان الصمت الذي يصم الآذان لا تقطعه سوى شهقات بكاء مكتومة، ولا أستطيع أن أتذكر إن كان البرد أو التوتر هو الذي جعلنا جميعاً نرتجف. قبل خمسة أيام من تلك الليلة، في 13 أيار (مايو) 1992، كانت وحدة خاصة إسرائيلية قد تمركزت في كمين في دكان نجار القرية. كان الشخص الذي تجد الدورية في أثره هو فتى في التاسعة عشرة من عمره، بلال أحمد غنام، وهو أحد أولئك الشباب الناشطين في إلقاء الحجارة، والذين جعلوا حياة قوة الاحتلال الإسرائيلي بائسة. كان بلال غنام، أحد أبرز رماة الحجارة، مطلوباً لقوات الشرطة منذ عدة سنوات. وقد أفضى ذلك إلى أن يعيش هو وأقرانه من رماة الحجارة الشباب تحت السماء المكشوفة في جبال نابلس. كان القبض عليه يساوي الموت بالنسبة إليه. كما أن القصص عن التعذيب الذي يسبق هذا الموت لم تجعل الأمور أفضل، ولهذا قطن الشبان الجبال. لكن بلال هبط لسبب ما من الجبال ذات يوم وسار بلا حماية في دروب القرية ماراً من أمام بيت نجار القرية في ذلك اليوم المشؤوم من أيام أيار. أما لماذا هبط بالضبط في ذلك اليوم، فإن أحداً لم يعرف السبب، حتى شقيقه الأكبر، طلال. “ربما أراد أخذ بعض الطعام بعد أن نفذت مؤونته هو ورفاقه”. سار كل شيء وفق خطة الوحدة الإسرائيلية الخاصة. أطفأ عناصرها سجائرهم، وأبعدوا علب الكوكاكولا، وصوبوا بنادقهم بسلام عبر النافذة المكسورة. وعندما أصبح بلال قريباً بما يكفي، ما كان عليهم سوى الدوس على الزناد. وضربت الرصاصة الأولى صدره. ووفقاً للقرويين الذين رأوا الحادثة، فقد تم إطلاق رصاصة على كل من ساقيه بعد ذلك، ثم ركض جنديان نازلين من ورشة النجارة وأطلقوا النار عليه مرة أخرى في بطنه. وأخيراً، أمسكا ببلال من قدميه وجراه صاعدين الدرجات الحجرية العشرين إلى ورشة النجارة. وقال الناس حينذاك إن جماعة الأممالمتحدة والصليب الأحمر الذين كانوا في الجوار وسمعوا إطلاق النار حضروا إلى المكان للعناية بالجريح. لكن الجدل حول الطرف الذي سيعنى بالجريح انتهى إلى حمل القوة الإسرائيلية بلال المصاب بجراح خطرة في سيارة جيب، والتي ابتعدت خارجة به إلى أطراف القرية. وهناك، كانت طائرة عمودية تنتظر، والتي حملت بلال إلى مكان مجهول لا تعرفه عائلته. بعد خمسة أيام من ذلك، عاد بلال في الظلام، ميتاً وملفوفاً في قماش المستشفى الأخضر. وعندما توقفت القافلة العسكرية التي أحضرت بلال من مركز تشريح أبو كبير خارج تل أبيب عند مرقت بلال الأخير، ميز البعض قائد المجموعة العسكرية الإسرائيلية، الكابتن يحيى. “الأسوأ من بينهم جميعاً”، كما همس أحد ما في أذني. وعندما أنزل رجال الكابتن يحيى الجثمان واستبدلوا المشمع الأخضر بقماش قطني أبيض، تم اختيار بعض أقاربه الذكور لأداء المهمة -حفر القبر وخلط الإسمنت. مختلطاً الضجيج الهائل للمعاول، كانت ضحكات تسمع وهي تتردد بين فينة وأخرى من الجنود، الذين كانوا يقولون بعض النكات لبعضهم البعض بينما ينتظرون عودتهم إلى منازلهم. وعندما أدلي بلال في قبره، تعرى صدره لبرهة وعلى حين غرة، وفجأة هبط على أولئك الحاضرين وقع ما مر به وعاناه. كان بلال هذا بعيداً كل البعد عن بلال الذي عرفوه، وكان مشقوقاً من معدته وحتى ذقنه، ودارت الأسئلة والتوقعات حول السبب في ذلك الشق الطويل. كانت العائلات الفلسطينية المتأثرة في الضفة الغربيةوغزة متأكدة مما حل بأبنائها. وقال لي العديدون من أقارب خالد من نابلس: إن أبناءنا يستخدمون كمتبرعين إجباريين بأعضائهم. كما أخبرتني والدة رائد من جنين وأعمام محمود ونافز من غزة. كلهم غابوا لخمسة أيام، وكلهم أعيدوا تحت جنح الليل، وكانوا ميتين ومشرحين. - لأي سبب آخر إذن يبقون على الجثث لخمسة أيام قبل أن يدعونا ندفنها؟ ما الذي حدث لتلك الجثامين في الأثناء؟ ولماذا يتم إجراء التشريح عندما يكون سبب الوفاة واضحاً، ويجري في كل الحالات ضد إرادتنا؟ ولماذا تعاد الجثث في الليل؟ ولماذا بمرافقة عسكرية؟ ولماذا يتم إغلاق المنطقة خلال الدفن؟ ولماذا يتم قطع الكهرباء؟ كانت أسئلة عم نافز كثيرة وتشي بمشاعر الصدمة. لم تعد لدى أقارب الفلسطينيين المقتولين أي شكوك بعد إزاء المسألة. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، من الناحية أخرى، اعتبر اتهامات الفلسطينيين للجيش بسرقة الأعضاء ابتكاراً فلسطينياً. لقد تم تشريح كافة الفلسطينيين المقتولين بشكل روتيني، كما زعم. كان بلال أحمد واحداً من 133 فلسطينياً ممن قتلوا بطرق مختلفة في ذلك العام. ووفقاً للإحصائيات الفلسطينية، فإن أسباب الوفاة كانت كما يلي: إطلاق النار على الضحية في الشارع، ضرر بدني هائل، الغاز المضاد للدموع، الدهس المتعمد بالسيارات والعربات، الشنق في السجن، التعرض لإطلاق النار في المدرسة، الموت بالرصاص في المنزل… إلخ. ومن بين 133 شخصاً الذين قتلوا، والذين تراوحت أعمارهم ما بين 4 أشهر إلى 88 سنة، تم تشريح جثث 69، أي نصف عدد المقتولين تقريباً. ولا يتوافق “التشريح الروتيني” الذي تحدث عنه الناطق بلسان الجيش مع الواقع في المناطق المحتلة. ويبقى السؤال قائماً. إننا نعرف أن إسرائيل في حاجة ماسة إلى الأعضاء، بحيث توجد فيها تجارة هائلة غير قانونية بالأعضاء البشرية، وبأن هذا ظل يجري فيها لوقت طويل، وبأنه يستمر بالحدوث بموافقة وتواطؤ السلطات، وبأن الأطباء رفيعي المستوى في المشافي الرئيسية يأخذون الأعضاء، تماماً كما يفعل الموظفون المدنيون من مختلف المستويات. ونحن نعرف أن الشباب الفلسطينيين يختفون، وأنهم يعادون في الليل بعد خمسة أيام، مشقوقين ومخاطين. لقد حان الوقت لمعرفة الحقيقة عن هذا النشاط المريب، عما يحدث وحدث في المناطق المحتلة على يد إسرائيل منذ بدأت الانتفاضة. دونالد بوستروم - (أفتونبلاديت) @@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@ دونالد بوستروم.. صحفي سويدي شجاع الشجاعة هي أم الصفات الكريمة للإنسان، مطلق إنسان، وهي إذ يتحلّى بها الصحفي تكون شجاعة موقف ورأي، تدعمها الحقائق والوقائع المشاهدة في المخاطر، وهنا لا بدّ أن تشتبك مع التزوير، وتكلّف صاحبها ثمنا باهظا أحيانا. دونالد بوستروم صحفي سويدي، زار فلسطين أكثر من ثلاثين مرّة، فرأى وصوّر وكتب، لأنه لم يزر فلسطين سائحا، بل باحثا عن حقيقة الصراع الدائر على الأرض المعذّبة، بين شعب أعزل إلاّ من حجارة أرضه، والشعور العالي بالكرامة، والتسلّح بإرادة لم يكسرها البطش، وتفوّق السلاح في يّد مُحتّل شرس يمارس القتل، واقتلاع الأشجار، وصيد أطفال الفلسطينيين بلا رحمة، بل بمتعة يبررها بأساطير وخرافات تحشو عقله. هذا الصحفي السويدي عايش الفلسطينيين في الانتفاضتين، ونقل المشهد بتفاصيله وجنونه ورعبه إلى المواطن السويدي ليحصنه بالمعرفة والحقيقة في وجه الدعاية الصهيونيّة العنصريّة الابتزازيّة. جاء إلى فلسطين وهو غير منحاز لأي من الطرفين، ولكن نزاهته كصحفي فتحت عينيه على واقع الصراع، فتأمل ما يحدث، وذهب برؤيته إلى الجوهر، فانحاز للحقيقة والحّق، وجمع كتابات عدد من السويديين في كتاب أطلق عليه اسم ( إن شاء الله) ترجمته إلى العربيّة أمل عطا عبّاس الكسواني، وصدر بطبعته العربيّة في السويد عام 2006 . والكتاب يحوي 200 صورة التقطها بوستروم نفسه، وهو معروف كمصوّر ممتاز، والصور تحكي أحداث الانتفاضتين، وسور النهب، وتدمير المنازل، ومشاهد قمع جنود الاحتلال للفلسطينيين… عنوان الكتاب ليس سخرية من إيمان الفلسطينيين، ولكنه احترام لثقتهم بعدالة الله الواحد الأحد، رّب العالمين، وليس إله فئة من البشر تدّعي التميّز العنصري على بني البشر أجمعين بأعراقهم، وألوانهم، وثقافاتهم. تثير الدوائر الصهيونيّة بماكنتها الدعاويّة الإعلاميّة هذه الأيّام حملةً ابتزاز وتشهير تستهدف دونالد بوستروم لكتابته مقالة تتهم جنود الاحتلال بتعمّد قتل الفلسطينيين، و.. سرقة أعضائهم. المقالة نُشرت في صحيفة أفتونبلاديت السويديّة الشعبيّة واسعة الانتشار، وهو يورد الواقعة المثيرة: كنت موجودا في الأراضي المحتلّة عام 1992 عندما جلبت سلطات الاحتلال جثّة فلسطيني يدعى بلال أحمد غانم، وقد قالت أسرته أن الجيش سرق بعض أعضائه. ولقد سمعت روايات مماثلة من 20 أسرة فلسطينيّة تسلّمت جثث أبنائها، ظهرت فيها قطب جراحة! يتساءل الصحفي الشجاع: لماذا يتّم تشريح جثث الفلسطينيين الذين يسقطون برصاص جنود الاحتلال، ما دامت أسباب الوفاة معروفة؟! هذا أمر غير مفهوم، وهو يحتاج للتحقيق فيه، وهو ما قد يقود إلى اكتشاف جرائم حرب يمارسها جيش الاحتلال. صحيفة أفتونبلاديت رفضت الاعتذار عن نشر مقالة بوستروم، والحكومة السويديّة رفضت الاعتذار حتى الآن، رغم الحملة المتصاعدة التي تتهم الصحفي والصحيفة بمعاداة الساميّة، التهمة الجاهزة التي يشهرها الكيان الصهيوني، والدوائر الصهيونيّة، في وجه كل من يعلن رأيا منتقدا للجرائم التي تقترف في فلسطين، ويفضح لعنصريّة التي تمارس على شعب فلسطين، وإدارة الظهر للقوانين وللقرارات الدولية التي تنتهكها دولة الاحتلال، دون عقاب من الهيئات الدوليّة، وما يُسمّى بالمجتمع الدولي! رئيس وزراء السويد أعلن أن حكومته لن تعتذر، ووزير خارجية السويد كرر رفض الاعتذار عن نشر المقالة، لأنهما مع حريّة الصحفي والصحافة، ولم يأبها بتصريحات رئيس مجلس الأمن القومي للكيان الصهيوني عوزي آراد، وبحملة الاتهام بمعاداة الساميّة، والتي توجها نتنياهو بالتصعيد مع حكومة السويد: نحن لا نُريد اعتذارا، ولكن إدانة واضحة للمقالة والصحفي والصحيفة. في الصفحة 15 من كتاب ( إن شاء الله) الذي حرره واشرف عليه بوسترم، يورد شهادة لأم يهوديّة فقدت ابنتها في عمليّة استشهاديّة، تقول تلك السيدة ( نوريت بيليد ألشان): لقد استغرقت حكومتنا عشرين عاما من الاحتلال قبل أن يُفرّخ الاحتلال العمليّة الانتحاريّة الأولى. يُفسّر بوستروم كلام الأم اليهوديّة التي خسرت ابنتها:.. وهي تقصد أن الانتهاكات والإذلال على الحواجز (الإسرائيليّة) تُشكّل ً معملاً لتفريخ الانتحاريين، مشيرة بوضوح إلى مسؤوليّة ( إسرائيل) عن الوضع المتأزّم. (ص 15 من الترجمة العربيّة) في مقدمة كتاب ( إن شاء الله) يكتب بوستروم: وبالطبع لو كان باستطاعة الفلسطينيين أن يستبدلوا أسلحتهم اليدوية الصنع بطائرات إف 16 ومروحيات الأباتشي لفعلوا، لأن الأحداث قد أظهرت بوضوح أن إرهاب (الدولة الإسرائيليّة) والمنفّذ بأرقى الأسلحة الغربيّة ضد المدنيين الفلسطينيين، لم يحظ ولو بجزء بسيط من الإدانات التي تناولت (الإرهاب الفلسطيني) ..مع إن إرهاب الدولة أشد فتكا! ( ص 14) منذ نشر بوستروم كتابه بدأت الحملة عليه، وقد بلغت حدّ التهديد بالقتل، فقد تمّ إرسال نسخة من كتابه وصلته بالبريد وفيها 12 طعنة خنجر .. فهل هناك تهديد أوقح من هذا؟! هذه ديمقراطيّة الصهيونيّة في مواجهة الرأي المختلف، وغير المنصاع للأكاذيب والافتراءات وحملات تشويه نضال الفلسطينيين لتحرير وطنهم من الاحتلال، وهو حقّهم المشروع وفقا لكافة الشرائع والقوانين الدوليّة التي تكفل للشعوب حقّها في مقاومة الاحتلال. هناك مؤشرات كثيرة على جرائم سرقة أعضاء الفلسطينيين، منها على سبيل المثال ( مقابر الأرقام) التي تحوي شهداء مجهولين، يتهرّب الاحتلال من الاعتراف بأسمائهم حتى لا تكون هناك براهين على نوع الجرائم المقترفة بحّق أولئك الأسرى الذين سقط بعضهم في ميادين القتال جرحى، قبل أن يموتوا، أو يموّتوا. ما الذي يثبت أن هؤلاء الشهداء لم يكونوا جرحى، ومن ثمّ حصل لهم ما حصل بعد التعذيب والاعتداء على أجسادهم؟! عندما تمّت صفقة التبادل مع حزب الله العام الماضي، والتي كان عنوانها عميد الأسرى العرب سمير القنطار، تبيّن أن عددا من رفات الأسرى المعروفين لم تكن ضمن الجثامين التي سلّمها الكيان الصهيوني!.. أين ذهب جثمان الشهيدة دلال المغربي؟ ولماذا تمّت عملية خلط بعض عظام الشهداء في عملية تضليل وتمويه؟! وعظام من تلك التي قيل أن السيول دهمتها فأخرجتها من القبور؟ ألم تكن في صناديق وعليها الأسماء الحقيقيّة تحت الأرقام التضليليّة؟! في بداية الانتفاضة الكبرى، وقعت جريمة قتل مروّعة في مدينة نابلس، في يوم عُرف بيوم الجمعة الأسود، حيث قنص جنود الاحتلال أربعة فتيان، فاستشهد اثنان فورا، ولحق بهم الثالث بعد ساعات، وبقي حيّا و..ميتا إكلينيكيّا الفتى ناصر الهوّاش. نُقل ناصر إلى مستشف المقاصد في القدس، وهناك وقعت مفاجأة فقد اتصل أحد المستشفيات اليهوديّة وأبلغ مستشفى المقاصد بأن يسرائيل قد يخسر الحياة، وهو بحاجة لقلب لإنقاذه، وطلبوا أن يعرفوا نوعية دم الفتى الفلسطيني ناصر الهوّاش، وبعض المعلومات الصحيّة عنه. مستشفى المقاصد رفض منحهم قلب ناصرلأنه ما زال حيّا، ولأن هذا يخّص أسرته، وقيادة الانتفاضة في مدينة نابلس! نشر موقع ع48رب رسالة من الفلسطيني نائل طوقان، باسم الجالية الفلسطينيّة في السويد، جاء فيها ثناء على شجاعة بوستروم وبطولته، وعلى صحيفة أفتونبلاديت، ومناشدة بتزويد الجالية بأي معلومات عن حوادث مشابهة لحادثة الشهيد بلال، لأن هذا سيدعم موقف الصحفي والصحيفة في وجه الحملة الصهيونيّة… يستحّق دونالد بوستروم من اتحاد الصحفيين العرب، ومن المؤسسات الإعلاميّة العربيّة، ومن الكتّاب والمثقفين العرب، ومن الفضائيّات العربيّة، الوقوف معه، ودعمه هو والصحيفة الشجاعة، والحكومة السويديّة الصامدة حتى اللحظة لحملة الابتزاز ..فهذه المعركة هي في صلب صراعنا مع احتلال يهدم، ويقتل، ويمارس أحّط أشكال العنصريّة، ويغطي جرائمه برمي من يدينه يتهمه معاداة الساميّة!! لشكر رونالد بوستروم أرسل له بكلمة شكر عنوانه البريدي donald_(at)_donaldbostrom.com رقم هاتفه 0046707784008 @@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@ الأهداف الحقيقية من وراء الهجمة الإسرائيلية على السويد! تتواصل الأزمة وتتصاعد، هذه الأيام، بين الحكومتين الإسرائيلية والسويدية، على خلفية تقرير إعلامي نشره الصحفي دونالد بوستروم في صحيفة أفتون بلادت السويدية، بتاريخ 17 - 8 - 2009 بشأن فضيحة الإتجار بالأعضاء البشرية للأسرى والشهداء الفلسطينيين. بدأ الهجوم الإسرائيلي على الصحيفة السويدية، وكاتب المقال، من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلية ” داني آيلون” الذي طلب من الصحيفة السويدية الإعتذار للحكومة الإسرائيلية، ومعاقبة كاتب المقال! حيثُ قال الناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية، يغئال بلمور، إن ” مجرد النشر هو وصمة عار للصحافة السويدية، وأنه لا مكان في دولة ديمقراطية لفرية دموية ظلامية، قرون وسطوية، من هذا النوع، وأن التقرير مسيء للديمقراطية السويدية والصحافة السويدية كلها “. أسفرت الحركة الهجومية الإسرائيلية على دفع السفيرة السويدية، في تل أبيب، لاستنكار التحقيق الصحفي الذي أوردته الصحيفة السويدية المذكوره، وطالبت من الصحيفة الإعتذار أيضاً! ” والسفيرة السويدية في تل أبيب هي ” أليزبت بونييّر ” تنحدر من عائلة يهودية سويدية، والجدير ذكره أن عائلة بونيير في السويد، كانت تحتكر الإصدارات المطبوعة للكتب المدرسية التي تنغرس في أذهان الأجيال، وتشكل لهم القاعدة الثقافية والمعرفية! “ في المقابل رفضت الصحيفة السويدية تقديم الإعتذار، واعتبرت الطلب الإسرائيلي تعدياً على القيم الأخلاقية، وقيم الحرية التي يقوم عليها المجتمع السويدي، وخاصة حرية الرأي والتعبير! تلقت السفيرة السويدية صفعات من عدد من قيادات الأحزاب السويدية الذين طالبوها بالعودة الى بيتها في السويد، كي تعيد صياغة تربيتها على القيم السويدية الأصيلة، قبل أن تمثل السويد في المحافل العالمية، من جانب آخر رفضت وزارة الخارجية السويدية ما جاء على لسان السفيرة السويدية في تل أبيب، واعتبرته رأي فردي لا يمثلُ بالضرورة موقف وزارة الخارجية السويدية! استعرت الحملة الإعلامية الإسرائيلية على الصحيفة والحكومة السويدية معاً، وتواصلت عبر تصريحات لوزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين، لتصل الى حدّ الأزمة في العلاقات بين الحكومتين. يبدو أن العقلية النرجسية الصهيونية ما زالت تسيطر على القادة الإسرائليين، وهي القائمة على الإعتقاد المطلق ؛ بأن كلّ ما تقوم به الدولة الصهيونية يجد له تبريراً أو تمريراً لدى القوى الحيّة الأوروبية، ولم يدرك الصهاينة بعد، أن الظروف قد تغيرت، والأحوال قد تبدلت في العالم، حيثُ أنّ الجرائم التي ارتكبتها الدولة الصهيونية بحق الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في الضفة، وفي قطاع غزّة أخيرأً، وعلى مدى سنوات الإحتلال، قد أثرت في السيكيولوجية الشعبية، وأصابت الضمائر الحيّة للشعوب الأوروبية. أن مسؤولية الصمت والإنصياع للسياسات الإسرائيلية، لما جرى، ويجري في المناطق المحتلة قد أثقلت كاهل الشعوب الأوروبية بالعبيء الأخلاقي والمادي! لأنّ التدمير المادي الذي ألحقته الوسائل العسكرية الصهيونية، في الضفة وقطاع غزّة، بالبنية التحتية للمدنية الفلسطينية، بل للمكونات الأساسية للحياة الإنسانية للفلسطينيين، تحملَ مسؤوليته الضمير الأخلاقي الأوروبي أولاً، ودافع الضرائب في الإتحاد الأوروبي ثانياً، الأمر الذي أفضى الى توجهات مختلفة في الرأي العام الأوروبي، وأسهم بالتالي في صياغة مواقف تقيمية معادية للدولة الصهيونية. يبدوأن القيادات الإسرائيلية لم تستوعب بعد المتغيرات التي تكونت في ذهنية الشعوب الأوروبية، وخاصةً لدى القوى الحيّة فيه، ولم تدرِ أن في السويد فقط عشرات المقالات السياسية التي تنتقد بل وتهاجم السياسة الإستعمارية الصهيونية يومياً! وهذا بحدّ ذاته يشكل عاملاً مهماً من عوامل تكوين الرأي العام المعادي للدولة الصهيونية وممارساتها الهمجية والإجرامية، وكذلك لم تستوعب بعد أن التلويح بمعادات السامية بات ضرباً من الماضي، ولم يعد يجدي نفعاً! في حقيقة الأمر، الأزمة التي اشعلتها الحكومة الإسرائيلية مع الصحيفة السويدية بنت على أطرافها مداميك هجومية أشرس عدوانية على الحكومة السويدية، لتصل الى أهدافٍ ومرامي أبعد عمّا يظهر على السطح، أبعاد تتجاوز التحقيق الصحفي الذي يدين اسرائيل، الى أهداف خبيثة تتمثل في إرباك رئاسة الإتحاد الأوروبي، والتأثيرعلى موقف الحكومة السويدية من مسألة تجميد الاستيطان التي أكدت عليها السويد في بداية تسلمها لرئاسة الإتحاد الأوروبي، وإضعافه ثمّ تبديده، ففي بيان غلبت عليه الشدّة، دعت الرئاسة السويدية للإتحاد الأوروبي اسرائيل الى وقف الإستيطان، وعدم القيام بأي عملٍ استفزازي في القدسالشرقية بما في ذلك عمليات التدمير والإبعاد التي تطال البيوت والمواطنين الفلسطينيين في المدينة المقدسة، مؤكدةً أن عملاً من هذا النوع يعتبر غير قانوني ولا يخدم مساعي السلام. إضافة الى أنّ الهجمة الإعلامية الإسرائيلية تأتي عشية جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الى عدد من الدول الأوروبية، حيثُ سيكون ملف الإستيطان حاضراً في أجندته. الدول الأوروبية اتخذت موقفا شبيها من موقف الإدارة الأمريكية التي تطالب بتجميد تام للاستيطان لتحريك المفاوضات مع الفلسطينيين، وبحسب مسؤولين إسرائيليين، وفي سياق التضليل الإسرائيلي، اقترح نتانياهو تعليق منح العروض لبناء مساكن في الضفة الغربية حتى مطلع 2010. وقد اعتبر ذلك الرئيس الأمريكي باراك اوباما ذلك بادرة حسنة رحبَ بها، رغم أن الأنباء تفيد بأنَ عملية البناء تتواصل على أشدّها في مستوطنات الضفة والقدس!.