تلمع أضواء الشاحنات المدرعة التابعة للشرطة المغربية في الليل، طاغية على الأنوار الضعيفة المنبعثة من الهواتف النقالة التي يرفعها المتظاهرون في الحسيمة في إشارة تحد للسلطات. على مسافة من قوات مكافحة الشغب، تجلس مجموعات من المحتجين معظمهم من الشبان في حلقة بوسط الطريق. شهدت مدينة الحسيمة في شمال المغرب بعد الإفطار مساء الخميس اضطرابات لليلية الثالثة عشرة على التوالي، إذ تحدى مئات من سكان حي عابد الشعبي الشرطيين المنتشرين في الشوارع محتمين بخوذات وحاملين دروعا. وهتف المحتشدون “الحرية للسجناء”، شابكين أذرعهم في الجو وكأنها مكبلة وصاحت امرأة خمسينية “ناصر الزفزافي زعيمنا!” . وأوقف الزفزافي، زعيم الحراك الذي يقود منذ اكتوبر 2016 الاحتجاج الشعبي في منطقة الريف، في 29 ماي بتهمة “المساس بسلامة الدولة الداخلية”. وتشهد مدينة الحسيمة منذ سبعة أشهر حركة احتجاجية تطالب بالتنمية في الريف الذي يعتبر المحتجون انه “مهمش”. تقول المرأة التي ترتدي جلابية سوداء وتلف كتفيها بعلم أمازيغي، “نطالب بإطلاق سراحه وبإطلاق سراح جميع المعتقلين، لن نتراجع أمام اي شيء من أجل الحصول على ذلك”، مشيرة إلى أنها تشارك في تظاهرات الحسيمة منذ أن بدأت قبل حوالى سبعة أشهر. تقترب سيارات نادرة من المتظاهرين مطلقة أبواقها على وقع الهتافات، فتحصد تصفيقا وزغاريد. وفي الشارع، يرافق أطفال أهلهم فيما يطل فتيان من النوافذ لتصوير التجمع. تبقى نوافذ العديد من المباني المجاورة مغلقة وهي تبدو مهجورة وقد غادر سكانها إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط. اوضح أحد سكان هذا الحي الشعبي الذي يترقب كما في كل صيف عودة آلاف المهاجرين لقضاء عطلة في البلد “إن العديد من الأشخاص المتحدرين من هنا يقيمون في أوروبا ويملكون منازل في الحسيمة”، وهم يرسلون تحويلات مالية تعيل قسما كبيرا من سكان المدينة. عند طرف الشارع، يقف الشرطيون بأعداد كبيرة من غير أن يتدخلوا. ويوضح أحد المتظاهرين “هذا لأن هناك الكثير من الصحافيين هذا المساء، وإلا لما كانوا ترددوا في ضربنا”. غير أن قوات الشرطة تقطع الطريق المؤدية إلى الحي، ما يرغم السكان أو على الاقل الشبان منهم على الالتفاف على طوق الشرطة سالكين أزقة صغيرة للعودة إلى منازلهم. في الحسيمة، يقول معظم السكان أنهم يدعمون الحركة الاجتجاجية المطالبة بتنمية منطقة الريف، والجميع يشدد على الطابع “السلمي” لحراكهم، مرددين باستمرار “سلمية”. ويرفض المحتجون محاولة الوساطة التي تقوم بها جمعيات ومسؤولون محليون ويقول العديد منهم “نريد أن يتدخل الملك”. وقال تاجر حليق الرأس “التظاهرات سلمية ويجب أن تبقى كذلك” مضيفا “الناس هنا متعلمون وحضاريون، ولا يطالبون سوى بحقوقهم”. واندلعت صدامات الخميس للمرة الأولى بين متظاهرين والشرطة، في مؤشر غلى التوتر في المدينة. وقام الشرطيون برد متظاهرين بشدة فرد عدد من المحتجين بإلقاء الحجارة على قوات الأمن. وأكد ناشط في “الحراك” الذي أوقف قادته الرئيسيون أن “الذين رشقوا الحجارة ليسوا من هنا”، وقد بادر العديد من المتظاهرين الصحافيين ليقولوا لهم أنهم يدينوا أعمال العنف التي ينسبونها إلى “أنذال” و”متسللين” و”أشخاص ليسوا من هنا”. وبدأ التجمع بالتفرق قبيل منتصف الليل، وقام البعض باستفتزاز الشرطيين قائلين لهم “إلى اللقاء غدا”.