لست أدري ما الذي يريده وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغودور ليبرمان من الشعب الفلسطيني، وبأي حقٍ يزج أنفه ويقحم نفسه ويتدخل في شؤوننا الداخلية، ومن الذي طلب منه العون أو المساعدة، ليقدم النصح أحياناً إلى السلطة الفلسطينية منبهاً إياها من خطورة اتفاقها مع حركة حماس، وأنها تخطط للسيطرة على السلطة الفلسطينية والانقلاب عليها، وأن الاتفاق لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، بل إنه يضر بالصالح الفلسطيني العام، فهو يشوه صورة الفلسطينيين ويعمم عليهم تهمة الإرهاب التي لا يتصف بها برأيه كل الفلسطينيين، الأمر الذي سيعرض مصالحهم للخطر، وسيضر بعلاقاتها الخارجية، ولهذا فإنه ينصحها بعدم إتمام المصالحة مع حركة حماس، وعدم الالتزام بشروطها أو تنفيذ بنودها. وفي أحيانٍ أكثر يحذر السلطة الفلسطينية من مغبة المصالحة، ومن الآثار الاقتصادية السيئة التي ستترتب عليها إن هي أقدمت عليها ولم تتراجع، إذ ستمتنع حكومته عن تحويل الإيرادات الضريبة الفلسطينية إلى السلطة، وستتوقف عن ضخ العملة الإسرائيلية إلى البنوك، وستجمد كل الحسابات الجارية معها، وستتوقف عن صرف الشيكات وتحويل الأموال وإجراء المقاصات المالية، وستتوقف عن تزويد مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالمواد الأساسية، وربما ستمتنع عن تزويدها بالوقود ومشتقات النفط المختلفة. إنه حصارٌ جديد تخطط له الحكومة الإسرائيلية، ولكنه حصارٌ شامل يطال الضفة الغربية قبل قطاع غزة، ويستهدف الشعب الفلسطيني كله، إنها إسرائيل دولة الاحتلال التي لا يهمها غير أمنها ومصالحها، ولا تسعى إلا لشؤونها وما يخدم مواطنيها، ولا تخطط إلا لما يحقق أهدافها ويوصلها إلى غاياتها، إنها تنوي معاقبة الشعب الفلسطيني كله على خياراته ومعتقداته، وتريد أن تحاربه من جديد لأنه اختار الوحدة والاتفاق، واختار الأهل والإخوان، هي إسرائيل نفسها التي حاربت الشعب الفلسطيني عندما قرر مختاراً نوابه في المجلس التشريعي، واختار حراً من يمثله ومن يقود حكومته، فكان عقابها للفلسطينيين حرباً لا هوادة فيها، حصاراً مشدداً على قطاع غزة وأهله، واعتقالاً لكل الرموز والقيادات والنواب والوزراء، ثم حرباً ضروساً على قطاع غزة، قتلوا فيها المئات من سكانه، أطفالاً ورجالاً ونساءاً، وخربوا بنيانه وعمرانه، ودمروا معامله ومصانعه، وحرثوا أرضه وبساتينه ومزارعه. ماذا يريد ليبرمان وسيده نتنياهو منا نحن الفلسطينيين، هل يريدون منا أن نعادي أنفسنا، وأن نحارب بعضنا، وأن نستمر في خصومتنا إلى الأبد، وألا نلتفت إلى مصالحنا، وألا نتحد من أجل شعبنا ووطننا، ويريد منا أن نكون حراساً له، أمناء على مصالحه، نقتل بعضنا من أجله، ونعتقل أنفسنا بأمره، ألا يدرك هذا المعتوه أننا جميعاً أبناء شعبٍ واحد، حماسٌ وفتحٌ وجهادٌ وجبهةٌ كلنا ننتمي إلى هذا الشعب، ونعمل من أجل هذا الوطن، نسكن جميعاً في نفس البيت، ونصلي في ذات المسجد، نحنُ جميعاً أشقاء وأخوة وجيران وأصدقاء، زملاء دراسة، ورفاق عمل، وسكان حي، وأهل منطقةٍ واحدة، طال الزمن أو قصر فإننا سنعود بيتاً واحداً وأسرةً واحدة كما كنا دوماً. نحن لسنا بحاجةٍ إلى حمالٍ أبله لا يحسن إلا الاستفزاز، ولا يتقن إلا السباب، ولا يعرف غير فوضى العير الهاربة، تدوس وتخرب، تحطم وتكسر، ضالةً لا تهتدي، إنه متهمٌ في أهله، مشبوهٌ في شعبه، يحقق معه بتهم السرقة والخيانة والكذب والتدليس، ألا يرى أنه منبوذٌ وغير مرحبٌ به بين شعبه، وأن أحداً في العالم لا يحب شكله، ولا يبش لاستقباله، ولا يبادر إلى دعوته، ولا يحرص على حضوره، خبرته العتالة، ووظيفته المقاولة، وكل همه البعبعة والتهديد والوعيد، جاء إلى أرضنا مهاجراً كديكٍ منفوش الريش مدفوعاً إلى حلبةٍ لا يعرف من هو خصمه، فتراه يقفز من زوايةٍ إلى أخرى، يرغي ويزبد ويتطاير ريشه، وهو لا يدرك على أي أرضٍ يقف، ولا أي شعبٍ يواجه ويتحدى، ويعتقد أن نصحه سيصدق، أو أن تهديده سيسمع، وأن الفلسطينيين سيخضعون لكلامه رغبةً أو رهبة. نحن أدرى بشأننا وأعلم بأمورنا وقد قررنا الاتفاق ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف، فلا نريد المزيد من التشتت والضياع، ويكفينا ما أصابنا من حسرةٍ وألم، وما لحق بنا من موتٍ وقتل، ويكفينا ما علا صورتنا البهية من لغطٍ وتشويهٍ وتبهيتٍ لصورة المقاومة والنضال التي يعرفها عنا العالم ويقدرها العرب والمسلمون، وبسببها يقدمون الدعم والإسناد والمساعدة، ألا يسمع هذا العتل صوت شعبنا العالي المنادي بالوحدة والرافض للانقسام، ألا يرى أننا شعبٌ لا نبيع كرامتنا بكسرة خبز أو شربة ماء، أو يظن هذا الكيس المملوء والبالون المنتفخ أننا نخضع إذا جعنا، ونستكين إذا عطشنا، وأن بطوننا تحركنا، وشهواتنا تدفعنا، ومصالحنا الشخصية تتقدمنا، وهموم شعبنا لا تهمنا، ومصالح وطننا لا تقلقنا، أو يظننا شعباً ساذجاً يصدق عدوه، ويصغي السمع لشراذمه، وينتظر النصح من قتلة أطفاله، وأنه لا يتعلم من تجاربه ولا يستفيد من خبراته. الفلسطينيون يريدون إذلال هذا العتل الضال الزنيم، ويريدون أن يشوهوا صورته، ويسودوا وجهه، وأن يقتلوا البسمة من على شفتيه، وأن يسكنوا الحزن قلبه، وأن يجعلوا التكشيرة علامةً دائمة على وجهه، تظهر ما يبطن قلبه من الخوف والجبن والقلق على المصير، فلا يشعر بنشوة الانتصار، ولا بغرور القوة والاستعلاء، ولا يستمتع بنشوة تحقيق الأماني بتعميق الاختلاف الفلسطيني، وزيادة بون الافتراق وتعميق هوة الانقسام، فهذه إرادة الشعب الواضحة الجلية التي لا غموض فيها ولا التواء، ولا نفاق فيها ولا مداهنة، ولا خداع فيها ولا تكتيك، هذه هي إستراتيجية الشعب وهدفه وغايته، فهل يدرك قادته ومفاوضوه ذلك، ويكونون على قدر حمل الأمانة، وتنفيذ الرغبة، وتحقيق الحلم، فيرسمون البسمة على شفاه شعبهم، ويزرعون الأمل في قلبه، ويسكنون الفرح أرضه ووطنه، أم أنهم يكونون عوناً للجعجاع المهين ليبرمان وأزلامه فيحققون رغبته، ويلبون أمنيته، أيها المفاوضون ألا تسمعون، ألا تدركون وتعقلون، أننا نريد عكس ما يريدون، نريد عزة أهلنا وذلة عدونا فكونوا معنا، أو دعونا وشأننا نحقق أهدافنا ونصل إلى غاياتنا.