المصطفى المريزق / "حلم الخلافة الاسلامية" هو ما فكر في نشره الأستاذ حامي الدين - في بعض الجرائد الالكترونية - على ضوء ما يقدمه التنظيم المعروف باسم "داعش" من مسرحية سخيفة و عرض يشوه معالم و آثار المد الديمقراطي لدى العديد من شعوب المنطقة التي ناضلت أزيد من قرن ضد الأنظمة الاستبدادية و التوليتارية و العسكرية و الفيودالية. ان حامي الدين و هو يستحضر "الخلافة الاسلامية" يريد أن يجرنا للنقاش حول "الخلافة الداعيشية" و يريد ان ينبهنا الى عدم تشويه مفهوم الخلافة و ربطها بتنظيم ( يقول عنه) متطرف، معروف عنه التشدد و التزمت و سطحية التعاطي مع قضايا الدين، و يريد إقناعنا بأن هناك نموذج للخلافة (يجب البحث عنه) غير النموذج المخيف و الظاهري و يدعو أنصاره ( في نهاية حلمه) لتطوير الفقه السياسي ليتلاءم مع روح العصر دون أن يتعارض مع القيم الإسلامية الكبرى. و حينما فكرت هذا الصباح في الرد على صاحب "حلم الخلافة الإسلامية"، ترددت كثيرا قبل أن أفعل، خاصة و أن إشكالية الدولة (و ليست الخلافة) في علاقتها بالمجتمع باتت قضية و مشكلة و معضلة نظرية و سياسية في المجتمعات المعاصرة. كما أن الدولة المدنية بدل الدولة الاسلامية هو حديث حي و شرعي و مطلب المستضعفون في الأرض. و لعل النضج الأخلاقي و العلمي و حجم التحدي الذي تطرحه علينا مسألة الدولة و آلياتها و أجهزتها، تحتاج إلى الدراسة و البحث و ليس إلى الفانتازيا الاسلامو- سياسية. لأن الرجوع الاستفزازي للحلم الداعيشي هو هتك للتاريخ و شماتة في الحاضر. و هنا أستحضر المؤرخ المغربي الكبير عبد الله العروي (في كتابه مفهوم الدولة) في حديثه عن الدولة التقليدية في الوطن العربي، حيث طرح سؤالا عريضا ألا و هو: ما ذا نعني بالدولة الإسلامية؟ و الأستاذ عبد الله العروي الذي يعتبر من الجيل الأول لرعيل المفكرين المغاربة العالميين، و من المنظرين الكبار لمفهوم الحداثة كواقع تاريخي و مبادئ تتشكل فيما بينها، يدعو في كتابه هذا إلى التعرف على الكيان السياسي الذي عاش فيه المسلمون قبل الحديث عن مفهوم الدولة الإسلامية الذي يعتبر في نظره صعب إن لم يكن مستحيلا نظرا لخصوصيتها و لكيفية نشوئها و خصائصها القبلية. إن الرجوع اليوم لما كتبه المؤرخ المغربي العروي حول الموضوع، يعتبر ضرورة ملحة لفهم نظرة الأفراد إلى السياسة و الدولة، و سلوكهم إزاء السلطة في علاقة جدلية مع ظهور الإسلام و ما صاحب الدعوة المحمدية من حوادث و ما ورثه العرب تلقائيا من تنظيمات و أجهزة الدولتين البيزنطية و الفارسية. إن العروي و هو يذكرنا بنشوء الدولة التاريخية في آسيا الغربية على قاعدة الحق الهي و سلطة فردية مطلقة مستهدفة الشهرة و القهر و الرفاهية، و ما حققته من توسع و إنتشار و تراكم عبر العالم بعد الفتوحات المقدونية التي تأثرت بها حتي مدن اليونان و الرومان، يريد من خلال ذلك أن يضعنا وجها لوجه أمام هذا الموروث الذي سبق الرسالة المحمدية بعشرات القرون، خدمة لأهداف دنيوية داخل واقع سوسيو ثقافي معين. و من بين ما يثير الإنتباه في قراءة "مفهوم الدولة" ، هو ما ورثه العرب من الدولة الأسيوية من أهداف و تنظيمات تتعارض مع الاسلام و مع العناصر المكونة للدولة الاسلامية التي يدركها العروي في الثلاثي التالي: الدهرية العربية، الأخلاقية الإسلامية و التنظيم الهرمي الآسيوي. و وما يجعل القارئ في حيرة من أمره، هو اعتراف العروي بغياب المعطيات التاريخية الكافية و الشهادات المباشرة عن سيرورة الدولة الاسلامية في مرحلة تشكلها و صعوبة امتزاج مكوناتها الثلاثة، من دون أي طعن في علاقة العرب بالسياسة. و رغم النقص و الصعوبة في الحصول على الأخبار و المعطيات، يستحضر العروي العلامة ابن خلدون و تقسيمه للسياسة العقلية (المعتمدة على العقل البشري) إلى نوعين: نوع يهدف الى مراعاة المصالح على العموم و نوع ثان يهدف الى مصلحة السلطان فقط، كما يستحضر كذلك نظام الخلافة و تطوره من عمران بدوي الى عمران مدني. إلا أنه يتوقف عند ما يسميه بالسؤال الخطير المتعلق بانقلاب السياسة الى الخلافة؟ أما حينما تناول الغزالي، فإنه وضح ضرورة التكيف مع الواقع و كشف أن الطبيعة الانسانية ترفض و لا تتحمل نظام الخلافة. أما ابن تيمية، فيعتبره العروي من أولائك الذين يدعون الى تطبيق الشرع و لا يتحدثون عن الخلافة. كما خصص العروي حيزا هاما من دراسته للتغيرات التي مست الحضارة العربية أثناء الخلافة ذاتها، معترفا بما شهدت من انتقال ظاهر من عمران بدوي إلى عمران مدني، ما جعل الحكم يصطبغ بالسياسة العقلية. لكنه نفى ان يكون الفكر الاسلامي قد تضمن نظرية الدولة، لكنه -يضيف العروي- يتضمن أخلاقيات و إجتماعيات.