إذا كان مهرجان الراي عبارة عن فرجة تدوم أسبوعا أو ثلاثة أيام فان الإمكانيات الهائلة التي تهدر أكثر بكثير من هذا الهدف البسيط الذي راى البعض فيه أنه يسيئ لمدينة وجدة ورأى البعض الآخر أنه يكرس التفاوت الطبقي ويساهم في إثارة العداء الاجتماعي مادام أن المنظمين يميزون بين صنفين من الجمهور الفئة المهمة وفئة عامة الشعب المقهورةإن الصراع بين فكرين متناقضين فكر متطرف تدعمه تيارات وهيئات استقت مبادئها من التيار الوهابي الذي استطاع أن يعبد طريقه نحو المغرب وفكر يصف نفسه بالمتفتح تدعمه تيارات وهيئات فكرية وسياسية ووجد في التوجيهات العامة للدولة دعامة أساسية ،اشتد الصراع في فترات متباينة إلى أن مالت الكفة إلى التيار المتفتح بسبب الدعم السياسي والمادي وتعتبر سياسة المهرجانات من أهم الركائز التي اعتمد عليها النظام المغربي للحد من انتشار الفكر الديني المتطرف ... لكن وحسب التجربة فقد أصبحت هذه السياسة سلاحا بحد واحد حينما أصبحت تهدد البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي ولتقريب القارئ من هذه النتيجة الغير منتظرة سنعتمد مهرجان الراي بوجدة كنموذج. كان مقررا أن تبدأ النسخة الأولى من مهرجان الراي بوجدة صيف 2006 غير أن المجزرة التي نفذتها إسرائيل ضد الشعب اللبناني دفعت المنظمين إلى إلغاء المهرجان و إرجائه إلى السنة المقبلة و بهذا كانت البداية الحقيقة سنة 2007 وتكلفت بتنظيمه جمعية وجدة راي قبل ان تغير اسمها إلى جمعية وجدة فنون ويوجد على رأسها مدير المركز الجهوي للاستثمار وبهذا ربط المنظمون بين المهرجان والاستثمار بالجهة الشرقية عامة ونظر اليه كمكسب ايجابي خاصة وان هالة من الدعاية أحاطت به بل نظر إليه أحد المسؤولين انه انجاز عظيم لا يضطلع به إلا الرجال العظماء و المقصود بهم المسؤولون المحليون بوجدة ... استجاب الجمهور لهذه التجربة باعتبارها ملأت فراغا كبيرا بالجهة بحكم ان مهرجان السعيدية ظل قزما و لم يستطع ان يفرض وجوده على المستوى الوطني نتيجة قصور في الرؤية عند المنظمين. على الرغم من ربط مهرجان الراي بالاستثمار فانه لم يستطع في نسخته الاولى ان يظهر كبديل من البدائل المطروحة للإقلاع الاقتصادي بمدينة وجدة خاصة و الجهة الشرقية عامة لان السياحة ظلت جامدة و لم يستطع المهرجان ان يجلب استثمارات أو سياح و طبعا وجد المسؤولون عذرهم في كون المهرجان في بدايته و يجب أن تتراكم التجارب ليصبح قاطرة اقتصادية حقيقية لهذا كان ينظر للنسخة الثانية لسنة 2008 كمنطلق حقيقي للمهرجان لان المفروض ان يكون المنظمون قد استفادوا من أخطائهم و وضعوا ضمن أهدافهم، السير بهذا المهرجان الى الأمام و جعله حافزا للاستثمار بالجهة و صادفت هذه النسخة فتح اوراش إصلاحية كبرى لازال البعض منها مفتوحا إلى يومنا هذا و ظهر التفاؤل عند المنظمين و جعلوا من هذه النسخة تظاهرة كبيرة ليس على مستوى التنظيم الذي ظل متعثرا يشكو من الهفوات و إنما على مستوى حجم الميزانية المخصصة التي صرفت في حملة إعلامية غير مدروسة و أداءات الفنانين الكبار مثل خالد و الزهوانية و بلال و حسب المنظمين استطاع المهرجان ان يستقطب جمهورا عريضا و لكنه لم يستطع ان يرقى بنوع هذا الجمهور الذي اقتصر على الساكنة الوجدية و خاصة قاطني الأحياء الشعبية التي تحيط بمكان اقامة المهرجان. على الرغم من استقطاب كم هائل من ساكنة الأحياء الشعبية واجه المهرجان انتقادات كثيرة من قبيل سوء التنظيم و سوء تدبير الموارد المالية و هناك من رأى انه يسئ لمدينة وجدة من هنا تعالت أصوات المعارضين الذين لم يكونوا دائما من التيار المحافظ او المتطرف و انما كانوا كذلك من التيار المتفتح و بعض الجمعيات الحقوقية التي رأت أن مهرجان الراي بوجدة يكرس التفاوت الطبقي و يناصر طبقة الأغنياء كما ان أهل الاقتصاد لا يرون في الشكل الذي يقام به مهرجان الراي انه سوف يكون له أي دور في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. يظهر أن جمعية وجدة فنون لم تستفد من التجربتين السابقتين و لم تقم بوقفة لتأمل ما أنجز و ما لم ينجز فإذا كان المسؤولون عن هذه الجمعية ينظرون إلى مهرجان الراي مجرد فرجة قد تدوم أسبوعا آو ثلاثة أيام فان الإمكانيات الهائلة التي تهدر أكثر بكثير من هذا الهدف البسيط .. و كان الجمهور الوجدي يترقب الدورة الثالثة بفارغ الصبر وفعلا حددت ايام 25 و26 و27 من شهر يوليوز 2009 و خرجت الجمعية عن العادة حيث رفضت إشراك و سائل الإعلام المحلية و الجهوية في هذه التظاهرة و دون ان يقيم المنظمون ندوة صحفيةاو بطريقة حسي مسي بدا المهرجان الذي ظهر و كانه وصل الى خريف عمره بل انه يشكو فعلا من سكرات الموت و لعل هذا ما يدل على ان الجمعية الساهرة لم تكن خلال هذه الظاهرة في مستوى تنظيم تظاهرة تجعل من المهرجان مناسبة عالمية تستقطب استثمارات مهمة و تساهم في اثراء الجانب الاجتماعي و الثقافي لمدينة وجدة .نسخة هذه السنة كانت باهتة لم تستطع استقطاب الجمهور كما ان الفنانين المدعوين لا علاقة لهم بالراي قد تكون لهم علاقة بالأغنية الشعبية اوالعيطة كما تحولت السهرات إلى حملات اشهارية مقصودة استفادت منها اتصالات المغرب على حساب الجمهور المتعطش للفرجة أولا و للتغيير ثانيا و قد اجمع كل المتتبعين ان نسخة هذه السنة كانت فاشلة بكل المقاييس بل يرون ان المهرجان يكرس التفاوت الطبقي و يساهم في إثارة العداء الاجتماعي لان المنظمين يميزون بين صنفين من الجمهور صنف يسمونه VIP و هم المحظوظون من المجتمع أبناء الشخصيات و الأسر الراقية تمنح لهم بطاقات او دعوات خاصة يدخلون من ابواب خاصة لا يعرفون الازدحام تهيئ لهم ساحة واسعة و أحيانا بكراسي اثيرة على مقربة من الفنانين يرقصون و يمرحون في سعادة مسروقة من أبناء الشعب الكادحين الذين يمثلون فئة VIB أي فئة "بوزبال المقهورين" الذين تشم رائحة عرقهم على بعد أمتار يتكدسون في ساحة ضيقة و يحاطون بحواجز و متاريس يقف بجانبها رجال الشرطة و المخازنية كأنهم ثيران هائجة لا يجب ان يقتربوا من فئة المحظوظين إن أقصى دراجات المعاناة تظهر عندما تشاهد ابناء الفئات الكادحة يستجدون ابناء الأغنياء كي يمنحوهم فرصة الدخول الى جنتهم و عالمهم السحري لهذا تجد فئة عريضة من الشباب تزدحم بجانب ابواب المحظوظين يعبرون احيانا عن تذمرهم و يفرغون سخطهم و غضبهم على الحواجز و المتاريس... أية مفارقة هذه؟ و أي تناقض هذا؟تساؤلات تعبر عن أن مهرجان الراي بوجدة يكرس التناقضات الاجتماعية و يعمق الإحساس بالفوارق الطبقية و الشعور بالغبن و الحكرة.