يشكل شهر رمضان المبارك في مدينة طنجة، كما في غيرها من مدن المملكة، مناسبة يغتنمها الكثير من الشباب وغير الشباب من أجل كسب موارد مالية إضافية، كما يشكل مناسبة للبعض الآخر للتخفيف ولو بشكل مؤقت من وطأة البطالة، وذلك من خلال امتهان أعمال ومهن لا تصلح إلا في شهر رمضان. فيكفي القيام بجولة قصيرة في أحد أسواق مدينة البوغاز، حتى يبدو واضحا انتعاش أنشطة تجارية خاصة بهذا الشهر الفضيل، وهي أنشطة تكاد تنعدم بشكل كلي في غيره من الشهور. فبيع الشباكية والتمور، إلى جانب البغرير والفطائر المتنوعة، إضافة إلى امتهان بيع العصائر ومختلف المواد الغذائية. كلها مهن تعتبر ملاذا للعاطلين وذوي الدخل المحدود .. لكن حتى إشعار آخر. الحاجة "رحمة"، هكذا يناديها معارفها، سيدة في أواخر الخمسينات من العمر، اعتادت بشكل يومي أن تحط بضاعتها في احد جنبات سوق بني مكادة، لتعرض للبيع ما جنته يداها من ألبان واجبان ورغائف تقول عنها إنها تلقى إقبالا كبيرا من طرف الطنجاويين خلال شهر رمضان، خلافا لباقي شهور السنة التي تقتصر خلالها على خبز وإنتاج كميات محدود. فهذه السيدة التي تقطن بأحد دواوير قرية سيدي احساين القريبة من طنجة، تعترف أن الرواج والإقبال على هذه المنتوجات يتزايد أضعافا مضاعفة خلال أيام الشهر المبارك. ليست الحاجة "رحمة" وحدها من تختار شهر رمضان لترويج بضاعتها، فحول نفس المكان الذي تفترشه هذه السيدة، يتواجد العشرات من النسوة والأطفال والشباب، وكل يحاول استمالة المواطنين من أجل ابتياع بضاعته، مثلما يفعل الطفل "نزار" الذي لا يتجاوز عمره اثني عشر سنة، ورغم ذلك يتردد بشكل يومي على هذا السوق لبيع فطائر "البغرير" التي أعدتها والدته الأرملة، وكلفته هو وشقيقه الأصغر "أحمد" ذو الثماني سنوات، ببيعها في هذا المكان من أجل إعانة أسرتها الفقيرة. "يوميا آتي إلى هنا لأبيع البغرير لأساعد أمي" هكذا يتحدث "نزار" عن نشاطه الذي يؤكد أنه نشاط لا يقتصر في ممارسته على أيام شهر رمضان، لكنه يعترف بأن مردودية تجارته هذه مربحة خلال هذه الأيام أكثر من باقي أيام السنة. وفي مشهد آخر من مشاهد المهن التي تنشط خلال رمضان، تلك العربات الصغيرة التي قوم مجموعة من شباب الأحياء المهمشة بالدرجة الأولى على نصبها في أحد جنبات أحيائهم، كما هو الشأن ل "سفيان" 21 سنة، الذي اعتاد ممارسة هذا النشاط منذ ثلاثة اعوام، بتشارك مع أحد رفاقه. ف"سفيان" الشاب العاطل عن العمل يجد في هذه المهنة فرصة لكسب بعض المال الذي يعينه على عطالته الممتدة على مدى شهور السنة. إنها مهن موسمية لا شك انها لا تسمن ولا تغني كثيرا، ولكنها حتما تساهم بشكل أو بآخر على التخفيف من وطأة الفقر والبطالة الذين تعاني منهما شريحة كبيرة من أبناء المجتمع الطنجي. لكن مفعول هذه المهن يبقى محدودا بين فترة زمنية تنتهي مع انتهاء شهر الصيام، حيث يعود ممارسوها إلى طوابير العاطلين والرازحين تحت وطأة الفاقة.