شيْطنةُ الإعلامِ شَيْطنةٌ للأوْطانِ لحسن ملواني - كاتب من المغرب- كان الإعلام وما يزال محور الوقوف على الحقائق بحياد تام ، لكنه في ذات الوقت يصير محور اللعبة السياسية بين الأطراف المتناحرة المتصارعة حول دواليب السلطة وزمامها. لذا فهو الوجه الذي يتفرع أوجها تختلف وفق الاستعمالات المسندة إليه ، فأحيانا يداهن ، وأحيانا يُجمل القبيح في الواقع بمسحة الخيالات المفترضة والزائفة ، وكأنه أحيانا يقرر ما ينبغي أن يكون على أنه الكائن ، وبذلك يضفي غطاء سميكا على الواقع الاجتماعي المرير في خضم الهيجان السياسي المدمر للتحقيقات التي تروم الإصلاح و الانعتاق...وما خفي على أصحاب الضمائر المريضة كون الإعلام إن لم يبنِ يهدمُ ، وقد يصل بهدمه إلى هدم مصالح الخادعين والمخدوعين على السواء...فالصحافيون الحقيقيون دأبهم وحلمهم تحقيق الجسارة الرؤيوية التي تضفي المصداقية على الواقعة والخبر بالشكل الممكن من تجاوز الكائن إلى الأحسن الذي ينبغي أن يكون ، وواجب الضمير الإنساني الحي تحري الصدق وتجاوز الأنانيات المريضة التي - في الأخير - لن تنفع صاحبها حتى...وبما أن الإعلام سيظل المؤثر الأول في مواقف الجماهير والسياسات المعتمدة أو المنتظر الاعتماد عليها ، فإن الكل مسئولين وشعوبا يحاولون أن يكون الأخذ بزمام الإعلام من أولى الأولويات ، مما ينشىء الصراع بين القنوات الإعلامية ، وكل هذا من شأنه أن يربك صناعة القرارات الصائبة في حالة غياب الموضوعية والحياد الإعلامي ..فالإعلام بعيدا عن الحرية ليس سوى الإضلال والخداع...الإعلام بعيدا عن التشاركية في صنع القرارات والرأي المبثوث من خلاله انتهازية و سطوة جائرة...الإعلام بعيدا عن الشمولية إخفاء للحقائق ومكبر للأوهام...الإعلام بعيدا عن الاستقلالية استبداد بالرأي و الإفصاح عن القرارات الصائبة...الإعلام بعيدا عن كرامة مهنييه ضعف وإضعاف للتواصل الفعال الذي لن تقوم للمجتمع قوْمَةٌ من دونه...الإعلام بعيدا عن الصدق لعب ومضيعة للوقت والجهد ونصرة للخادعين المعتدين على الحقائق بصورتها الأصلية والواقعية...الإعلام لن يحق الحق ولن يزهق الباطل بالتطبيل والتزمير لجهة على حساب أخرى بعيدا عن العدل ووزن الأمور...الإعلام حين يبتعد عن وضع اليد على الحقائق ينغمس في دوامة من الأكاذيب والتلفيقات و التخوين و القدح المجحف في حق كل من يرد أن يدافع عن حقه في الحياة والكرامة...والفظيع جدا أن يحاول الإعلام استنادا إلى القائمين عليه المتحكمين في دواليبه إخفاء وجود النقائص والشكاوى وغياب الحاجات الأساسية للشرائح من المجتمع .وبالقدر الذي يثير السخرية ، يسبب المآسي حين تؤمن به الدبابة والمدفع فتسحق كل من يقول لا للجور والظلم والظلمات...إن الإعلام يصير هو القتل بنفسه حين يصير بيد المثيرين والمهيجين للطائفية و التعصب الأعمى وعُبيَّة الجاهلية التي لن ينجو أحد من سعيرها طال الزمان أو قصر...وباختصار ، شيطنة الإعلام يفضي إلى شيطنة الأوطان كبيرة كانت أو صغيرة...