ظل قطاع التعمير بطنجة له علاقة وطيدة بالانتخابات، وكان الاهتمام برخص البناء من أولويات جل أعضاء المجلس الجماعي، لدرجة أن صارت مصالح سماسرة العقار مشتركة مع مطامح سماسرة الانتخابات، بدليل أن العديد من المنعشين العقاريين أصبحوا يمارسون السياسة من أجل حماية مصالحهم، منهم من فضلوا الانخراط مباشرة في اللعبة الانتخابية، وآخرون اختاروا التحكم عن بعد في عملية تشكيل المكاتب المسيرة للشأن المحلي. وطبعا هناك فئة أخرى تشكل الأقلية لا علاقة بما سبق، واستمر الحال على ما هو عليه من مجلس إلى آخر إلى أن تحولت الجماعة الحضرية لطنجة إلى وكالة عقارية، قلبها النابض هو قسم التعمير، وباقي مرافقها يتم تدبيرها على سبيل الاستئناس، ولم يتم الانتباه إلى هذا الورم الإسمنتي إلا بعد فوات الأوان، لتنطلق رحلة البحث عن معالم المدينة وغاباتها وسواحلها بين التجزئات والتكتلات العشوائية، حين كانت تصاميم التهيئة كالوجبة الجاهزة تقدم كأطباق دسمة للمجلس الجماعي قصد المصادقة عليها وكفى، دون الحاجة لكثير كلام لا يعيد ما راح كحال البكاء على الميت هذا التعمير يشتكي اليوم من الحكرة ويتباكى من أجله البعض، بل ويتحسرون على حين صار يعاني من الجفاف وبعد أن تعثرت تلك الحركة المرتبطة بالبركة، وهو تغيير محمود الظاهر من وجهة نظر الطرف المسؤول عنه، ومنبوذ الباطن حسب نظرة الجهة المتضررة منه، ولعل مرور كل عواصف فضائح التعمير التي عاشتها المدينة لعدة سنوات بسلام، ساهم بشكل كبير في تكريس ثقافة المقاعد مقابل التراخيص دون حساب ولا عقاب وبالنظر إلى ما تم تسجيله مؤخرا من تراجع في مداخيل الجماعة من استخلاص رسوم طلبات رخص البناء، يمكن القول أن قسم التعمير في عهد المجلس الحالي فقد بريقه المعلوم، ولم يعد لتفويضات التعمير تلك القيمة التي كانت تتمتع بها، والمدرة للدخل لأصحابها، وهذا في حد ذاته مكسب مهم للمكتب المسير، لكن في الوقت نفسه يتواصل نهج ذات الأخطاء في التعامل مع بعض ملفات التعمير، وهو ما يتيح الفرصة لبعض رجال السلطة وأعوانها لاستغلالها أمام إقرار سياسة الباب المسدود من قبل الجهات المعنية، عوض البحث عن حلول ملائمة لتجاوز المشاكل العالقة، وتوفير بدائل تعيد للتعمير حجمه في شقه الإيجابي، وبالتأكيد لا يمكن توقع تحقيق كثير أحلام بمدينة ظلت سجينة الاسمنت مع سبق الإصرار.