من نعم المدينة القديمة ونقمها، أن تجد نفسك أحيانا في مجلس مع عتاة المجرمين واللصوص، وأحيانا مع أمهر الذاكرين والمبتهلين، والغريب في أمرالمجرمين، أن معظمهم دخلوا الحرفة بدون نية مسبقة، لذا تجد من هؤلاء من هو من أسفل العائلات وأسفهها، ومنهم من هو من أبهة القوم. كانت لهؤلاء المجرمين حيل ومهارات لجمع المال، فمن بين الحيل المتوارثة بين المجرمين كابرا عن كابر "عونا في الكيبو" حيث كان يعمد "الرامبو" كما كنا نسميه في "الحومة" أنذاك في جمع مجموعة من الأطفال وأنا منهم طبعا، لإستمالة المارة من أجل مساعدتنا لتوفير شراء أقمصة رياضية وكرة، بحجة تنظيم دوري لكرة القدم. كان "الرامبو" رغم إجرامه يخصص جزء من المداخيل المتحصل عليها من العملية لنزواته الشخصية حشيش، ليبرو ... وكل مشتقات الحليب عفوا سربيسا. أما الجزء الأخر من مداخيل شركة "عونا فالكيبو" فكان يخصص للدوري، فيتم توزيع المصاريف المتحصل عليها على الشكل التالي : الحكم الذي سيسهر على الإشراف على المقابلات طوال الدوري، وثمن الملعب، وطبعا المسؤول عن البقعة الأرضية (الملعب) غالبا إما "جانكي" أو"مسخوط" الوالدين أو شيء من هذا القبيل، وكأس من فضة في غالب الظن مسروقة من الجوطية، وكان الحكم من أقرب المقربين"للرامبو" و يده اليمنى في السرقة الموصوفة وغير الموصوفة، والغريب في الأمر أن الدوري كان يطلق عليه دائما إسم "دوري الصداقة". وبما أنني كنت يتيما فقد كانت عندي عند "الرامبو" حظوة خاصة، فدائما ما كنت أخرج من الدوري بجائزة أحسن لاعب أو أحسن هداف، ومن مهارات جمع المال لدى"الرامبو" أيضا كثرة البطاقات الصفراء والحمراء أثناء الدوري، بحيث يفوق عدد البطاقات عدد الأهداف في الدوري، وفي حال وجه لك الحكم بطاقة حمراء، فهذا يعني أنك محروم من المشاركة في المقابلة المقبلة، ولاسبيل لتراجع الحكم عن قرار الطرد إلا بالتفاوض مع"الرامبو"، فكان الأخير لايعف عنك من أجل المشاركة في المقابلة المقبلة إلا بعشرة دراهم خفية من أعين الحكم، وكثيرا ما كان الدوري لاينتهي بسبب أن "الرامبو" كانت "كرشو" كبيرة كما كان يقول له"عمو" وهو إسم الحكم. نلتقي في الذكرى السادسة.