" واش نمشيو نخطفو ونقطعو الطريق باش نعيشو " يصرخ أحد الشبان من الباعة المتجولين في وجه أحد رجال الأمن المكلفين في الحملة ضد الباعة المتجولين , لكن رجل الأمن أجابه , بطريقة فيها من الاستعطاف أكثر ما فيها من الأمر . " سير أصاحبي بدل الساعة بأخرى , راه الحملة على كل شيء " , غير أن البائع المتجول وان رفض في بداية الأمر الانصياع ل " قرار " رجل الأمن إلا انه في آخر المطاف دفع عربته رفقة زميل له آخر , وهو يسب ويشتم بل ويتوعد غير عابئ إن كان رجل الأمن يسمع كلامه . إنها مواقف تتشابه وتتناسل كل يوم بمدينة خريبكة , وهي كما يراها أغلب المهتمين بالشأن المحلي , لا تعبر إلا عن الفشل الذريع من طرف السلطات المحلية والمجلس البلدي لمدينة خريبكة , في تنظيم الباعة المتجولين . وان وجدت الحملة الأخيرة على الباعة المتجولين , نوعا من الرضا والقبول , إذ عبر كثير من المواطنين عن ارتياحهم بعد الحملة الواسعة التي استهدفت الباعة المتجولين ، والتي انتهت بإخلاء أهم شوارع المدينة ، وكان هناك ترقب وحذر من عودتهم من جديد بقدوم أول مناسبة دينية أو وطنية ، لكن السلطات شددت من جديد مراقبتها في محاولة لاستئصال هذه الظاهرة . ويذكر أن السلطات المحلية قامت بشن حرب شرسة , غير مسبوقة على الباعة المتجولين، معلنة انتهاء الهدنة التي لم تدم طويلا ، وعللتها جهات مسؤولة ، بالضغوطات التي تمارسها نقابات التجار بالمدينة , والفوضى العارمة التي أصبحت عليها اغلب شوارع المدينة , حيث تم تجنيد لهذه العملية 6 مقاطعات ، تتناوب بشكل يومي مستمر ، معززة بقوات الأمن والقوات المساعدة وموظفين تابعين للمجلس البلدي ، وذلك بهدف استئصال هذه الظاهرة التي " أصبحت تشكل نقطة سوداء بالنسبة للمسؤولين ، سيما أنهم يحتلون أهم فضاءات المدينة ولسنوات طويلة ، مستعملين كل الوسائل للحفاظ على هذا الامتياز الذي يعتبرونه طبيعيا " على حد تعبير أحد المسؤولين أنفسهم . وتتفاقم الظاهرة بشكل خاص ، خلال فصل الصيف حيث عودة المهاجرين من الديار الايطالية ، إذ تكثر الحركة وتنشط الأسواق، فيلتجئ الباعة ( الفراشة ) إلى عرض سلعهم في أهم شوارع المدينة ، متبوعين بأصحاب العربات المجرورة أو المدفوعة ، فتتعطل بذلك حركة المرور، خصوصا السيارات وحتى الراجلين الذين يجدون صعوبة في التنقل لقضاء مآربهم .. وحسب مصد ر مسؤول ، فان حملة محاربة الباعة المتجولين لن تتوقف ، وان قرارات اتخذت لتخصيص فضاءات معينة لوقوف الباعة المتجولين حسب الأحياء , وقد تم بالفعل الاشتغال في هذا الاتجاه, غير أن العملية لازالت جد متعثرة , مما يدفع للاعتقاد إلى الجماعة المحلية لا تعطي للموضوع الأهمية التي يستحقها , أولا لأن ليس مشروع أو تصور واضح , وثانيا للوعود التي أعطيت للباعة المتجولين إبان الحملات الانتخابية . من جهة أخرى، اعتبر اغلب تجار المدينة ظاهرة الباعة المتجولين غير صحية، وأنها منافسة غير مشروعة ، إذ تصيب تجارتهم بالكساد ، خصوصا أنهم يؤدون الضرائب ويدفعون مبالغ مهة لكراء المحلات , والماء والكهرباء . لكن في المقابل ، يرى أغلب الباعة المتجولين " هذه الحملة حربا غير مشروعة ضد التجارة الحرة ، مؤكدا انه يؤدي ضريبة غير مباشرة بين الحين والآخر ، إما نقدا أو عينا ". وان هذه التجارة وان كانت توصف بالتجارة العشوائية , يعيش من ورائها الأرامل ، كحال هذه الأرملة التي تبلغ من العمر54 سنة ، و ترى أن " التجارة الحرة حق لايناقش من أجل كسب القوت اليومي ، فهي تعيل أربعة أبناء أيتام , وتطالب من المسؤولين إيجاد حلول ناجعة لمشكلتهم ". لكن اغلب المواطنين ، يعتبرون بعض السلع المعروضة ، لاتخضع للمراقبة، وأحيانا تكون صلاحيتها منتهية، ما يعرض صحة المواطن للخطر. ومن ايجابياتها أنها رخيصة الثمن بالمقارنة مع تلك المعروضة بالمحلات التجارية. المسؤولون بالمدينة، ولتفادي المشكل ، عينوا مجموعة من الأماكن للباعة المتجولين حسب الأحياء ، بهدف تنظيمهم بشكل جيد دون عرقلة المرور ، بالإضافة إلى الحفاظ على جمالية المدينة ، ولتفادي أيضا مشكل النفايات والأوساخ والقاذورات التي تخلفها عربات الباعة ، ناهيك عن الكلام الساقط الذي يخدش الحياء العام , لكن تلك المساحات ظلت فارغة وغير مرغوبة من طرف الباعة أنفسهم . وبالرجوع إلى الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة نجد أن إقليمخريبكة عرف تفشي ظاهرة الهجرة من البوادي نحو الحواضر بسبب التقلبات المناخية من جهة ، وانعدام الشغل من جهة أخرى ، بالإضافة إلى استخراج الفوسفاط من هذه المناطق ، ما اضطر الفلاحين إلى بيع أراضيهم والتوجه إلى الحواضر بحثا عن موارد جديدة للرزق .هذه الهجرة كانت لها سلبيات كثيرة ، فبعد أن توافد سكان هذه المناطق على المدينة ، تناسلت بفعل ذلك أحياء هامشية ، وكثرت حرف غير منظمة ، وارتفع عدد البائعين المتجولين إلى أزيد من 4000 بائع .ويبقى قطاع البناء أهم مجال يشتغل فيه هؤلاء الشباب ، نظرا لإقبال الجالية المغربية على الاستثمار في هذا المجال ، في غياب التحفيز على ولوج ميادين أخرى أكثر نفعا للمستثمرين والسكان على حد سواء.