وأنا أتابع خطاب القذافي وما تلا ذلك من تعاليق وتحاليل لصحفيين وتدخلات مواطنين ليبيين ، وعرب آخرين قالت التي من حولي : أول مرة أشاهد القذافي وقد طأطأ رأسه وانحنى ، ولأول مرة أكتشف ملامح وجهه الشاحب . قلت لها لا عليك سينحني أكثر أمام ثورة شعبه وسينتهي كبرياؤه ، إن الله يمهل ولا يهمل . وربما ألقى هذا الخطاب من البناية التي قصفها الأمريكيون حيث يظهر أثر القصف من خلفه ، وإذا كان كذلك فإنه قد أمن لنفسه شر الأمريكيين والمتظاهرين في هذا الظهور المحفوف بالمخاطر . وأي خطر غير خطر التنحي عن الحكم . الواقع أن أي عاقل مهما بلغت درجة فكره وتفكيره بحسب اعتقادي ، لا يستطيع فهم درجة حب السلطة والتشبث بكرسيها لهؤلاء ، لقد بدا الأمر عاديا إلى حد ما عندما سقط الرئيس التونسي ، وكذلك لما لحق به الرئيس المصري ، لكن القذافي هذا ، الزعيم الثوري والجماهيري أثبت للجميع صعوبة التخلي عن السلطة والتنحي عن الحكم إلى درجة أنه ألقى خطابا كارثيا ، خطابا يضحك ويبكى في نفس الوقت ، إنه يرفض المظاهرات ومطالب الشعب ، وينعت الكل بنعوت سوقية ، وقد هدد في خطابه هذا المتظاهرين برد ساحق شبيه بقصف البرلمان الروسي والقصف الأمريكي للفلوجة ، وهنا كان الشيخ القرضاوي محقا في فتواه عندما أهدر دمه ، وهنا كذلك أعلن القذافي كفره علانية . وخاصة عندما تشبث بقوانين الكتاب الأخضر وتلا قانون الإعدام ونسي شرع الله ، ولم يكترث بالآية القرآنية " ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " صدق الله العظيم . إنه لا يوجد في التاريخ رئيس دولة أو ملك أعلن الحرب على شعبه الذي يطالب فقط بالكرامة والحرية ، لقد وصف المحتجين بعصابات الجرذان والمرتزقة ، ويقول لهم أعطيت الأوامر للضباط الأحرار للقضاء على الجرذان ، فهو يتحدى الجميع ويقول لهم إلى النهاية ، ويضيف نحن القذاذفة لا نستسلم حتى ننتصر أو نموت ، ونحن أحرار في استخدام القوة . إن هذه المقولة قالها عمر المختار المحبوب رحمه الله عندما كان يواجه الاستعمار الإيطالي ، وهذا يقولها لانه يواجه شعبه الثائر ضده بسبب عجرفته وفساده والمنبوذ ولا يحبه أحد ، كما أنه لم يعترف بالمجازر التي ارتكبها في بنغازي وطرابلس .. لقد أكد زعيم الثورة معمر القذافي من جهة أخرى أنه ليس رئيسا حتى يستقيل "فأنا قائد ثورة إلى الأبد " فهل عاشت ليبيا بدون رئيس لمدة أزيد من أربعة عقود ونحن في غفلة من أمرنا ؟ هل هو رجل سماوي أو جني كما قال أحد المعلقين ، أو فقد صوابه ، أم يريد أن يظهر للناس أنه باق في السلطة فيهدد العالم بوجود إمارات إسلامية بهدف تخويف الغرب ، لقد ادعى في خطابه أن وسائل الإعلام تحاول تشويه صورة الليبيين المجاهدين الأحرار ، فمن شوه الآخر ؟ أذلك الذي رفع رأسه أربعين سنة ونيف ولا أحد يفهم ما يفوه به ، وعاش في الخيمة خائفا من سقوط السقف بالقصف ، أم هذا الذي يقود ثورة استرداد الكرامة والحرية ببسالة لا تقهر . وقد سماه أحدهم بالثور الهائج يمكن أن يفعل ما يشاء ، إنه أصيب بهستيريا الإفلاس بسبب صحوة الشعب الليبي ، بعد أن حكم البلاد مع أبنائه حرا طليقا يحلم بالإمبراطورية الأفريقية . قالت عنه ميركل بالأمس :" خطاب القذافي مرعب جدا جدا ونفضل فرض عقوبات على ليبيا لحملها على وقف العنف ..." ونحن نقول : إن الشعب الليبي أخرج المستعمر الإيطالي وسيعرف كيف يهزم المجرم القذافي بدون تدخل أجنبي بإذن الله . فهو الآن بدأ يفقد الشرعية الداخلية وسيفقد الشرعية الدولية فمن سيخرجه من المأزق الذي بناه لنفسه . إن هذه الثورة التي قادها الشباب لم تكن ثورة عادية كما قال الشيخ القرضاوي بل ثورة ملهمة ومعلمة للعالم أجمع . كنا بالأمس القريب عندما نذكر هتلر أو موسوليني أو ستالين ...نندهش ونتألم عن المجازر التي شنوها وقاموا بها ضد البشرية ، فقد أصبحت بسيطة على ما يبدو أمام هذا الطاغوت الجديد ، ذلك أن هتلر مثلا خسر الحرب ولكنه لم ينسحب وقلده القذافي ولكن في التشبث بالسلطة ، وسمح له عناده واستخفافه بالتدمير الكامل للبنية التحتية الصناعية الألمانية فبل أن تقع بين قوات الحلفاء ، وعهد هو الآخر بتنفيذ الأرض المحروقة كما القذافي ، غير أن هتلر كانت له قناعة بأن يعيش في بلاده مع شعبه أو يهلك فيها ، وهذا بريد أن يهلك شعبه ويعيش لوحده . القذافي يشبه ستالين الذي أعدم أكثر من خمسة ملايين من الفلاحين عندما رفضوا تنفيذ مشروع المزارع الجماعية ووقفوا في وجهه . الفارق هو أن القذافي بدوي عربي أفريقي ، والآخرون عاشوا بمبادئ وأيديولوجيا معينة وأنهوا مشوارهم بشرف على كل حال . وهذا يمكن أن ينهي مشواره بحرق النفط ، لا قدر الله ذلك . هكذا تنتهي مرحلة الحاكم العربي المتسلط والغير المنتخب قانونا ، وهكذا تنجلي مكائد حكام العرب فهم متحالفين مع الغرب ضدنا ، وضد مصالح الأمة جمعاء ، عسى أن يبقوا جاثمين في الحكم مساندين من ديمقراطية الغرب ، فلا غرابة لهزائمنا المتتالية في جميع المجالات عسكرية أو اقتصدية أو سياسية . حفظ الله هذه الصحوة الشبابية . حسين سونة