صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب        البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زرت غرفة نوم العقيد القذافي بعد قصفها من طرف الطائرات الأمريكية
رسالة مجهولة المصدر كانت وراء ربط علاقات متينة مع الليبيين ورحلات متكررة إلى طرابلس
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2010


الحلقة التاسعة عشر :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

كان الفقيه البصري يتردد كثيرا على ليبيا وكان شبه مقيم فيها وبإشراف الأجهزة الأمنية الليبية. هل يعني ذلك وجود تعاون بين الطرفين للإطاحة بنظام الحسن الثاني؟
-المؤكد أن هذا التعاون كان موجودا. الفقيه البصري كان معارضا للنظام، وكان الليبيون مستعدين دائما لاحتضان كل من يعارض النظام المغربي، والثابت أيضا أن معظم الأموال التي ذهبت إلى البوليساريو في السنوات الأولى لنزاع الصحراء مصدرها ليبيا، وهذا ليس سرا، بل تحدث عنه الملك الحسن الثاني في كتاب «ذاكرة ملك»، كما تحدث عنه العقيد معمر القذافي. لكن عندما حدثت المصالحة بين الملك والعقيد عام 1981 توقف الدعم الليبي لجبهة البوليساريو وأيد الليبيون اقتراح الملك الحسن الثاني تنظيم استفتاء في الصحراء. كان معروفا خلال الستينيات والسبعينيات أن الفقيه البصري يشرف على الإذاعة الموجهة إلى المغرب، التي كانت تبث من ليبيا مواد عدائية ضد النظام في المغرب، وكانت له علاقات جيدة مع الليبيين.
لكن ما هي مصلحة الليبيين في أن يقترحوا عليك اللقاء مع الفقيه البصري؟
- علينا ملاحظة أن اللقاء تم عام 1989، و«الاتحاد العربي الإفريقي» أصبح وقتها في عداد الماضي منذ عام 1986 عقب زيارة شمعون بيريز لإفران ولقائه مع الملك الحسن الثاني، وأصبحت العلاقات سيئة جدا بين المغرب وليبيا. والمرجح أن الليبيين ظنوا أني سأنقل تصريحات للفقيه البصري، وأن ذلك سيكون بمثابة «إزعاج إعلامي» للمغرب. وربما كان في ظنهم أيضا أنه إذا لم أستعمل تلك التصريحات على الفور، ربما أستفيد منها في وقت لاحق. نعرف أن الأنظمة الشمولية لديها دائما حسابات في توظيف الصحافيين، على أساس أن الصحافي يمكن أن يوظف لقاءاته الصحافية في أي وقت، وليس بالضرورة في الحين. وحتى لو لم يستطع الصحافي نشر ما سمعه، ربما يكون هدفهم توريطه في لقاء مثل هذا في انتظار أن يستعمل ضده، كأن يقولوا له «إذا لم تكتب وفق أجندتنا سنسرب خبرا بأنك التقيت الفقيه البصري، وبالتالي تعريضك لمتاعب مع المسؤولين المغاربة».
هذه عادة طريقة عمل الأجهزة في الأنظمة الشمولية. حروب الأجهزة ليست لها أخلاق، وفي كثير من الأحيان كنت أقع في مثل هذه المطبات، لكن لحسن الحظ خرجت منها سالما. الأمر لا يتطلب مهارة أو ذكاء، بل كنت حريصا أن يعرف الآخرون أني «لست للبيع». كما حرصت على الدوام أن أتعامل كصحافي.
ألم تعلم الأجهزة الأمنية المغربية بلقائك مع الفقيه البصري؟
- نعم، ولا أعرف كيف علمت بالخبر. المهم أنه بعد انتهاء زيارتي لليبيا عدت إلى المغرب، عن طريق مطار محمد الخامس في الدار البيضاء. وعندما وصلت إلى نقطة الشرطة في المطار قدمت جوازي بطريقة عادية. في ذلك الوقت، وعقب زيارة شمعون بيريز لإفران، لم يكن أي مراسل أجنبي يستطيع أن يغادر المغرب إلا إذا تم إخطار الإدارة العامة للأمن الوطني من طرف شرطة المطار، إضافة إلى تأشيرة العودة، التي لابد من الحصول عليها من إدارة الأمن حتى يمكنك السفر خارج المغرب. هذا الإجراء ألغي فيما بعد، كما أن مسألة استئذان إدارة الأمن الوطني حتى في حالة الحصول على تأشيرة خروج ألغيت بدورها. في بعض الأحيان كان الحصول على تأشيرة خروج يستغرق وقتاً طويلا. إذ كان خروج الصحافيين الأجانب من المغرب تحيط بها إشكالات عويصة. وعند العودة كان يمكن أيضا أن يستغرق ختم الجواز فترة طويلة.
عقب عودتي من ليبيا، وعندما قدمت الجواز ليختم، جاء أحد رجال شرطة الحدود وقال لي: «نريدك في بضع دقائق». ثم قادني إلى مسؤول أمني في مكتب داخل المطار، فبادر ذلك المسؤول وسألني: «ما هي أخبار الفقيه البصري؟». ابتسمت وقلت: «يسلم عليكم». سألني: «وماذا يقول»؟ فأجبت: «لن أقدم تفاصيل، لكن إذا أردت الحقيقة، وبكل صدق، لم يقل شيئا ذا أهمية، لكن المجالس بالأمانات». وأضفت قائلا «لنكن واضحين منذ البداية. لن أقول لك قط ما سمعته منه، لكن إذا أردت أن تصدقني، أقول لك إنه لم يكن في كل ما قاله شيء يثير الاهتمام». فكان رده «نحن بصراحة نريد أن نعرف ما هي أخباره». وكررت جوابي السابق وقلت له: «يسلم عليكم، لأنه بالفعل قال لي سلم على كل من تلتقيه في المغرب. هذه هي العبارة التي استعملها وها أنذا أقول لك الحقيقة». وحتى أختصر الموضوع من جانبي، قلت له: «ماذا تتصور أن يقول الفقيه لصحافي يلتقيه لأول مرة، ولا يعرفه من قبل، وهو رفض حتى أن أجري معه حوارا». لم يستغرق ذلك «الاستجواب» في المطار سوى بضع دقائق، ولا أدعي أشياء لم تحدث، وكان رد المسؤول الأمني «نحن نريد فقط التأكد بأنك التقيت به». ويبدو فعلا أنهم كانوا يريدون التأكد بأني التقيت الفقيه البصري. رحت أتساءل مع نفسي كيف وصلت هذه المعلومة إلى المغرب، لأني لم ألاحظ وجود أحد. كان الفقيه البصري قد أخبرني بعد انتهاء اللقاء بأن هناك بعض المغاربة ينتظرونه. طبعا، وكما تقتضي اللياقة، لم يكن ممكنا أن أسأله عن هويتهم، ولا أعتقد أنه كان سيجيبني عن هذا السؤال.
من هم أولئك المغاربة الذين كانوا ينتظرون الفقيه البصري؟ ألم يكن بين هؤلاء المغاربة اتحاديون من تيار «الاختيار الثوري» التابع له؟
- لا أعرف. ما فهمته أن بعض المغاربة كانوا يوجدون في بهو الفندق، وطلب منهم، من خلال مكالمة هاتفية مع الجناح الذي كان يقيم فيه، بأن ينتظروه في الاستقبال. هذه المكالمة الهاتفية جعلتني أعتقد أن الليبيين تعمدوا أن أرافقهم إلى الفندق والدخول من باب خلفي للإيحاء بأن اللقاء مع الفقيه البصري ليس أمرا متاحا لكل الناس.
أنت بدورك ترددت كثيرا على ليبيا كصحافي. ألم تتقاضَ «مساعدات مالية» من الليبيين؟
- حسنا، هذا سؤال جيد، بل لعله سؤال منطقي. في عام 2003 ولم أكن وقتها أعمل مع أية جهة، طلب مني الليبيون المشاركة في ندوة أدبية، وإعداد بحث حول «علاقة الإبداع الأدبي بالصحراء»، فقلت للمنظمين «إنني صحافي وكاتب، وإذا أردتم مشاركتي بورقة عمل في ندوة، عليكم أن تدفعوا قيمة هذه المساهمة». وبالمناسبة، هذه مسألة مبدأ بالنسبة لي، إذا طلبت مني أي جهة المشاركة بورقة في ندوة أو لقاء أكاديمي أو علمي أو أن أكتب في صحيفة أو مجلة أو حتى أن أشارك في لقاء إذاعي وتلفزيوني أطلب تعويضا لأن ذلك حقي، باستثناء إذا كان الطلب من الجمعيات أو المنظمات التطوعية. لا يهمني القدر، لكن أقول دائما إن الطبيب أو المهندس أو المحامي إذا طلبت منه استشارة يطلب مقابلا ماليا، لماذا إذن نستثني الكتاب والصحافيين؟.
معنى هذا أن الليبيين وافقوا على تسديد التعويض الذي طلبته مقابل إعداد هذا البحث؟
- نعم، وقد تطلب مني إعداد ذلك البحث أزيد من أسبوع.
ما هو سقف هذا التعويض؟
- المهم أن الليبيين دفعوا فعلا تعويضا لقاء تلك المساهمة، وكان مبلغا متواضعا، في حدود 700 دولار، أي حوالي 5600 درهم. عدا هذا المبلغ، الذي يبقي حقا من حقوقي، لم أتقاض من الليبيين سنتيما واحدا. صحيح كانت هناك محاولة ثانية في واقعة تتعلق بكتابي «الملك والعقيد»، إذ عندما عرف الليبيون أني بصدد إصدار ذلك الكتاب في نوفمبر عام 2008، وكنت وقتها في واشنطن، اقترحوا علي أن يتولوا طبعه، وأن يسددوا حقوق النشر. لم يقترحوا مبلغا ماليا، لكن كانت هناك تقديرات عامة. وقد اشترطوا أن أسلمهم النسخة الأصلية، وألا يطبع الكتاب في أي مكان آخر. أنا استنتجت بأنهم لا يريدون أن يصدر الكتاب أصلا، وبالتالي يدفعون مقابل ذلك، لكني اعتذرت لهم. وربما قدموا ذلك الاقتراح، على خلفية كتاب آخر انزعجوا له كثيرا، وهو كتابي «محطات في تاريخ ليبيا» والذي اشتمل على تفاصيل لم تكن معروفة عن النظام الملكي في ليبيا، والكتاب كان عبارة عن سيرة ذاتية للسياسي الليبي محمد عثمان الصيد، وكان من أبرز رؤساء الحكومات في العهد الملكي.
ما هي حدود علاقتك ببعض المسؤولين في ليبيا؟
- فعلا تعرفت على كثيرين منهم. ومن الأشخاص، الذين لعبوا دورا كبيرا في علاقتي مع ليبيا، وهو عمليا الذي سهل علي مأمورية اللقاء مع العقيد معمر القذافي، أذكر محمد أبو القاسم الزوي، الذي كان وقتها سفير ليبيا في الرباط، وسبق له أن شغل مناصب مهمة حيث كان وزيرا للداخلية، كما كان وزيرا للإعلام، وهو من الشخصيات القريبة جدا من العقيد القذافي. وحاليا يعد أبو القاسم الزوي الشخصية الثانية في ليبيا، لأنه رئيس مؤتمر الشعب العام، أي رئيس البرلمان الذي يعين الحكومة. وهناك شخصيات أخرى داخل ليبيا ربطتني معها علاقات إنسانية، إذ من غير الإنصاف الاعتقاد بأن ليبيا كلها مخابرات وأجهزة وعسكر. هناك مثقفون ممتازون، أذكر منهم مثلا الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه، وهو مثقف وروائي ربطتني به علاقة صداقة حقيقية، وهناك إبراهيم الكوني، الذي يعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي تعرفت عليه كذلك في ليبيا، ورسام الكاريكاتور محمد الزواوي الترهوني، الذي انقطعت أخباره، وكنت عملت على نشر بعض رسوماته في «الشرق الأوسط» .
متى زرت ليبيا أول مرة؟
- كان ذلك عام 1986، أي بعد الضربة الأمريكية التي حدثت في أبريل من تلك السنة في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. وحرص الليبيون على أن أزور غرفة نوم العقيد معمر القذافي، التي تعرضت للقصف في تلك الغارات. وقتها أبلغني الليبيون أن الطائرات الأمريكية جاءت عبر مضيق جبل طارق قادمة من أوروبا وأن الرادارات المغربية رصدت تلك الطائرات، لكنها لم تبلغهم بالأمر. أعتقد أنهم كانوا يريدون أن تنشر تلك «المعلومة» في «الشرق الأوسط»، ونحن نعرف الآن أن ليبيا دبرت عملية إسقاط طائرة لوكوربي كرد على تلك الغارات التي أدت إلى مقتل وجرح عدد كبير من الليبيين. وفي علاقتي بالليبيين، أعتقد أني كنت محظوظا من الناحية المهنية، لأنهم كانوا يريدون أن أنقل «رسائل» منهم عبر «الشرق الأوسط»، سواء كانت تلك الرسائل موجهة إلى المغرب أو العالم العربي، لذلك في كثير من الأحيان حصلت منهم على معلومات قيمة. يجب أن أقول إني أدركت، بسبب العلاقة المعقدة والمركبة مع الليبيين، أن بعض الأنظمة تفضل التعامل مع صحافي محايد يمكن أن يتحول إلى «حامل رسائل»، وهي مهمة لا تخلو من مخاطر، لأن الأجهزة بلا قلب، إذ يمكن إيذاء هذا الصحافي إذا استدعى الأمر ذلك. فهمت أن الطريقة التي تعتمد في «نقل الرسائل» تتم عبر طريقتين: إما أن يسربوا له شيئا يكتبه، وهذه طريقة مباشرة، أو أن يقال له شيء لا يستطيع أن يكتبه فيتوقعون أن ينقله إلى جهة ما، وإذا لم يكن فطنا يمكن أن يتحول إلى «عميل» دون أن يدري.
أي عميلا بدون تكليف.
- نعم. أنا فعلا لاحظت أن الجانبين سواء الليبي أو المغربي حرصا على تسريب أخبار إلي. كنت أتلقى من مصادر مغربية أخبارا حول العلاقات المغربية الليبية، ومن الجانب الليبي أخبارا عن علاقتهم بالمغرب. ربما اكتسبت ثقة الجانبين، أو ربما اعتقد الطرفان أن هناك فائدة ترجى. من جانبي، حرصت على التعامل المهني مع كل الأطراف. نظريا، يبدو هذا الأمر سهلا، لكن تطبيق ذلك على أرض الواقع مسألة تكتنفها مصاعب وتعقيدات. إذ كل جانب يوحي لك بأن نقل معلومات عن الجانب الآخر سيجعلك صاحب حظوة. وإذا استمرأ الصحافي هذه العملية ربما أصبح «عميلا مزدوجا»، وهذا دور خطر ولا أخلاقي. بيد أني لم أسقط في هذا الفخ، أقولها صادقا. كنت في بعض الأحيان أسمع أخبارا ومعلومات مهمة، وأحتفظ بها لنفسي، وأقول إني استفدت كثيرا من هذه المعلومات عندما كتبت كتابي «الملك والعقيد»، وهو ما أشرت إليه في مقدمة ذلك الكتاب. ويقينا أنه عندما «يتوقف» عمل الصحافي «يبدأ» عمل الكاتب.
حافظت على علاقتك مع معمر القدافي والحسن الثاني في عز الصراع بينهما. ما هو تعليقك على هذه المفارقة؟
-أقول دون ادعاء إني ربما الصحافي الوحيد الذي ربطته علاقة مباشرة مع الملك الحسن الثاني وفي الوقت نفسه مع العقيد معمر القذافي. والمؤكد أن قنطار حظ كان إلى جانبي في هذه المسألة. هناك بالطبع الكاتب محمد حسنين هيكل، الذي التقى أيضا الملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي، لكن لا مجال للمقارنة، لأن هيكل كان أحد صناع القرار في مصر الناصرية، أي أن له حيثيات مختلفة. ويبقى هيكل، على الرغم من كل الجدل الذي أثاره ويثيره، أهم صحافي عربي في النصف الثاني من القرن العشرين، بل هو واحد من أبرز الصحافيين على مستوى العالم. هناك صحفيون عرب آخرون، ربطتهم علاقة إما بالملك الحسن الثاني أو بالعقيد معمر القذافي، لكن لم تكن لهم علاقة في الوقت نفسه بهما. هناك سليم اللوزي، ناشر ورئيس تحرير مجلة «الحوادث» الذي قتله السوريون في لبنان، وربطته علاقة قوية بالملك الحسن الثاني، وهناك بالطبع عثمان العمير. ومع العقيد القذافي هناك طلال سلمان، ناشر ورئيس تحرير صحيفة «السفير»، وهؤلاء كانت لهم علاقة بطرف واحد، لكن لا علاقة لهم بالطرف الآخر. بالنسبة للصحافيين الأجانب، ربط الملك الحسن الثاني علاقات قوية بصحافيين فرنسيين، في حين أن علاقات العقيد معمر القذافي منعدمة. صحافيون كثيرون أجروا معه حوارات، لكن لم يرتبط معهم بعلاقات وثيقة كما هو شأن الحسن الثاني.
هل تسبب لك كتابك «الملك والعقيد» في بعض المشاكل مع بعض الجهات سواء في ليبيا أو المغرب؟
- بكل صراحة، لم يتحدث معي أي أحد، سواء في المغرب أو في ليبيا. ولم يكن هناك سوى العرض الليبي الذي أشرت إليه قبل صدور الكتاب.
ما هي قصة الحوار الذي أجريته مع العقيد معمر القذافي ولم تغادر ليبيا إلا بعد أن نشر هذا الحوار، وقصة الرسالة التي حملتها من مسؤولي صحيفة «الشرق الأوسط» إلى القذافي؟
- في عام 1988 كان رئيس تحرير «الشرق الأوسط» هو الأخ عثمان العمير. كانت الصحيفة تنشر آنذاك حلقات حول أسباب الخلاف بين ليبيا وحركة «فتح» الفلسطينية. انزعج الليبيون كثيرا بسبب تلك الحلقات، وكان واضحا أن «الشرق الأوسط» تقف إلى جانب حركة «فتح»، فأطلق الليبيون تهديدات ضد الصحيفة، إلى درجة أنهم هددوا بنسف مقرها في لندن. وإذا عدنا إلى الظروف السياسية في تلك الفترة سنجد أن ليبيا كان يمكنها أن تفعل أي شيء. كانت علاقتي، كما أسلفت القول، وثيقة جدا بالأخ العمير، وأزعم بأنني أصبحت من الذين لهم موقع قوي داخل الصحيفة، وأحد الذين يعرفون الكثير عن المطبخ الداخلي للصحيفة. أكثر من ذلك كان لي دور في ترشيح مراسلين في بعض العواصم المهمة. هذه الحظوة لدى عثمان العمير جعلتني أتدخل حتى في الكثير من الأمور. الناس كانوا يعرفون بأن علاقتي متينة جدا وقوية مع الأخ العمير، وأنا من اقترحت عليه أن يتعرف على مراكش، مؤكدا له أنه سيعجب بها، وكانت تلك بداية علاقته بمراكش، إلى الحد الذي شيد فيها فيلا، وأصبح من «مواطني» المدينة. وبعد أن شيد منزله في مراكش راح يتردد كثيرا على المغرب.
أعود إلى التهديد الليبي للصحيفية لأقول إن الليبيون كانوا يطلقون على تلك الفترة «مرحلة الضرورة المؤلمة» ويعتبرون المعارضين بمثابة «كلاب ضالة»، وقد تمت تصفية كثيرين من المعارضين الليبيين في عدد من الدول. لذلك تعاملت الصحيفة مع التهديد الليبي بجدية.
كيف عرفتم ذلك؟
- تلقت الصحيفة تهديدا من شخص مجهول عبر الهاتف، ونسب إلى أحد الأشخاص قوله: «الآن جاء دوركم أيها الكلاب». أبلغني عثمان العمير بالواقعة، وقال لي إن الصحيفة ارتأت التعامل مع الأمر بجدية. اقترحت أن أفتح الموضوع مع أحد المسؤولين الليبيين، الذين كانوا يترددون على المغرب. وتشاء الصدف أن يزور الرباط جمعة الفزاني، وكان وقتها وزيرا للإعلام، فالتقيت به عن طريق محمد ابو القاسم الزوي.
تقصد السفير الليبي؟
- نعم. كان اللقاء مع جمعة الفزاني في فندق هيلتون في الرباط ، قلت له «يا سيد جمعة أنا مكلف بأن اتصل بكم في شأن رسالة تهديد تلقتها الصحيفة، ونحن لا نريد أي مشاكل مع ليبيا»، وكان جوابه أنه سينقل هذه الرسالة ويصلني الرد، لكنهم يشترطون أن تقلع الصحيفة عن توجيه انتقادات للعقيد معمر القذافي. وبعد فترة جرى اتصال، وكان جوابهم «لماذا لا يأتي عثمان العمير لزيارة ليبيا واللقاء مع العقيد معمر القذافي ويجري معه حوارا ونطوي هذه الصفحة». ويبدو أن تلك كانت فكرة محمد أبو القاسم الزوي، السفير الليبي في المغرب. بدت فكرة زيارة عثمان العمير لليبيا مسألة صعبة للغاية في ذلك الوقت خاصة أن العلاقات السعودية والليبية كانت متردية جدا. ثم لا أحد يستطيع التكهن «بالمفاجآت الليبية». ولأن الأمر كذلك، اقترح العمير ذهابي إلى ليبيا نيابة عنه مع تفويض كامل لإصلاح العلاقة بين ليبيا والصحيفة. ووجهة نظر عثمان العمير أني وظيفيا مسؤول منطقة المغرب العربي، وثانيا سوداني، أي أنتمى إلى بلد محايد، خاصة أننا نتحدث في ذلك الوقت والسودان يعيش تجربة ديمقراطية تعددية. أبلغت الليبيين بأن ارتباطات عثمان العمير، كرئيس تحرير للصحيفة، تجعل من أمر سفره إلى ليبيا متعذرا، وأني مستعد للذهاب مع تفويض كامل. وافقوا على الاقتراح، لكنهم اشترطوا في حال اللقاء مع العقيد معمر القذافي أن أنقل حديثه بالكامل دون حذف أي كلمة، أي أن هذا الحوار ينبغي أن ينشر بالنقطة والفاصلة، فوافقنا على هذا الشرط. وفعلا سافرت إلى ليبيا، وأقمت في «الفندق الكبير» وكان ذلك خلال شهر رمضان، وكانت تلك أول زيارة ستتكرر بعدها 
الزيارات.
هل أقمت على نفقة الليبيين؟
- في ذلك الوقت لا يوجد فندق في ليبيا يقبل شيكات أو بطاقات قروض أو تسديد بالعملات الصعبة، لذلك لا يوجد خيار. إما الإقامة على حساب الحكومة الليبية أو أن تبقى في الشارع. كانت سنوات صعبة جدا، لذلك بقيت في الفندق في انتظار تحديد موعد اللقاء مع العقيد معمر القذافي. والإقامة في الفندق أمر يبعث على الضجر، لأن لا شيء سوى وجبات متواضعة تتكرر، خدمات الهاتف غير متوفرة والتلفزة لا يوجد فيها شيء سوى «قناة الجماهيرية»، وما أدراك ما قناة «الجماهيرية»، ولا توجد صحف، والصحف الليبية إذا قرأتها تصاب بالدوار، وهي عبارة عن نسخة لما تنشره وكالة أنباء الجماهيرية، والكتب لا يسمح بإدخالها، ولم يكن لدي سوى راديو صغير ألتقط به بعض المحطات الأجنبية، وإلا كنت انقطعت عن العالم تماما. ثم لا توجد أمكنة يمكن أن تذهب إليها في العاصمة الليبية.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.