صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بمكناس افتتاح الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    طول شبكة الطرق السريعة بالمغرب يمتد إلى حوالي 2177 كلم    "قضاة إفريقيا" يلتئمون بالمغرب ويدعون إلى "تكتل أطلسي" يكرس العدالة    اللامركزية، اللاتمركز، والتحول الرقمي    المغرب يطمح لرفع سعة المطارات إلى 80 مليون مسافر في سنة 2030    فوضى قد تطيح بوزير الدفاع الأمريكي    "لبؤات الفوتسال": جاهزون ل "الكان"    واد لو سرية... تفكيك عصابة متخصصة في سرقة المواشي (فراقشية) وإعادة بيعها في الأسواق الأسبوعية بمختلف مناطق المملكة    حادث عرضي لطائرة سياحية خفيفة بمطار طنجة    مندوبية تنغير تطمئن بشأن داء السل    نجاة بلقاسم توقع سيرتها الذاتية من الرباط: من طفولة قروية إلى دهاليز السياسة الفرنسية    المياه تكفي لسنة ونصف: نزار بركة يعلن بلوغ 40.2% من ملء السدود و6.7 مليارات متر مكعب من المخزون    انخفاض أسعار النفط بنحو 3% وسط مؤشرات على تقدم في محادثات أمريكا وإيران    الفساد يجر رؤساء جماعات إلى التحقيق    مصرع عامل بناء إثر سقوط مميت من الطابق السادس بطنجة    ترانسبرنسي تستغرب اعتراض الأغلبية على تقصي حقائق دعم الأغنام    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    مطالب أمريكية متصاعدة لتصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي    عبد النباوي: التحول الرقمي يستدعي تغييرات شاملة لتجويد الأداء القضائي    العثور على اطراف بشرية داخل مرحاض مسجد بمدينة بن أحمد    وفاة البابا فرنسيس عن 88 عاما    رحيل الفنان محسن جمال صاحب «أحلى الأغاني» و«الزين فالثلاثين»    في الحاجة إلى قراءة متجددة للخطيبي أفاية : في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي، صانع القلق    الملك ينعى البابا ويستحضر زيارته للمغرب    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الفاتيكان يكشف عن وفاة قداسة البابا فرنسيس    مهنيو النقل الطرقي يستنكرون "احتكار" المحروقات ويطالبون مجلس المنافسة بالتحرك    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    مدرب نهضة بركان: أدرنا المباراة بالطريقة التي نُريد وسندافع عن حظوظنا كاملة في الإياب    تحقيقات فساد وصراع سياسي يهددان ملف إسبانيا لتنظيم مونديال 2030    نهضة بركان وجمهورها يُلقّنان إعلام النظام الجزائري درساً في الرياضة والأخلاق    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    نزيف التعليم    نهضة بركان تصدم الإعلام الجزائري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    وفاة محسن جمال واحد من رواد الأغنية المغربية    الذهب يلامس أعلى مستوى له في ظل تراجع الدولار    كيوسك الإثنين | الداخلية تطلق ورشا ضخما لرقمنة "الحالة المدنية"    الريسوني.. عندما تتحول معاداة الصهيونية إلى معاداة مغلفة للسامية...!    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس    وفاة حارس المرمى الأرجنتيني "المجنون" هوغو غاتي عن عمر ناهز 80 عاما    الأساتذة المبرزون يضربون للمطالبة بالنظام الأساسي    نهضة بركان يضع قدما في النهائي بتغلبه على النادي القسنطيني الجزائري    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهادي يكتب : سقوط محمد ضريف... أو عندما ينتقم المخزن
نشر في طنجة 24 يوم 11 - 05 - 2015


"ما همُّوني غير الرجال إذا ضاعوا" ناس الغيوان
عبد الهادي المهادي: عرفتُ الدكتور محمد ضريف أولا كباحث متخصص في علم الاجتماع السياسي من خلال مقالاته المتميزة في "المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي" التي كان يصدرها رفقة زميله أنذاك محمد شقير أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وكذا من خلال أطروحته للدكتوراه الموسومة ب"تاريخ الفكر السياسي بالمغرب"، ثم تتالت متابعتي لكتاباته، من قبيل: "النسق السياسي المغربي" و"المغرب في مفترق الطرق" و"تاريخ الأحزاب السياسية المغربية"، لكن "تلمذتي" عليه لأني حقيقة كنت اعتبره أستاذي ستبدأ عندما أصدر سنة 1996 كتاب "الحركة الطلابية المغربية"، والذي يعدّ بحق قراءة وافية وعميقة في أزمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، يومها اشرأبّت نفسي لملاقاته وربط علاقة شخصية به، ولم يتسن ليَ ذلك بالشكل الذي طمحت إليه، ولكن ولمدة خمس سنوات كنا نستقبله في كليتنا كل موسم دراسي من أجل تأطير محاضرة أو مشاركة في ندوة، وكانت أمتعها وأفيدها تلك التي جمعته بالأستاذ الأمين بوخبزة من العدالة والتنمية والأستاذ الأمين الركالة من االبديل الحضاري في نفس الوقت الذي أصدر فيه الأستاذ عبد السلام ياسين "مذكرة إلى من يهمه الأمر"، وكانت مداخلته عبارة عن قراءة في هذه المذكرة، وهي نفس المداخلة التي ستنشرها جريدة الفتوة الناطقة حينها بلسان شبيبة العدل والإحسان. وأتذكر يومها أن الأمين بوخبزة غضب غضبا شديدا على هذا الأمر، وقال بالحرف: بأنه لا يفهم كيف يدافع باحث مستقل عن طروحات ليست من عقيدته ولا إيديولوجيته، وهو ما دفعه كما قال ليغير مضمون مداخلته، والتي جاءت كرد متشنج على ما طرحه ضريف.
في سنة 2000 سيصدر كتابا تحت عنوان:"الدين والسياسة في المغرب: من سؤال العلاقة إلى سؤال الاستتباع" سيضمنه مقالات عدّة يشتم منها رائحة الدفاع عن خيارات جماعة العدل والإحسان السياسية، من قبيل مشاركتها في "مسيرة 12 مارس 2000" في البيضاء ضد مشروع "خطة إدماج المرأة في التنمية"، ونزولها إلى الشواطئ ذات الصيف. وقبل ذلك بخمس سنوات؛ أي سنة 1995 كان قد نشر كتابا تحت عنوان:"جماعة العدل والإحسان: قراءة في المسارات"، أما عندما رُفع الحصار عن مرشد الجماعة فقد أتيحت له فرصة مرافقته كظله أينما حلّ وارتحل ! وذلك عندما كان الأستاذ ياسين يقوم بجولات في العديد من مدن المغرب.
لقد نُسجتْ بين الجماعة وضريف ولمدة أزيد من عشر سنوات علاقة مصلحية إذا جاز لنا أن نسمها بهذا الوصف؛ يكتب عنها، ويفسر بطريقته الأكاديمية المتميزة موقعها ومواقفها ، وفي المقابل يفتح له فصيل الجماعة الطلابي الباب واسعا في كل الجامعات المغربية للمحاضرة أمام الآلاف من الطلبة، ويمدونه ببعض المعطيات، ويبيعون كتبه أيضا. لكن بداية التغيير في هذه العلاقة ستُدشَّن عندما سيبدأ ضريف بالتصريح في أكثر من حوار ومقال ومناسبة بأن الجماعة ليس لها اليوم أيّ اعتراض على شرعية النظام الملكي، وأنها لا تفتأ تعطي، منذ مدة، وخاصة من خلال دائرتها السياسية، إشارات يُفهم منها على أن الجماعة بصدد التهيؤ للمطالبة بتأسيس حزب سياسي، وأنها باتت اليوم قاب قوسين أو أدنى من القبول بالمشاركة في الحياة السياسة في ظل النظام الملكي، والمشاركة في اللعبة الديمقراطية حسب القواعد المقررة.
وهذا يعني أن ما يجمعها بالنظام المغربي أكثر مما يفرق، مما يفيد بأن هناك سوء فهم بين الطرفين فقط، وهو ما أعطى الانطباع بأنه يطمح أن يلعب دورا ما بين الطرفين، وهذا ما جرّ عليه ردّا قاسيا من الأستاذ عبد العالي مجذوب، عضو مجلس إرشاد الجماعة يوما، عنونه ب"آراء شاذة لباحث متخصص"، نشره بموقع الجماعة على الأنترنيت، وهو الأمر الذي التقطه ضريف، وفهم منه بشكل آلي، بأنه موقف رسمي للجماعة، لتنقطع بعدها العلاقة بين الطرفين بشكل كلي.
سكت ضريف مدة، وتوقف عن إصدار الكتب، وانقطعت أخباره عن الجامعة، وما عاد بذلك النشاط إلا من مقالات في "المساء"، و تصريحات هنا وهناك في بعض القنوات الفضائية، ليعود بين الفينة والأخرى للتعليق "المحايد" عن بعض ما يصدر عن الجماعة، كما فعل أثناء "رؤى 2006" الشهيرة.
في بداية 2014 ، وبعد فشل "حركة 20 فبراير" في تحقيق مطالبها الربيعية، وبعد انكشاف خطة المخزن في احتواء تململات الشارع المغربي بإعلان دستور جديد، وإدخال جزء من الإسلاميين للعبة السياسية الرسمية، وهو ما أفشل خطة مخزنية كانت تطمح لإعادة ترتيب الشأن السياسي الرسمي، يقوم فيه حزب "الأصالة والمعاصرة" بدور القاطرة فيها. في هذا الوقت بالضبط سيعلن ضريف عن تأسيس حزب سياسي جديد اسمه " الديمقراطيون الجدد". وفي مرافعاته الأولى أكد على أنه فكر في تأسيس الحزب منذ 1999 مباشرة بعد وصول الملك محمد السادس للحكم، وأن "المفهوم الجديد للسلطة" الذي أطلقه الملك، إضافة إلى ما جاء في خطبه حول العمل السياسي وضرورة إعادة الاعتبار للعمل الحزبي الجاد، جعله هو ورفاقه يشعرون بأن هناك تحولا عميقا في المغرب يتعين مواكبته ، وألا يكون هناك حديث عن قطيعة بل عن استمرارية، وشعر أن من الواجب أن يتحمل المسؤولية فيما يتعلق بمباشرة العمل الحزبي بالخصوص.
وكشف ضريف أن الفترة التي أعقبت الإعلان عن نتائج انتخابات 2007 هي بداية الاستعداد الفعلي لتأسيس الحزب، بعدما تم تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة مقابل نسبة مقاطع كبيرة. "لكن يقول ضريف بعد مدة بدأت تصلني أخبار بأن مشروعا آخر يُهيّأ فتراجعنا" ، وهو يقصد "حركة لكل الديموقراطيين"، التي ستتحول فيما بعد إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وذلك لأنه لم يكن يملك ماليا وبشريا ما يمكنه من منافسة الحزب الجديد كما قال.
لقد تم الإجماع بشكل صامت بين كل المراقبين بكون محمد ضريف قد غُرّر به؛ أي أنه دفع دفعا، ومن طرف خفي، إلى تأسيس حزب، اعتقد بأنه يمكن أن يملأ الفراغ الذي تركه فشل تجربة "الأصالة والمعاصرة"، وأن بإمكانه أن يستقطب نخبا كثيرة تقوم بلعب دور ما في السياسة، لكن الحزب ولد معاقا منذ الوهلة الأولى، فبسرعة قياسية جدا استكمل الحزب دورته الحياتيّة: من المهد إلى اللحد مباشرة.
ولا أدري كيف سقط مراقب وملاحظ ومحلّل من طينة ضريف في هذا الفخ ! إن الذين أوحوا له بفكرة تأسيس الحزب هم أنفسهم من عملوا على شلِّه....لقد "وضعوا له السم في العسل" !
إن المخزن لم ينس أبدا الدور الذي لعبه ذات يوم ضريف لصالح جماعة العدل والإحسان، وهو يعمل الآن بشكل قاس على تنبيه النخب المستقلة بأن تبتعد عن المعارضة الحقيقية، وخاصة الجماعة، وأن تعمل على ربط حاضرها ومستقبلها به، وإلا فإن الانتقام ينتظرها.
للأسف، لم تعد السلطة تقدر على الصمت تجاه معارضيها من الشخصيات المستقلة؛ ولم تعد تطيق أن يوجد من بين النخب من ليس في صفوفها، ومن شيعها. إنها ترفع الآن الشعار الإرهابي:"معي أو ضدي". وعليه، فمن يختار المعارضة في مغرب اليوم، أو يتعاطف معها، عليه أن يكون مستعدا لدفع الثمن... ويمكن أن يكون غاليا في بعض الأحيان.
وإذا ما استندنا إلى الباحث الأمريكي جون واتربوري الذي قادته ملاحظاته إلى التنبّه إلى كون المخزن لا يُوَجّه عادة الضربة القاضية لخصومه، بل يعمل حثيثا على إضعافه على أمل استخدامه في فترة مقبلة، وهذا ما فعله تماما مع حزب الاتحاد الاشتراكي والعديد من شخصيات اليسار، ويكفي أن نتذكر في هذا المقام كل من بوزكري والحرزني، إذا استندنا إلى ذلك فإننا نتوقع أن لا يتوقف مسلسل سقوط ضريف في القبضة الانتقامية للمخزن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.