تشهد ليبيا حمام دم مفتوحاً أغرق عاصمتها طرابلس ومدنها في الاتجاهات كافة، عشية دخول الاحتجاجات فيها أسبوعها الثاني، فيما العالم يتفرج. وسادت أجواء من الحزن في ليبيا وبلدان عربية وإسلامية أخرى إثر توارد أنباء عن سقوط مئات القتلى في ''مذبحة طرابلس'' التي ارتكبتها عصابات الديكتاتور معمر القذافي في حق آلاف المتظاهرين المطالبين برحيله، تزامنا مع استقالات واحتجاجات في السلك الدبلوماسي الليبي ونزوح جماعي لعمال ومقيمين غربيين. فيما أفتى علماء ليبيون وغيرهم بالخروج على نظام القذافي واعتبروه ''واجبا مقدسا''. وتضاربت الأنباء عن الحصيلة الحقيقية للضحايا، لكن وقع إجماع على أنها تقدر بالمئات، وسط تعتيم إعلامي كلي تمارسه السلطات الليبية منذ بدء الانتفاضة الشعبية الخميس الماضي. وقالت مصادر متطابقة إن الطيران الليبي قصف مناطق من العاصمة طرابلس في محاولة وصفت باليائسة لمواجهة الاحتجاجات المتواصلة في البلاد، في مشهد يتماهى مع ما يرتكبه الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين بغزة وباقي مناطق فلسطين المحتلة. ووفق شهود عيان في طرابلس، فإن طائرات حربية قصفت عدة مناطق من العاصمة، وأشاروا إلى أن عناصر ذات ملامح أجنبية تواصل إطلاق النار على المدنيين في المدينة. وقال سكان من العاصمة الليبية طرابلس عبر الهاتف، أول أمس، إن ''مجزرة'' وقعت في حيي فشلوم وتاجوراء في المدينة، حيث تم إطلاق النار عشوائيا على السكان، واستهداف كل ما يتحرك في شوارع العاصمة. وقال أحد سكان حي تاجوراء لوكالة الصحافة الفرنسية إن ''ما حدث في تاجوراء هو مجرزة''. وأكد أن ''مسلحين يطلقون النار عشوائيا. وهناك نساء بين القتلى'' وإن جثت القتلى منتشرة في الشوارع إضافة إلى الجرحى، مضيفا أن مكبرات الصوت في المساجد تطلق نداءات استغاثة. وتحدث أجانب وصلوا إلى إيطاليا قادمين من ليبيا، أول أمس، عن إطلاق نار طوال الليل وانتشار رجال أمن غامضين في شوارع طرابلس ووجود مئات الأشخاص في المطار يحاولون الفرار من اتساع رقعة العنف. وقال شاهد عيان ل''الجزيرة'' إن طرابلس محاصرة حاليا، وهناك من يوصفون بأنهم مرتزقة أفارقة يجوبون الشوارع في سيارات مصفحة ويطلقون النار عشوائيا على المدنيين وحتى على طواقم الإسعاف. في السياق ذاته، ذكر المدير التنفيذي للتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الدكتور لؤي ديب أن عدد القتلى في ليبيا حتى أول أمس بلغ أكثر من 519 إضافة إلى أكثر من ثلاثة آلاف جريح ومئات المفقودين. لكن منظمات حقوقية أخرى موجودة في الميدان ذكرت أن حصيلة القتلى والشهداء تجاوزت العدد المعلن وقالت إن حوالي 6 آلاف جريح و958 شهيدًا هي الحصيلة المثبتة لديها حتى الآن في ليبيا. وقال الطبيب والناشط عادل محمد صالح من طرابلس ل''الجزيرة'' إن القذافي يمارس ''سياسة الأرض المحروقة'' وينفذ ما هدد به نجله سيف الإسلام القذافي في خطابه الأحد الذي قال فيه إنه سيقاتل حتى آخر رجل، وخيّر فيه الليبيين بين القبول بالنظام أو مواجهة الحرب. وقالت عدة جهات حقوقية إن ''ما أقدم عليه النظام الليبي من قصف وتقتيل ضد الشعب يعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية''. وفي شرق البلاد ذكرت ''الجزيرة نت'' أن الثوار يديرون إذاعات كل من بنغازي والبيضاء ودرنة وإجدابيا، التي خرجت من قبضة نظام القذافي، ويبثون منها بيانات مؤيدة للثورة وأغاني وطنية وتوجيه الشباب لحماية المؤسسات العامة والحفاظ على النظام العام. وفي مظهر آخر للحياة الجديدة في بنغازي التي اندلعت فيها شرارة الاحتجاجات، ترفع مساجد المدينة التكبير والدعاء والابتهال إلى الله لإزالة الطاغوت ونصرة إخوانهم في طرابلس. ويأتي ذلك بعد تواتر أنباء عن صدور بيان لضباط في الجيش الليبي دعوا فيه أفراده للانضمام إلى الشعب والزحف على طرابلس لإزاحة معمر القذافي. وفي هذا السياق ذكرت مصادر أن قوات الردع والفوج التاسع للحرس انضمت إلى المتظاهرين في ترهونة. ومن جهة أخرى، أشار شهود عيان إلى أن الجنود الليبيين اختفوا من كافة شوارع طرابلس وانضموا إلى المتظاهرين، كما قال الضابط في الأمن العام الليبي المقدم أحمد عثمان للجزيرة إن معظم ضباط الشرطة والقوات المسلحة انضموا إلى الجماهير في العاصمة. ****************** انشقاقات وتصدعات داخل النظام كشفت الساعات الأخيرة عن أن النظام الليبي يتعرض لتصدعات خطيرة تمثلت في استقالة وزيرين وهروب مسؤول كبير، وأنباء عن حصول عمليات تمرد في الجيش والشرطة، إضافة إلى مسلسل استقالات متواصل في السلك الدبلوماسي الليبي بالخارج. فقد أعلن وزير العدل الليبي مصطفى عبد الجليل، أول أمس، استقالته من منصبه، احتجاجا على استعمال العنف المفرط ضد الثائرين على نظام العقيد معمر القذافي. كما استقال وزير الدولة الليبي لشؤون الهجرة والمغتربين علي الريشي. وطالب في مقابلة مع ''الجزيرة'' من بوسطن بالولاياتالمتحدة القذافي بالاستقالة. كما أفادت وكالة ''يونايتد برس إنترناشيونال'' بأن أحمد قذاف الدم، ابن عم القذاقي، هرب من العاصمة الليبية طرابلس ظهر، أول أمس، ووصل القاهرة على متن طائرة خاصة. ورفض الإدلاء بأي تصريح. وفي انشقاقات جديدة في صفوف الجيش، قالت مصادر ل''الجزيرة'' إن طائرتين حربيتين ليبيتين هبطتا في بنغازي بعد رفض قائديها قصف المدينة. وأكّد شهود عيان أنّ مقاتلتين ليبيتين وطائرتي هليكوبتر مدنيتين هبطت على نحو غير متوقع في مالطا، أول أمس. وقد أكدت ''رويترز'' الخبر. وشاهد مراسلو صحف مالطية محلية الطائرتين، وهما من طراز ميراج، تهبطان في مطار مالطا الدولي بعد ظهر الاثنين، مؤكدين أن طيارين ليبين قد قالا إنهما رفضا قصف المتظاهرين الليبيين عبر طائراتهم الحربية، وقاما باللجوء إلى مالطا. وذكرت مصادر في المطار أن طائرتي هليكوبتر تقلان سبعة أشخاص زعموا أنهم مواطنون فرنسيون هبطتا في المطار أيضًا. وأوضحت أن السلطات المالطية تعمل على تحري هوياتهم. كما أشار مكتب رئيس الوزراء لورانس جونزي إلى أنّه لم يتضح ما إذا كان طيارا الطائرتين الحربيتين يعتزمان طلب اللجوء السياسي. وأضاف أنهما طلبا في بادئ الأمر التزود بالوقود. كما أعلنت أغلب القبائل الليبية انشقاقها على النظام بعد عمليات القتل الجماعي التي يمارسها ضد شعبه. وقالت مصادر إن عاملين في منشآت نفطية ليبية أوقفوا إنتاج النفط احتجاجا على ''المجازر'' التي يتعرض لها أبناء الشعب الليبي من قبل قوات الأمن الليبية ومرتزقة أفارقة. استقالة دبلوماسيين ليبيين احتجاجا على المجازر شهدت مناصب رفيعة ودبلوماسية استقالات على خلفية قمع الاحتجاجات، إذ حث دبلوماسيون ليبيون في الأممالمتحدة، أول أمس، الجيش الليبي على الإطاحة بمعمر القذافي الذين وصفوه بأنه ''طاغية'' واتهموه بارتكاب ''إبادة'' بحق شعبه. واتهم أعضاء في البعثة الدبلوماسية الليبية، وعلى رأسهم مساعد السفير إبراهيم الدباشي العقيد القذافي أيضا بأنه استقدم مرتزقة من دول أفريقية أخرى لقمع المتظاهرين. وطالبوا بإغلاق المجال الجوي الليبي. وقالوا في بيان باللغة العربية إن ''الطاغية معمر القذافي أظهر بوضوح عبر أولاده مستوى الجهل الذي هو فيه وأولاده وإلى أي مدى هم يحتقرون ليبيا''. ودعا البيان الجنود الليبيين ''أين ما كانوا ومهما كانت رتبتهم'' أن يقوموا ب'' قطع رأس الأفعى''. ودعا الدبلوماسيون الليبيون في الأممالمتحدة دول العالم بأسره بعدم السماح للقذافي باللجوء إليها. وتلا الدباشي البيان عند مدخل بعثة بلاده في الأممالمتحدة بنيويورك وبقربه صورة لمعمر القذافي. وقال الدباشي: ''نقول بوضوح إن البعثة الليبية (في الاممالمتحدة) هي بعثة تنتمي إلى الشعب الليبي. هي لا تنتمي إلى النظام. نظام القذافي بدأ حملة إبادة ضد الشعب الليبي''، مطالبا بمحاكمة القذافي أمام محكمة الجزاء الدولية. وكان إبراهيم الدباشي محاطا بستة دبلوماسيين ليبيين، ولكن بدون السفير عبد الرحمن شلقم. ومن جانب آخر، قال الدباشي لمحطتي ''بي بي سي'' و''سي إن إن'': ''أعتقد أننا نشهد نهاية العقيد القذافي، ما هي إلا مسألة أيام. إما أن يستقيل وإما أن يتخلص الشعب الليبي منه''. ومن جهته، قال دبلوماسي آخر في الأممالمتحدة هو آدم طرباح لصحيفة ''لوس انجليس تايمز'' إن الدبلوماسيين قرروا الابتعاد عن حكومة معمر القذافي ''بسبب القمع الذي يمارسه ضد الشعب الليبي''. وأضاف ''نعلم أن هذا أمر سيعرض عائلاتنا في خطر، ولكنهم على كل حال في خطر''. وأشار طرباح إلى الخطاب الذي أدلى به مساء الأحد سيف الاسلام القذافي، نجل معمر القذافي، الذي وعد ب''القتال حتى اخر طلقة'' لإنهاء المظاهرات. وقال ''هو يحرض على الحرب الأهلية''، مضيفا ''هذا مخجل''. كما استقال مندوب ليبيا بجامعة الدول العربية عبد المنعم الهوني الذي ذكر في مقابلة مع ''الجزيرة'' أن الجيش الليبي امتنع عن استخدام القوة ضد المتظاهرين. وأعلن السكرتير الأول لدى الاتحاد الأوروبي وبلجيكا محمد أحمد فرحات استقالته، كما انشق موظفو السفارة الليبية في جزيرة مالطا وانضموا إلى محتجين أمام السفارة. وأعلن السكرتير الثاني في السفارة الليبية بالعاصمة الصينية بكين حسين الصادق المصراطي وثلاثة من موظفي السفارة الليبية في السويد استقالتهم. أما في أستراليا، فقد أعلنت السفارة الليبية قطع ارتباطها بالقذافي. وفي كوالالمبور، أبدت السفارة الليبية في ماليزيا، أمس، تضامنها مع الشعب ونددت بالديكتاتور المجرم معمر القذافي. وأصدرت السفارة بيانا في الوقت الذي قال فيه السفير الليبي لدى الهند إنه استقال ودعا مجلس الأمن لحماية شعبه. وقالت السفارة في ماليزيا، في بيان بعد أن احتلها لفترة قصيرة نحو 200 محتج ''ندين بشدة المذبحة الإجرامية الوحشية والإبادة التامة لمدنيينا الأبرياء''. وأبلغ أسامة أحمد المستشار بالسفارة ''رويترز'' أن السفير سيبقى في مكانه لمساعدة نحو خمسة آلاف ليبي يقيمون في ماليزيا. من جهته، قال سفير ليبيا لدى الهند الذي استقال بعد حملة الإبادة التي شنها القذافي على المحتجين ل''رويترز''، أمس الثلاثاء، إن مقاتلات استخدمت في قصف المدنيين في العاصمة طرابلس، وإن السلطات الليبية تستخدم مرتزقة أفارقة مما دفع بعض قوات الجيش إلى تغيير ولائها لتنضم للمعارضة. وقال علي العيساوي ل''رويترز'' في العاصمة الهندية نيودلهي ''إني أدعو الأعضاء الخمسة الدائمين لمجلس الأمن ''التابع للأمم المتحدة''... لنكون منصفين وصادقين فإن الوقت حان الآن لحماية الشعب الليبي''. وقال العيساوي إنه يتوقع استقالة مزيد من الدبلوماسيين إذا استمرت الحملة على الاحتجاجات المناهضة للحكومة الليبية. وأضاف: ''سقوط ''الزعيم الليبي معمر'' القذافي هو طلب الناس في الشوارع''. مجلس الأمن والعرب يبحثون ليبيا تنديد دولي بمجازر نظام ''القذافي'' يتواصل التنديد الدولي بلجوء النظام الليبي إلى العنف في وجه المتظاهرين المطالبين بالتغيير وبتنحي الديكتاتور معمر القذافي. وجاءت ردود الفعل الدولية تلك متأخرة، مما أثار استهجان الليبيين داخل البلاد وشخصيات ليبية دبلوماسية في الخارج. فقد أعربت الصين، أمس، عن قلقها إزاء ما يجري في ليبيا وحثت طرابلس على التحقيق في حوادث ضد الشركات الصينية ومواطنين في البلاد، وقالت إنها تأمل في عودة ''الاستقرار الاجتماعي'' إلى ليبيا وعودة الحياة إلى طبيعتها. من جهته، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن، أول أمس، إنه ''صدم بسبب الاستخدام العشوائي للقوة ضد المتظاهرين السلميين في ليبيا''. ودعا راسموسن في بيان النظام الليبي إلى ''وقف القمع بحق المدنيين العزل''، مشددا على ضرورة الاستجابة ''للتطلعات المشروعة'' لشعبه. واختتم بيانه بالقول ''على المدى البعيد لا يمكن لمجتمع أن يتجاهل إرادة الشعب لأن الرغبة في الحرية تكمن في داخل كل إنسان''. بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إنه يتعين على الزعيم الليبي وقف العنف فورا ضد المتظاهرين في بلاده، ودعا إلى حوار شامل، حسب ما أفاد به المتحدث باسمه مارتن نيسركي. وقال المتحدث إن ''بان'' أجرى محادثات ''مطولة'' مع القذافي على الهاتف، مضيفا أن الأمين العام أعرب عن قلقه البالغ من تصاعد العنف، وأكد ضرورة وقفه فورا. وأشار إلى أن الأمين العام أكد دعوته إلى احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، بما فيها حق التجمع السلمي والحق في الحصول على المعلومات. تنديد أمريكي وفي وقت سابق نددت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ب''حملة القمع العنيفة ضد المحتجين في ليبيا''، ودعت إلى إنهائها على الفور. وقالت كلينتون في بيان إن ''العالم يتابع الوضع في ليبيا بانزعاج ونحن ننضم إلى المجتمع الدولي في التنديد بقوة بأعمال العنف في ليبيا''. وأضافت ''حان الوقت لوقف إراقة الدماء''، مشيرة إلى أن واشنطن تعمل بشكل عاجل مع ''الأصدقاء والشركاء'' حول العالم لتبعث بهذه الرسالة للحكومة الليبية. وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرا دعت فيه مواطنيها إلى تجنب السفر تماما إلى ليبيا، وطالبت أيضا برحيل الموظفين غير الأساسيين العاملين في السفارة الأمريكية في طرابلس. وفي إيطاليا، ندد رئيس الوزراء سلفيو برلسكوني بالعنف الذي تمارسه القوات الليبية ضد المدنيين ووصفه بأنه ''غير مقبول''، وقال إنه يشعر بالانزعاج بشأن الوضع هناك. ودعا برلسكوني أيضا الاتحاد الأوروبي وأجهزة المخابرات في شتى أنحاء العالم إلى القيام بكل ما هو ممكن لمنع تحول الوضع في ليبيا إلى حرب أهلية. ويأتي بيان برلسكوني الذي تربطه علاقات وثيقة مع القذافي بعد أن تعرض لانتقادات واسعة النطاق بسبب قوله في وقت سابق عن ليبيا إنه لا يريد ''إزعاج القذافي''. كما ندد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالاستخدام ''غير المقبول'' للقوة في ليبيا، ودعا إلى إيجاد حل سياسي للاضطرابات. في هذه الأثناء أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن عن صدمته للاستخدام العشوائي للعنف ضد المحتجين المسالمين في ليبيا وإدانته لسقوط ضحايا، داعيا السلطات الليبية إلى وقف قمع المدنيين العزل. وقال راسموسن إن الشعب الليبي مثل الشعوب الأخرى في الشرق الأوسط أعرب عن رغبته في التغيير الديمقراطي ويجب الاستجابة لتطلعاته. إدانات أوروبية أوروبيا، أدان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ''الاستخدام غير المقبول للقوة'' ضد المتظاهرين في ليبيا، وطالب ب''الوقف الفوري'' لأعمال العنف، ودعا إلى ''حل سياسي يلبي توق الشعب الليبي إلى الديمقراطية والحرية''. كما دعت وزيرة خارجية فرنسا ميشال أليو ماري النظام الليبي إلى وقف العنف. وندد رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، أول أمس، بالعنف الذي تمارسه القوات الليبية بحق المدنيين، ووصفه بأنه ''غير مقبول'' في انتقادات لحليف وثيق، بعد أن تعرض لانتقادات لالتزامه الصمت خلال الأزمة في ليبيا. ووضعت الحملة الدموية التي تشنها ليبيا على المحتجين برلسكوني في وضع محرج أجبره على الاختيار ما بين مهاجمة حليف مهم أو التزام الصمت في مواجهة اتهامات بأن إيطاليا تغض الطرف عن الأعمال الوحشية هناك. وقالت الحكومة الإيطالية في بيان ''يشعر رئيس الوزراء برلسكوني بالقلق بسبب تصاعد الاشتباكات في ليبيا وللاستخدام غير المقبول للعنف ضد السكان المدنيين''. وأضافت ''يجب على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي أن يفعل كل شيء لمنع تحول الوضع في ليبيا إلى حرب أهلية لا يمكن التنبؤ بعواقبها، وتأييد حل سلمي يحمي المواطنين وسلامة واستقرار البلاد والمنطقة كلها''. وفي بروكسل أدان الاتحاد الأوروبي قمع الحكومة الليبية للمتظاهرين، ودعا جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس. وبعد يومين من المحادثات بشأن الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي، أصدر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بيانا قالوا فيه إن الاتحاد ''يدين القمع المتواصل ضد المتظاهرين في ليبيا، ويستنكر العنف وقتل مدنيين''. وجاء في الإعلان أن الاتحاد الذي يضم 27 بلدا ''يدعو إلى الوقف الفوري لاستخدام القوة ضد المتظاهرين، كما يدعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس''. ودعا الوزراء ليبيا إلى احترام حرية التعبير والحق في التجمع السلمي. ومن جهته دعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ السلطات الليبية إلى ضمان توفير حماية مناسبة للرعايا الأجانب ومساعدة الذين يحاولون مغادرة البلاد. أما وزير الدولة الألماني للشؤون الأوروبية فيرنر هوير فعبر عن انزعاجه من تهديد ليبيا بعدم التعاون مع أوروبا في وقف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي إذا لم تتوقف أوروبا عن الدفاع عن المحتجين المناهضين للحكومة. وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن ''لقد أرسل القناصة لإطلاق النار على الناس الذين يحضرون أي جنازة، أو يعبرون عن رأيهم الحر بأنهم يريدون دورا أكبر في إدارة شؤون بلادهم، ونحن لا يمكن أن نضطر إلى التعاون مع نظام يطلق النار على شعبه''. روسيا وتركيا وفي موسكو دعت وزارة الخارجية الروسية كافة الأطراف في ليبيا إلى إيجاد حل سلمي عبر الحوار الوطني لوضع حد لأعمال العنف الدامية التي تجتاح البلاد منذ أسبوع. وقالت الوزارة في بيان ''ندعو كافة الأطراف في ليبيا إلى إيجاد حل سلمي للمشاكل القائمة عن طريق حوار وطني والبدء بإصلاحات تفرض نفسها''. وخلافا لدول أخرى مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا لم تتقدم روسيا بأي احتجاج ضد عملية القمع العنيفة للمظاهرات في ليبيا. وفي المقابل أدانت كندا وبلهجة حازمة استخدام ''القوة الدامية'' ضد المتظاهرين الأبرياء في ليبيا. وفي أنقرة عبّر الرئيس التركي عبد الله غل عن القلق بشأن الانتفاضة الحاصلة في ليبيا والتي تحولت إلى دموية، داعياً كل الحكام إلى تلبية مطالب شعوبهم. ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية عن غل قوله للصحفيين في إسطنبول إننا نراقب عن كثب وبقلق ما يحصل في ليبيا. ومن المحزن سماع تقارير عن وقوع قتلى، مضيفا ''بالتأكيد على كل الحكام الاستماع لمطالب شعوبهم''. وتشهد ليبيا منذ الأسبوع الماضي مظاهرات تطالب بإسقاط نظام القذافي الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 40 عاما، تخللتها مواجهات عنيفة مع قوات الأمن أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى. مجلس الأمن ومن المتوقع أن يكون مجلس الأمن الدولي قد عقد أمس اجتماعا مغلقا لمناقشة الأزمة في ليبيا بناء على طلب قدمه إبراهيم الدباشي نائب السفير الليبي في بعثة الأممالمتحدة. ويأتي الاجتماع في وقت أعلن فيه الدباشي ودبلوماسيون آخرون في البعثة الليبية بالأممالمتحدة تأييدهم للمحتجين في ليبيا وطالبوا بخلع الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال متحدث باسم بعثة ليبيا بالأممالمتحدة ضياء الحطماني: ''نحن لا نرى أي رد فعل من المجتمع الدولي''. وشدد على أنه يتحدث باسم جميع أفراد بعثة ليبيا وصولا إلى نائب المندوب الدائم إبراهيم الدباشي، ورفض التعليق على موقف الممثل الدائم عبد الرحمن شلغم. تنديد عربي وفي أول رد فعل عربي على ما يجري في ليبيا، قال مصدر مسؤول في الخارجية القطرية إن قطر تتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية في ليبيا، خصوصا ما تردد من أنباء عن استخدام السلطات الليبية للطيران والأسلحة النارية في مواجهة المدنيين. وأكد المصدر أن قطر في الوقت الذي تعبر فيه عن الحزن والأسى لسقوط ضحايا، فإنها تعبر عن إدانتها واستيائها لاستخدام القوة، وتطالب السلطات الليبية بالتوقف عن ذلك والعمل على حقن الدماء. كما أعرب المصدر عن استنكار قطر لصمت المجتمع الدولي على ما يجري في ليبيا من أحداث دامية. بدوره، أعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن بالغ القلق إزاء الأحداث الجارية في ليبيا، مطالبا بحقن الدماء ووقف كافة أعمال العنف. وشدد موسى على أن مطالب الشعوب العربية في الإصلاح والتطوير والتغيير ''أمر مشروع وطرح متكامل تتشارك فيه مشاعر الأمة كلها خاصة في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ العرب''. وقال إنه ''لا مجال ولا داعي لإثارة الفتنة بين الدول الشقيقة''، وأشار إلى أن ''أبناء الوطن العربي لسانهم واحد، وإنه أمر منطقي أن يستلهموا تجارب بعضهم بعضا''. وفي رد فعل عربي آخر أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن قلقه البالغ إزاء الأحداث الجارية في الجماهيرية الليبية، وطالب بحقن الدماء ووقف كافة أعمال العنف، متوجها بالعزاء للشعب الليبي في ''الشهداء الأبرار''. كما كان مقررا أن يعقد مجلس الجامعة العربية اجتماعا أمس أيضا على مستوى المندوبين الدائمين لبحث التطورات في ليبيا. علماء مسلمون يدينون مذابح النظام الليبي أفتى علماء ليبيون بأن خروج كل المسلمين في ليبيا على قيادتهم ''فرض عين''، في حين استنكر عدد كبير من العلماء من مختلف الدول العربية ما يجري في ليبيا من ''مجازر وحشية'' ضد المدنيين المسالمين، وطالبوا بنصرة الثورة الليبية. ووفق بيان لائتلاف من العلماء الليبيين أوردته وكالة ''رويترز'' للأنباء، فإن السلطات الليبية تواصل جرائمها الدموية ضد الإنسانية منفلتة من كل التزام، وهو ما يخرجها ''تماما عن سبيل الله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم''. وأضاف البيان أن ذلك ''يجعل هذه السلطات غير جديرة بالطاعة أو المساندة، ويجعل من الخروج عليها بكل وسيلة ممكنة فرض عين''. وفي وقت سابق، قال العلامة الليبي الشهير الدكتور صادق الغرياني إن ما يحدث الآن في ليبيا ''شيء لا يحتمل ولا يمكن السكوت عليه''، حيث يضرب النظام الليبي المتظاهرين بأسلحة مضادة للطائرات. واتهم الغرياني النظام باستخدام مرتزقة لقمع المحتجين، ودعا قادة الجيش وزعماء القبائل الليبية للوقوف في وجه النظام ونصرة المتظاهرين. من ناحيته، دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي ''أبناء عمر المختار وقبائل ليبيا وقادة الجيش أن ينضموا للثائرين مثلما فعل قادة الجيشين التونسي والمصري، وذلك حتى يعيدوا ليبيا إلى حقيقتها العربية والإسلامية''. وأضاف في اتصال مع ''الجزيرة'' من القاهرة ''أوصي أبناء الشعب الليبي بالصبر والثبات مثل ما أوصيت به أبناء مصر، وأدعو العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات وكل الفئات للخروج على القذافي ورفضه حاكما لليبيا، وأقول لإخوتي الليبيين اثبتوا على مواقفكم واستمروا في مسيرتكم والله ناصركم لأنه عز وجل ينصر الحق ويمحق الباطل وإن شهداءكم في الفردوس الأعلى عند الله''. وبحسب القرضاوي، فإن ''الطاغية معمر القذافي انتهى ولم يعد له بقاء''. من جانبه، ناشد شيخ الأزهر أحمد الطيب ''قادة الأمة حكاما وعلماء وعقلاء إيقاف هذه المذابح البشرية فورا، وحقن دماء الشعب الأعزل، والاستجابة لمطالبه المشروعة وحقه في الحرية والعدالة والعيش الكريم''. وأضاف موجها كلامه للحكام في معرض تعليقه على الأحداث في ليبيا ''لا تقتلوهم من أجل المطالبة بحقوقهم، فمن قتل دون حقه فهو شهيد، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم''. من جهته، استنكر العلامة الموريتاني وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الحسن الددو ما يجري من جرائم ''منكرة لا يجوز السكوت عليها في ليبيا''. وقال إن على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إنكار ذلك و''التحرك لحماية المسلمين العزل في ليبيا''. وأضاف الشيخ الددو الذي يعتبر أحد أبرز علماء موريتانيا في حديث مع قناة ''الجزيرة'' إن ''المجازر والإبادة التي يتعرض لها الشعب الليبي من طرف العقيد القذافي تؤكد زيف دعوى القذافي بأن الشعب الليبي هو من يحكم نفسه بنفسه''. كما أدان الداعية الإسلامي السعودي الشيخ سلمان العودة ما أسماها ''المجازر الشنيعة المفجعة'' التي أقدمت عليها جهات أمنية وأخرى متصلة بها ومدعومة منها ضد المتظاهرين المدنيين في ليبيا. وفي انتقاد للزعيم الليبي معمر القذافي وصف في بيان له الحاكم الذي يستمرئ قتل شعبه بأنه ''غير جدير بحكمه''، وقال العودة: ''لقد شاهد الناس وسمعوا أخبار المجازر الشنيعة المفجعة التي أقدمت عليها جهات أمنية وأخرى متصلة بها والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء ممن نحتسبهم عند الله من الشهداء الصابرين، والآلاف من الجرحى خاصة في المنطقة الشرقية من ليبيا''. وأعرب العودة عن أمله في نجاح الليبيين، وقال ''إن سنة الله ماضية، ومن لا يعقلون هذه السنة سوف تطحنهم طحنا، ويقعون في شر أعمالهم طال الزمن أم قصر''. بدورها، عبرت رابطة علماء أهل السنة عن أسفها الشديد عن ''الأخبار الأليمة الواردة إلينا من ليبيا الحبيبة عن مقتل عدد من أبنائها البررة على يد بعض رجال الأمن ممن يفترض فيهم أن يكونوا حماة لإخوانهم من أبناء وطنهم''. واستنكر رئيس الرابطة د. أحمد الريسوني، في بيان له، إراقة دماء الليبيين وجريمة قتل الأبرياء. وطالب ''بصفة عاجلة'' بإيقاف ''الكتائب الخاصة التى تقوم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المدنيين''، و''الإيقاف الفوري لكل من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ومن نفذ هذه الأوامر وتقديمهم إلى المحاكمة''. كما طالبت الرابطة ب''السماح للمواطنين بالتظاهر السلمي للمطالبة بحقوقهم بدون تخويف وترهيب''، ودعت إلى ''احترام حق الشعب في تقرير مصيره''. كما دعت ''جميع الأمناء في اللجان المعنية بالأمن العام والخاص في ليبيا أن يصدروا الأوامر وبشكل قاطع بمنع استخدام القوة ضد العزل الأبرياء، وأن يأخذوا على يد كل من يخالف ذلك، فإن لم يفعلوا فإنهم شركاء في جريمة القتل، وسيتحملون المسؤولية الكاملة أمام الله عن كل قطرة دم تراق من دماء أبناء الشعب الليبي العزيز''. كما أفتت لجنة علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية بأن التظاهر ضد الظلم ''واجب شرعا''. وقالت اللجنة في فتوى أصدرتها الأحد الماضي إن ''المظاهرات تعبير عن إنكار المنكر باللسان، وهذا أمر مشروع بل واجب''. من جهتها، استنكرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بشدة ما سمته العدوان الوحشي الهمجي الذي تنتهجه السلطات الليبية ضد المظاهرات السلمية، ''التي تطالب باستعادة حقوقها في الحياة الكريمة والسيادة الوطنية، وتغيير النظام الدكتاتوري والجاثم فوق صدر الشعب منذ ما يزيد على 42 عاما''. ووصفت الجماعة في بيان النظام في ليبيا بأنه ''نظام بشع لا يعرف للحياة قيمة ولا للأرواح حرمة ولا للدماء حصانة، وقد دأب على اغتيال الناس في السجون وتعليقهم على أعواد المشانق فى الميادين العامة، والذي بدد ثروات ليبيا الباهظة في مغامرات غير متزنة''. وشدد الإخوان المسلمون في بيانهم على أن النظام الليبي ''مهما حاول أن يعتم على الأحداث بإغلاق وسائل الإعلام والإنترنت والرسائل ومنع الصحفيين والإعلاميين من نقل الصورة الحقيقية للجرائم، لا بد أن يفتضح أمره، كما افتضح أمر من سبقوه في تونس ومصر''. وقد أفتت لجنة علماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية بأن ''المظاهرات تعبير عن إنكار المنكر باللسان، وهذا أمر مشروع بل واجب''.