في تسعينيات القرن الماضي، وفي أيام رمضان بالخصوص، كان الحصول على نصف لتر من الحليب لسد الرمق أو تحضير عصير الفواكه عند أذان المغرب، يعد من سابع المستحيلات. وكان "الرامبو" تاجرا موسميا بامتياز. فخلال هذا الشهر كان لا يفوت فرصة الطلب المتزايد على الحليب ليبسط نفوذه في بيع هذه المادة النادرة. فعلى رأس كل مائة متر كان ينشر "الرامبو" طاولة ويضع عليها مندوبا تابعا له لبيع الحليب وخليط من الأعاصير المهربة من مدينة سبتة، إضافة إلى الشكولاته والسجائر بالجملة والتقسيط وكذلك أوراق "الليبرو". كان يوم "الرامبو" في شهر رمضان يبدأ بعد صلاة العصر مباشرة، في حين كان أتباع "الرامبو" يبدأون عملهم غالبا بعد الظهر، بحيث يعملون على شراء الحليب من بعض "البقالة" بثمنه العادي لإعادة بيعه في السوق السوداء بثلاثة دراهم إضافية. لم يكن حصول أفراد عصابة "الرامبو" على لترات الحليب أمرا هينا، ولذلك كانت هذه المليشيات توظفنا نحن الأطفال غالبا، لاستعطاف "البقالة" من أجل الحصول على نصف لتر من الحليب. وهكذا من حانوت إلى آخر حتى نجمع لترات محترمة من الحليب ليتسنى لهم إعادة بيعها في نقط مختلفة بالمدينة القديمة. ترى من هو "الرامبو"؟ للوهلة الأولي يخيل إليك أن هذا الشخص هو واحد من الذين تنسج عنهم البطولات الخرافية، كتلك التي تنسج في برنامج أخطر المجرمين. وأن الرحمة لا تعرف إلى قلبه سبيلا، وأنه شخص فظ غليظ قاس كقسوة العبد الحبشي الذي أكل كبد حمزة رضي الله عنه إمعانا في في إبراز غلظته والثأر لأسياده، في حين أن "الرمبو" ولد "ماما" بكل ما تحمل الكلمة من معنى في قاموس أبناء الحي. شاب مدلل بامتياز، حاز على المرتبة الأولى على الصعيد الوطني في امتحان السادسة ابتدائي، وحاز على المرتبة الأولى في امتحانات السنة التاسعة إعدادي أو ما كان يعرف "بالبروفي" آنذاك. بل يحكى أن "الراميو" كان يستنجد به حينما تستعصي على التلاميذ والأساتذة معادلة رياضيها ليفك طلاسمها. ولكن رياح المدينة لم تجر بما كان يشتهيه "الراميو" أو والداه، فالكل كان يتنبأ "للرامبو" بمستقبل زاهر على مقعد في أرقى وأحسن الجامعات داخل الوطن أو خارجه، لكن للأسف حجز له قبل الأوان مقعدا أو بالأحرى سريرا بسجن سات فيلاج.