يعيش مجلس المدينة بطنجة شللا تاما منذ أزيد من سنتين بسبب الوضع السياسي الذي يعيشه منذ الانقلاب على الديمقراطية وسيطرة أباطرة الفساد وسماسرة الانتخابات على دواليبه. فقد كان واضحا منذ الانتخابات الجماعية لسنة 2009 أن مدينة طنجة ستعيش أوضاعا استثنائية، على اعتبار أن من حاز على أغلبية أصوات الناخبين بقي في المعارضة، فيما سيطر الوافد الجديد بطرق غير أخلاقية على الرئاسة، مما جعله عاجزا منذ البداية عن إدارة دفة المدينة وتدبير الشأن العام بها، وأدى بالتالي إلى استحكام الفساد في جل مرافق الجماعة، وتسبب في جمود تام على مستوى تدبير الشأن المحلي، وإلى سيطرة بعض رؤساء الأقسام على المفاصل الحيوية للجماعة.
سيطرة أباطرة الفساد وسماسرة الانتخابات: لقد بدت بوضوح التوجهات الكبرى المتحكمة في مجلس المدينة منذ انتخاب العمدة الحالي أواخر شهر أكتوبر الماضي، فقد تحالف مع أوجه سياسية أصبحت مألوفة لدى الرأي العام المحلي وحتى الوطني، ورفع الآلاف من المتظاهرين صورهم كرموز للفساد خلال المسيرات التي شهدتها مدينة طنجة. فالأصالة والمعاصرة أصبح لا يتورع عن فعل الشيء ونقيضه بمدينة طنجة، فمسؤوله الجهوي عبر في أكثر من مناسبة عن اعتزام حزبه محاربة الفساد وأباطرة الانتخابات، وبمقابل ذلك نجد يتحالف مع وجوه سياسية يعلم الجميع ما سببته من مآسي عقارية وتدبيرية لمدينة طنجة على مر أزيد من 25 سنة من تدبير الشأن المحلي بها. ويجدر التذكير هنا أن غالبية من تحالف معهم العمدة كانوا ممنوعين من الترشح لانتخابات 2003 لأسباب يعلمها الجميع، ومنهم من كان متابعا بتهم مخلة بالمروءة من قبيل التزوير وشراء الذمم وحتى خروقات التعمير وفساد التسيير. فهذا الخليط الذي اعتمد عليه العمدة الحالي من أجل ضمان الأغلبية كان له الأثر السلبي على تدبيره للشأن المحلي بالمدينة، ومجالي المالية والتعمير أول أوجه الفساد المستشري في الجماعة، والعلاقة مع شركات التدبير المفوض وفساد تسيير المرافق العمومية الكبرى أحد تجلياته، وحيرة العمدة أمام هذا الخليط بادية للعيان. إن التحالف مع سماسرة الانتخابات له ثمنه السياسي والتدبيري المباشر، ولا يمكن إصلاح أحوال الناس بوسائل فاسدة، لأن "الإصلاح وحسن التدبير لا يمكن أن يتم بوسائل فاسدة". وإذا كان تحالف العمدة مع بعض أباطرة الفساد قد أدى إلى سيطرتهم على المفاصل الحيوية للمدينة، فإن غياب النية والإرادة الحقيقية للإصلاح قد أدى إلى جرأة غريبة لدى أطر الجماعة الذين أصبحوا يتحكمون في التسيير والتدبير بالجماعة عوض أن يقوم المكتب المسير بذلك.
تحكم رؤساء الأقسام في التسيير الجماعي: تضم الجماعة الحضرية لطنجة عشرات من الأطر الإدارية والتقنية ذات الكفاءة العالية في التسيير والتدبير، وذات خبرة هامة في مجال الشأن المحلي وتنزيل البرامج التنموية، وتعتبر هذه الفئات من أهم المكونات البشرية التي يتوفر عليها المجلس الجماعي. وقد وضع المشرع هذه الأطر رهن إشارة المسيرين لتنزيل البرامج التنموية وتحقيقها على أرض الواقع، لكن أمام الجمود التام على مستوى التدبير والتسيير الجماعي، نجد محاولة بعض رؤساء الأقسام والمصالح الحلول محل المكتب المسير للتحكم في المفاصل الأساسية لتدبير شؤون مدينة طنجة. فجل أعضاء المكتب المسير خارج التغطية بخصوص المشاريع الكبرى التي تدبرها الجماعة، وجميعهم يعانون جهلا تاما بخصوص وضعية المرافق الحيوية للجماعة والعلاقة مع المكتب الوطني للكهرباء وأمانديس وتيكميد وأوطاسا، وذلك بمقابل التحكم المطلق لبعض الأطر في تدبير هذه الملفات حجبها عن المسيرين المنتخبين. بل إن جرأة بعض الأطر الإدارية أصبحت حديث الجميع بمجلس المدينة وعلى مستوى المقاطعات، فبعضهم يصر بشكل مريب على إدراج نقط في جدول أعمال المجلس وعلى تمرير تعديلات في دفاتر تحملات بعض القطاعات الحيوية بالمدينة، وعدد منهم لا يتورع عن الدفاع باستماتة عن شركات التدبير المفوض، بل إن أحدهم أصبح ينادي بعزل بعض رؤساء اللجان الدائمة وتعويضهم بآخرين في حضور المكتب المسير الذي أصبح خارج التغطية وعاجزا عن لجمهم وإبقائهم في إطار مهامهم. فبعد أن كان أحد رؤساء الأقسام المثيرين للجدل يحاول التحكم في وتيرة عمل اللجان الدائمة للمجلس، أصبح يتجرأ حتى على العمدة نفسه ويحل محله سياسيا في العلاقة مع عدد من الأطراف السياسية، وأصبحنا نشهد انتقادا علنيا لبعضهم لأداء المجلس الجماعي ولقراراته ولنتائج أشغال اللجان الدائمة. وأمام الخروقات القانونية والفضائح التي يكشفها المستشارون خلال أشغال اللجان الدائمة، وعوض أن يتكلف العمدة بالجواب والتوضيح ورفع اللبس، نجد بعض رؤساء الأقسام والمصالح يسارعون إلى انتقاد من يفضح هذه الخروقات، مما يثير الشبهة حول علاقتهم بذلك، خاصة وأنهم مكلفون فقط بالتنفيذ ولا سلطة لهم على البرمجة أو التدبير ولا علاقة لهم نظريا بهذه الخروقات. فهل أصبح مجلس مدينة طنجة أمام تسيب وانفلات عام ينضاف إلى الشلل والجمود الذي يعاني منه منذ سيطرة الأصالة والمعاصرة على تسييره؟
جمود تام على مستوى التدبير الجماعي: منذ انتخاب العمدة الحالي لم تنعقد أية دورة بشكل طبيعي، فبعد دورة الميزانية التي شهدت خروقات قانونية صارخة، لم ينفع معها إلا النفوذ السياسي للأصالة والمعاصرة وصمت السلطة المريب أمامه، عرفت الدورات اللاحقة سلسلة من المسرحيات الهزلية من إخراج العمدة وحلفائه. فقد توالت فضائح المجلس خلال دورة فبراير التي بدأت بمسرحية الرشوة وانتهت بتصويت العمدة ضد الحساب الإداري رغم أنه أنفق أزيد من 80 بالمائة من موارده المالية. وعرفت الدورات المتتالية غيابا لأية برامج تهم المدينة، وانحصر هم المكتب المسير في حماية الفساد المالي والتدبيري بالمجلس، وقطع الطريق أمام أية محاولة لإصلاح ما أفسده أباطرة الفساد، وهو ما أدى إلى تجميد جل البرامج والمشاريع التنموية، وبقيت مدينة طنجة خارج سياق الإصلاح رغم الحاجيات الملحة والوضعية المزرية التي تشهدها كل مرافق الجماعة وبنياتها التحتية. فبرنامج التنمية الحضرية لم يتم تنفيذ أزيد من 10 في المائة منها على الرغم من مرور أزيد من سنتين على اعتماده، والمخطط الجماعي للتنمية الذي كان يُفترض أن يبدأ منذ يناير الماضي لم يتم بعد الشروع في إعداده، وأموال الجماعة أصبحت توزع على الفئات المحظوظة عوض أن يتم توجيهها لإصلاح وتأهيل البنيات التحتية، ومشاريع إعادة هيكلة الأحياء الهامشية أصبحت تخضع لحسابات سياسية ضيقة. وقد كان العمدة الحالي قد وعد بجلب مبالغ ضخمة تناهز 50 مليار سنتيم خلال سنة واحدة من أجل تهيئة البنية التحتية للمدينة، وهو ما أثار حينها استغراب الجميع وحيرة السلطة المحلية التي كانت حاضرة، وقد فسر البعض ذلك بعلاقته العائلية مع المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية الذي يتحكم في ملايير الضريبة على القيمة المضافة. وبعد مرور أزيد من ستة أشهر على هذا الوعد لم يتم جلب أية مبالغ مالية، وبقي مجلس المدينة يتخبط في مشاكله المالية والتدبيرية وعاجز حتى عن برمجة ميزانية التجهيز الهزيلة التي يتوفر عليها.
فحالة مجلس مدينة طنجة في واقع الأمر مثيرة للحيرة، فهذا الوضع الغريب الذي وصل إليه تدبير شؤون السكان كان يتطلب مبادرة السلطة الوصية إلى التدخل العاجل، ومنذ مدة طويلة، من أجل حل إشكالاته، لكننا نلاحظ غيابا مريبا وغريبا لوزارة الداخلية، مما قد يدفع أغلبية المستشارين إلى المطالبة برفع التماس للديوان الملكي من أجل إنقاذ مدينة طنجة من وضعها الحالي، وسيكون حتميا عليهم الانسحاب من المجلس الذي أصبح الفساد يغلب عليه بعد التحكم الكلي لأباطرة الانتخابات على مفاصله الحيوية وعلى جل مقاطعاته.