أخنوش: صادرات قطاع الطيران تواصل مسارا تصاعديا بزيادة قدرها 20% مع نهاية شهر شتنبر الماضي    معدل نشاط السكان بجهة طنجة يتجاوز الوطني والبطالة تسجل أدنى المستويات    البحرية الملكية تُحرر سفينة شحن حاول "حراكة" تحويل وجهتها الى اسبانيا        أخنوش: التوازن التجاري يتحسن بالمغرب .. والواردات ضمن "مستويات معقولة"    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    المحامون يواصلون شل المحاكم.. ومطالب للحكومة بفتح حوار ووقف ضياع حقوق المتقاضين    "أطباء القطاع" يضربون احتجاجا على مضامين مشروع قانون مالية 2025    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    أقدم استعمال طبي للأعشاب في العالم يكتشف بمغارة تافوغالت    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "المعلم" تتخطى عتبة البليون مشاهدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    المنتخب المغربي يستعد لمواجهة الغابون ببعثة خاصة واستدعاء مفاجئ لحارس جديد    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    مسار ‬تصاعدي ‬لعدد ‬السجناء ‬في ‬المغرب ‬ينذر ‬بأرقام ‬غير ‬مسبوقة ‬    مزور… الدورة الوزارية ال40 للجنة الكومسيك، مناسبة لتعزيز الاندماج الاقتصادي بين الدول الإسلامية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    كيوسك الإثنين | "زبون سري" يرعب أصحاب الفنادق    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    الباشكي وأيت التباع يتألقان في بلوازن    السعودية تعلن اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي    مظاهرات بمدن مغربية تطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية بغزة    الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر    تحقيق أمني بطنجة بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة في بنك المغرب    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    ابن تماسينت إبراهيم اليحياوي يناقش أطروحته للدكتوراه حول الحركات الاحتجاجية    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك محمد السادس مازح ستيف هيوز: «تعمل في المغرب قبل أن أولد.. ألم تتعب؟»
أمسية لا تنسى مع ياسين المنصوري وحسن أوريد تجلى فيها محمد شكري بالإسبانية
نشر في المساء يوم 26 - 08 - 2010


‎‫الحلقة السادسة عشر‬ :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

أنت تعرفت على الملك محمد السادس وهو ولي العهد. متى كان أول لقاء لك به؟
- لم يكن لقاءً، لكن، كما ذكرت، طُلب مني وأنا محرر في «العلم» عام 1979 تغطية افتتاح معسكر للكشافة العربية في المعمورة بضواحي سلا، حيث كان ولي العهد سيزور المعسكر، يرافقه عبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة آنذاك. كانت تلك أول مرة أقترب فيها من ولي العهد، لم أسلم عليه لكن كنت قريبا جدا منه.
ثم حدث أن حضرت له أيضا نشاطا آخر عندما استقبل شخصية أجنبية لم أعد أتذكرها في مطار الرباط سلا. كان ذلك في عام 1982. أثارت انتباهي قدرته على الانضباط لصرامة البروتوكول وهو لازال صغير السن. تذكرت هذه الواقعة وأنا أكتب عن ولي العهد الأمير مولاي الحسن حينما زار في فبراير الماضي المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، حيث أبدى بدوره انضباطا مدهشا لقواعد البروتوكول. لكن ستتاح لي فرصة السلام على ولي العهد (جلالة الملك محمد السادس) في القصر الملكي للدار البيضاء، وكان ذلك بمناسبة عيد الشباب في منتصف الثمانينات. كان معي في ذلك الوقت الزميل محمد السلهامي، الذي كان آنذاك يعمل مراسلا متجولا لأسبوعية «جون أفريك»، ولا شك أنه يتذكر واقعة جرت قبل أن يدخل ولي العهد إلى الساحة التي كنا نقف فيها داخل القصر الملكي في الدارالبيضاء، حيث جاء مفتش شرطي من الاستعلامات العامة في الرباط، وعلى الرغم من أنه يعرفني جيدا، راح يدفعني لإبعادنا عن المكان الذي سيوجد فيه ولي العهد، تدخل السلهامي وسأله: «ألا تعرف فلانا؟» وكان جوابه «أعرفه أو لا أعرفه. الآن هناك تعليمات». لكن ولي العهد كان كريما إذ صافحنا، وكنا حوالي أربعة صحفيين، وتبادل معنا حديثا قصيراً.
وماذا قال ولي العهد في هذا الحديث القصير معكم؟
- من العبارات التي قالها: «أتمنى أن تجدوا ما تكتبوه في هذه المناسبة». كان ذلك أول لقاء أصافحه فيه.
ما هي قصة علاقتك بمحمد السلهامي؟
- كان السلهامي عندما يحضر من باريس يمر علي في مكتب «الشرق الأوسط» بالرباط، ودأب على إرسال مواده الصحافية من مكتبي، إذ كنا آنذاك نتوفر على جهاز فاكس، وهو أمر نادر في ذلك الوقت. كانت «الشرق الأوسط» أول صحيفة تستعمل هذه التقنية في المغرب. وعندما وصل الجهاز، وكان حجمه كبيرا، ذهبنا أربعة صحفيين لاستلامه من الدار البيضاء، وفرحنا به كثيرا.
كان التوفر على فاكس في تلك الفترة حدثا يشد الأنظار؟
- نعم، كان الأمر بالفعل كذلك. وعندما ذهبنا إلى الدار البيضاء، أمضينا وقتا طويلا ليشرحوا لنا طريقة استعماله. حملناه إلى مكتب الصحيفة في شارع «أبو فارس المريني» بالرباط. أتذكر أننا اتصلنا بمقر الصحيفة في لندن وأخطرناهم بأن يتوقعوا رسالة بالفاكس من الرباط، وركبنا رقم الفاكس في لندن، ومثل الصبية الصغار الذين يتابعون لعبة مسلية، تحلقنا حول الجهاز في المكتب ونحن نتابع الأوراق تتحرك ببطء شديد، ثم اتصلنا بلندن لنتأكد من وصول الأوراق التي كتبناها بقلم أزرق، وتلك كانت توصية الشركة المصنعة، وفرحنا كثيراً ونحن نتلقى ما يفيد بأن الفاكس وصل.
كانت «الشرق الأوسط» أيضا أول صحيفة في العالم ترسل أول صورة رقمية من مكتبها في الرباط إلى لندن..
- نعم، حدث ذلك عام 1988، وهي بحق تجربة غير مسبوقة. كانت أول مرة تجرب فيها هذه التقنية، واختارت الصحيفة مكتب المغرب لأنه كان أكثر مكاتبها مواكبة للتقنيات الحديثة، وكانت بالفعل أول صورة رقمية ترسل من قارة إلى قارة، أي من القارة الإفريقية إلى القارة الأوربية. قمنا بذلك في الوقت الذي كانت الوكالات الأجنبية تستعمل تقنية «البيلنو»، وكانت آخر ابتكارات إرسال الصور، ولم تكن الصور الرقمية معروفة. حتى الصحف اليابانية، في البلد الذي اخترعت فيه هذه التقنية، لم تكن تستعملها. أتذكر أن أول صورة رقمية التقطها الأخ عبد اللطيف الصيباري، وهي صورة لي شخصيا وأنا أرفع علامة النصر. الآن أصبحت الكاميرات الرقمية في متناول الجميع وأسعارها هبطت لتصل إلى ألف درهم وربما أقل، بعد أن كانت بالملايين في ذلك الوقت.
كانت تلك أول كاميرا رقمية أرادت الشركة اليابانية المصنعة أن تجربها، واختارت «الشرق الأوسط» لتجربتها. ويبدو أنهم أرادوا اختبار جودة الصورة، لذلك اختاروا نقطة إرسال من القارة الإفريقية، حيث خطوط الهاتف ليست بالجودة المطلوبة، وأن تكون نقطة الاستلام في لندن حيث الخطوط أفضل. واعتبرت تلك الصورة أهم صورة في تاريخ المؤسسة.
هل كانت لك لقاءات أخرى مع ولي العهد؟
- طبعا التقيته في مناسبات مختلفة، كنت أسلم عليه، ولا أستطيع أن أجزم إن كان يعرفني أو لا يعرفني، لكن بالتأكيد عرفني جيدا في الحفل الذي أقيم في الدار البيضاء، بمناسبة صدور كتاب «ذاكرة ملك»، ثم كتبت عنه أول موضوع غلاف في مجلة «الرجل»، التي صدرت عن مجموعة «الشرق الأوسط» في ماي 1992.
وما هو الانطباع الذي تكون لديك وأنت تتحدث إلى ولي العهد؟
- لاحظت أنه ينصت جيدا عندما يتحدث الآخرون، كما أنه يستوعب بدقة ويبدو غير مستعجل. وقبل أن يصبح ملكا جاءتني صدفة أتاحت لي التعرف عن قرب على محيط جلالة الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك). كنت، كما أشرت، زرت الولايات المتحدة عام 1995 لتغطية زيارة الدولة التي قام بها الملك الحسن الثاني لواشنطن، وجاء أيضا عثمان العمير من لندن لمتابعة تلك الزيارة. في ذلك الوقت كان ديبلوماسي مغربي شاب يتردد على الفندق حيث يقيم الصحفيون. كان متحدثا متمكنا عندما يتكلم الإنجليزية، وهو يتقن جيدا العربية. لفت انتباهي ذلك الشاب، وسألت عنه وعلمت أنه يعمل بدرجة وزير مفوض في سفارة المغرب بواشنطن وأنه أحد زملاء ولي العهد في الدراسة. هذا الشاب هو حسن أوريد الذي سيعين فيما بعد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي. تعرفت على أوريد ووجدت أنه كذلك قارئ نهم ومثقف مطلع.
لم تكن تعرفه حتى سافرت إلى أمريكا؟
- إطلاقاً، لم أتعرف عليه حتى سافرت لتغطية زيارة الملك الحسن الثاني إلى أمريكا، وبدا لي أنه غير مرتاح في عمله بالعاصمة الأمريكية.
هل تقصد القول أنه كان له خلاف مع محمد بنعيسى السفير المغربي آنذاك في واشنطن؟
- لا أتوفر على معلومة مؤكدة في هذا السياق.
وكيف عرفت أن أوريد غير مرتاح في عمله؟ هل استنتجت ذلك أم هو الذي أخبرك بذلك؟
- لا. لم يقل لي شيئا، بل استنتجت ذلك. أعجبت جدا بثقافته وسعة اطلاعه. وتحدثت مع عثمان العمير حول هذه الملاحظة، فاقترح علي أن أطرح معه فكرة الكتابة في صفحات الرأي في «الشرق الأوسط». لم يبق حسن أوريد بعد تلك الزيارة طويلا في واشنطن، إذ عاد إلى وزارة الخارجية بالرباط، ورحنا نلتقي باستمرار.
لم يبد أوريد أي اعتراض عندما اقترحت عليه فكرة الكتابة في «الشرق الأوسط»؟
- أبدا، ولماذا يعترض؟ رحب بالأمر، وأصبح كاتبا في صفحة الرأي في «الشرق الأوسط»، وشكل ذلك مدخلاً لتوطيد علاقتنا. وعن طريق أوريد رحت أتعرف على محيط ولي العهد، أي تلك الكوكبة التي رافقته في الدراسة، سواء في المعهد المولوي أو في كلية الحقوق بالرباط. ومن أوائل الذين تعرفت عليهم، وكنت من قبل أعرفه من بعيد، ياسين المنصوري. وربما لا يعرف كثيرون أن المنصوري يجمعه مع حسن أوريد أمران، أولهما ولعهما بالأدب، خاصة الأدب العربي والشعر الجاهلي والتراث، وثانيهما حب اللغة العربية. والمنصوري خجول ومتحفظ جدا، على الرغم من أنه الآن رجل دولة.
وكيف عرفت هذه الجوانب الأدبية المشتركة بين ياسين المنصوري وأوريد؟
- عرفت ذلك خلال لقاء تم في شقة حسن أوريد في الرباط، وكانت لا تبعد كثيرا عن مكتب «الشرق الأوسط» في شارع أبو فارس المريني. كان أوريد يمر علينا في «الشرق الأوسط» بين الفينة والأخرى، خاصة أنه أصبح من كتاب الصحيفة، وذات يوم اقترح علي مرافقته هو والمنصوري لزيارة صديق مشترك لهما في حي الرياض. وأثناء ذلك أبلغ أوريد المنصوري بعلاقتي الوثيقة مع الكاتب محمد شكري، رحمه الله، فاهتم ياسين المنصوري كثيرا بالموضوع وطلب مني ترتيب لقاء لهما مع شكري، وعلمت وقتها أنه قرأ جميع كتبه. كان شكري يزورني كثيرا في الرباط، كما كنت أزوره في طنجة. تحدثت مع محمد شكري وقلت له إن هناك اثنين من زملاء ولي العهد يرغبان في اللقاء به، فرحب شكري بالفكرة وجاء إلى الرباط. دعانا الأخ حسن أوريد إلى مأدبة عشاء حضرها مجموعة من أصدقائه. في تلك المناسبة سأتعرف عن قرب على ياسين المنصوري. ودار في تلك الأمسية نقاش أدبي عميق جدا بين محمد شكري من جهة، وكل من ياسين المنصوري وحسن أوريد من جهة ثانية، ولاحظت أن شكري كان منشرحاً، وهذه كانت عادته عندما تروقه الجلسة، إذ يغمره فرح الكاتب.
في آخر السهرة، وبالتأكيد إذا قرأ حسن أوريد وياسين المنصوري هذا الكلام سيتذكران الواقعة، قال شكري «أنا عادة عندما تعجبني الجلسة أستحضر مخزونا أحبه جدا من الشعر الإسباني، ولذلك سأختم الجلسة بأن أقرأ عليكم بعض الأشعار الإسبانية»، وبالفعل ألقى شكري أشعارا كثيرة، بنبرة جميلة، حيث اندمج تماما في إيقاعات ذلك الشعر، كان يشرح لنا معاني الأبيات. انتهت جلسة السمر الأدبي تلك عند منتصف الليل. وبعد خروجنا عبر شكري عن ارتياحه الشديد لتلك الجلسة قبل أن ينصرف إلى حيث يقيم في فندق «رويال» قرب شارع علال بن عبد الله بالرباط، حيث اعتاد الاقامة عندما يكون في الرباط.
وهل كانت هناك لقاءات أخرى مع محيط ولي العهد؟
- نعم، حدث لقاء آخر مع محيط ولي العهد، عندما اقترح حسن أوريد أن نذهب لدعوة عشاء في الهرهورة أو تمارة لا أذكر، وفعلا ذهبت معه ووجدت هناك معظم أفراد المجموعة، التي لها علاقة بولي العهد، ومن بين الذين التقيتهم فؤاد عالي الهمة، لكن لم أكن أعرفه، ولاحظت أنه كان ينزع إلى الصمت. أتذكر أنهم طلبوا مني أن أتحدث عن السودان، ورحت أتكلم عن المجتمع السوداني ومفارفاته.
كان الجو مرحا جدا. وبعد ذلك اللقاء لم ألتق بفؤاد عالي الهمة إلا حينما كنت رئيس تحرير «الصباح»، وكان وقتها كاتب دولة في الداخلية، حيث اتصل بي هو شخصيا ووجه لي دعوة عشاء في منزل الطيب الفاسي، وكان وزيرا منتدبا لدى وزير الخارجية، وأبلغني الهمة أن عددا محدودا من رؤساء التحرير سيحضرون ذلك العشاء، وكانت تلك المكالمة الهاتفية هي كل ما دار بيننا من حديث حتى يوم الناس هذا.
ومن هم رؤساء التحرير ومديرو الجرائد الذين حضروا هذا العشاء في منزل الطيب الفاسي الفهري؟
- أتذكر منهم محمد البريني مدير «الأحداث المغربية» وعبد الحفيظ الرويسي، المدير العام وقتها لمجموعة «ماروك سوار»، ومصطفى اليزناسني، مدير صحيفتي «الميثاق الوطني» و«المغرب».
وماذا كان موضوع اللقاء؟
- كان اللقاء حول قضية الصحراء ويهدف إلى شرح آخر التطورات، وحضر اللقاء فؤاد عالي الهمة ورشدي الشرايبي. تحدث في اللقاء الطيب الفاسي، في حين التزم فؤاد عالي الهمة الصمت طول الوقت. احترمت صمته ولم أطرح عليه سؤالا وهو ولم يسألني. هذان هما اللقاءان الوحيدان مع فؤاد عالي الهمة حتى اليوم. في اللقاء الأول لم نتحدث، وفي اللقاء الثاني تكرر الشيء نفسه. وأتذكر حين سئلت مرة في حوار صحافي: «هل تعرف فؤاد عالي الهمة»؟ كان جوابي «لقد التقينا مرتين لم نتحدث خلالهما»، وقلت أيضا «الهمة يعرفني من خلال آخرين وأنا أعرفه من خلال آخرين، وهي معرفة غير كافية». كان ذلك جوابي، وإلى الآن أقول الشيء نفسه. كانت هذه معرفتي بمحيط ولي العهد.
هل كان هناك لقاء آخر مع ولي العهد؟
-نعم جرى لقاء آخر، وكان الملك محمد السادس وقتها وليا للعهد. ومناسبة ذلك اللقاء «اليوم الوطني للإعلام»، أي في 18 نوفمبر عام 1998 في عهد حكومة التناوب. كان وزير الاتصال وقتها محمد العربي المساري. نظم الحفل في مسرح محمد الخامس، واقترح أن يكون ستيف هيوز أول من يسلم على ولي العهد على اعتبار أنه أقدم مراسل أجنبي في المغرب، ثم بعد ذلك يأتي دوري. كان الراحل ستيف هيوز يعمل في المغرب مع وكالة «رويترز» منذ عام 1955، وقد قدمه محمد العربي المساري لولي العهد وأبلغه بأنه يعمل في المغرب منذ عام 1955، فابتسم ولي العهد وقال له: «ألم تتعب؟ أنت تعمل في المغرب قبل أن أولد». بعد ذلك جاء دوري، فقال له المساري: «هذا طلحة جبريل»، فقال: «أعرفه».
كان لك لقاء آخر بالملك محمد السادس عندما سافر إلى أمريكا...
- نعم، لكن الأمر لا يتعلق بلقاء، وإنما مجرد مصافحة، أذكر أني صافحته مثلما صافحه الآخرون خلال حفل عشاء في واشنطن، وكانت تلك أول مرة أغطي فيها زيارة لجلالة الملك محمد السادس.
في أية سنة؟
- كان ذلك في يونيو 2000، وكنت يومها رئيساً لتحرير «الصباح».
هل سافرتم كوفد صحافي في الطائرة الملكية أم في رحلة منفصلة؟
- سافرنا في رحلة منفصلة. لم يكن عدد الصحافيين كبيرا، وكان معظم الذين يمثلون الصحافة المكتوبة إما مدراء أو رؤساء للتحرير. خلال زيارات الملك محمد السادس الخارجية التي تمت خلال فترة رئاستي تحرير «الصباح» جرت العادة دعوة المدراء ورؤساء التحرير لتغطية تلك الزيارات، وهو تقليد جيد، لا أعرف إذا كان ما يزال معمولا به. في الدول الغربية أيضا يحدث ذلك. الفرق أن المراسلين المعتمدين لدى «البيت الأبيض» أو «الإليزي» أو «10 دوانغ ستريت» هم الذين يرافقون رئيس الدولة.
وما هي قصة وجود إدريس الخوري في تلك الرحلة الملكية؟
- إدريس الخوري سافر معنا ليس بصفته الصحافية، بل بصفته كاتبا، وهذا تقليد بدأه حسن أوريد عندما كان ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، ولا أدري إذا كان التقليد مستمرا، وهو بصراحة تقليد موجود في الدول الراقية، حيث يصطحب قادة الدول في «زيارات الدولة» كتابا ومبدعين، وهي فرصة لهم من أجل إنعاش مخيلتهم، وربما يلتقطون بعض الأمور التي لا ينتبه إليها الصحافي، الذي عادة ما يكون مشغولا بالخبر وبتفاصيل الأحداث.
وفي السياق نفسه، أتذكر أن محمد شكري، رحمه الله، أبلغني أنه كان من المقرر أن يكون ضمن الوفد الإعلامي في زيارة ملكية إلى إيطاليا، لكن ذلك لم يحدث، ولا أعرف سبب العدول عن تلك الفكرة الرائعة.
خلال زيارة أمريكا مع الملك محمد السادس، كنت أكتب قصصا ملونة، إضافة إلى الأخبار، وفي هذا الإطار كتبت مادة في الصفحة الأولى، كانت عبارة عن قصة ملونة، وهي المواد التي دأبت الصحف الورقية على نشرها في أسفل الصفحة الأولى، وكانت عن وجود إدريس الخوري ضمن الوفد الإعلامي. وكان عنوانها «إدريس الخوري داخل البيت الأبيض .. الخبر صحيح».
والمفارقة أن تلك المادة غطت على جميع المواد الأخرى التي كتبتها، ولمست ذلك عندما عدت إلى المغرب بعد انتهاء تلك الرحلة.
هل غطيت رحلة ملكية أخرى؟
- نعم، سافرت أيضا ضمن الوفد الإعلامي الذي غطى أول زيارة قام بها جلالة الملك إلى ليبيا، وكانت في يناير 2001. كنا في الواقع خمسة صحافيين، هم محمد البريني مدير «الأحداث المغربية»، وفؤاد نجار، وأعتقد أنه كان وقتها مديرا لتحرير «لافي إيكونوميك»، وأحمد زاكي، مدير يوميتي «بيان اليوم» و«البيان» آنذاك، وكان معنا أيضا أحمد رضا بن شمسي، وكان يعمل وقتها مراسلا لمجلة «جون أفريك»، بيد أنه كان يحظى باهتمام خاص من طرف الرسميين.
ماذا تقصد بالرسميين؟
- أقصد أعضاء الوفد الرسمي الذي كان يرافق الملك.
وهل التقيتم الملك في هذه الزيارة إلى ليبيا؟
- لم يتجاوز الأمر التحية من بعيد، حيث لم تكن هناك فرصة لمصافحة الملك. كان من المقرر بعد انتهاء زيارة ليبيا أن ننتقل عبر باريس إلى العاصمة الكاميرونية ياوندي حيث سيحضر الملك القمة الفرنسية الإفريقية، بيد أن الملك تدخل شخصيا وطلب أن تستأجر لنا طائرة صغيرة لنقلنا مباشرة من طرابلس إلى ياوندي. وبالفعل سافرنا في طائرة مريحة جدا، تابعة لشركة «سي إيف لوران» صاحب شركة العطور المعروفة. وإلى جانب الصحافيين الخمسة كان هناك أيضا شكيب العروسي الملحق الإعلامي في الديوان الملكي.
لدى عودتك إلى المغرب، كتبت بعض الانطباعات «غير المفهومة» عن هذه الجولة مع الملك...
- نعم كتبت بعض الانطباعات، ومن بين ما قلت، في معرض الإشادة بتعامل الملك مع الصحافيين، أننا لم نمدح الملك ورغم ذلك أمر لنا بطائرة خاصة، فماذا كان سيمنحنا لو كنا مدحناه. كنت أقصد المفارقة، ولا شيء عدا ذلك، إذ هناك حدود أعرفها جيدا عندما يتعلق الأمر بالملوك، لكن على الرغم من ذلك، راح بعض الناس، الذين يبحثون عن تعكير الأجواء، يقرؤون ما كتبت قراءة خاطئة، وروجوا لتفسيرات مغلوطة. وعلى أية حال، هذا حال الصحافيين مع أولئك الذين يعتقدون أن جميع أفراد قبيلة الصحافيين ممن يركضون خلف الفوائد والمكاسب الآنية، ويتعذر عليهم أن يفهموا أو يستوعبوا أن النزاهة يفترض أن تكون هي القاعدة، وما عداها هو الاستثناء.
من خلال اللقاءات التي تعددت مع الملك محمد السادس ومحيطه، ما هو الاستنتاج الذي تكون لديك حول شخصيته؟
- سياسيا، اختياراته واضحة، فهو يهتم بالداخل وبتنمية جميع جهات المغرب، ويولي اهتماما أكبر بالجهات التي عرفت تهميشا من قبل. لذلك نلاحظ، كما كانت تقول العرب في الماضي، «عرشه فوق راحلته»، أي أنه يميل إلى التجول في جميع المناطق. وحتى نكون موضوعيين، فإن الاهتمام بالداخل ربما لا يتيح للمراسلين الأجانب مادة إخبارية، كما هو الشأن في عهد الحسن الثاني، الذي كان يرغب في أن يلعب دورا إقليميا ودوليا.
كما لاحظت أيضا أن هناك نزعة إنسانية طاغية في أسلوب الملك محمد السادس، في بعض مبادراته يبدو عطوفا، ونحن نلاحظ كيف يعطف على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. أعتقد أن لديه حسا إنسانيا كبيرا جدا. ربما يتمنى في قرارة نفسه أن يختفي الفقر من المغرب إلى الأبد. لذلك، فإن معظم المشاريع التي يعطيها الاهتمام لها علاقة بمحاربة الفقر. لكن بكل صراحة لا يمكن أن تكون الصورة مكتملة إذا لم يكن هناك لقاء مباشر وحوار صحافي، وهي فرصة للأسف لم تأت بعد.
هل سبق لك أن تقدمت بطلب حوار مع الملك محمد السادس وأنت على رأس تحرير صحيفة مغربية؟
- نعم طلبت ذلك عندما كنت رئيس تحرير جريدة «الصباح». لم أكتب طلبا مكتوبا، لكن عبرت عن رغبة ملحة في محاروة جلالة الملك محمد السادس لبعض القريبين.
وأنت الآن في «الشرق الأوسط»، هل تقدمت بطلب حوار؟
- سبق للملك محمد السادس أن أدلى بحوار للأخ عبد الرحمن الراشد عندما كان رئيسا تحرير «الشرق الأوسط» وجرى ذلك في يوليو 2001، ومن المؤكد أننا سنكون سعداء جدا إذا قرر إجراء حوار آخر مع الصحيفة.
على المستوى الشخصي، أتمنى أن أجلس إلى جلالة الملك وأجري معه حوارا. ربما هي، أيضا، رغبة كثيرين، وأظن أن هذه هي الطريقة المثلى للتعرف على الملك عن كثب.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.