آداب عبد الهادي استقبل العديد من الناس لقب ( ملك ملوك إفريقيا) بالسخرية عندما تم إطلاقه في شهر آب من عام 2008، على الزعيم الليبي، ولسنا اليوم في صدد أسباب إطلاق هذا اللقب وألقاب أخرى أطلقها على نفسه العقيد معمر القذاقي أمين القومية العربية وإمام المسلمين، باعتبار أننا اليوم نرى وبالعين المجردة انهيار عرشه الهش و حكمه الذي طال لأكثر من أربعين عاماً. معمر القذافي الذي راهن على جبروته باعتباره زعيماً شعبياً وأنه سيكون في منأى عما جرى في مصر وليبيا، مراهناً على مناصريه من الشعب(القبائل) والجيش، لكنه اليوم وقد وقع فيما وقع فيه سابقيه، إنما لن يكون مصيره تماماً كمصير زين العابدين ومبارك، لأن الأخيرين أعلنا التنحي عن الحكم بعد اشتداد الاحتجاجات ووصول الثورة إلى مرحلة لم يكن من الممكن السيطرة عليها وإيقافها، وفي ليبيا أيضاً وصلت الثورة إلى مراحلها النهائية والتي ستنتهي ربما بقتل معمر القذافي أو اختطافه من قبل الثوار، ووضعه في قفص الاتهام ومحاكمته أمام الشعب والعالم. هنا في الحالة الليبية والتي أكد فيها سيف الإسلام نجل القذافي في خطاب تهديدي على شاشة القناة الليبية الرسمية أن ليبيا ليست كتونس وليست كمصر، ونحن نقول نعم الثورة في ليبيا مختلفة تماماً، فهي أكثر عنفاً، وأكثر ضراوة، وأكثر دموية، والرئيس الليبي أكثر إجراماً وأكثر قتلاً وفتكاً بالشعب الليبي الذي يتعرض منذ اللحظات الأولى لانطلاقة الثورة إلى القتل والذبح بل وصل الأمر إلى قصف الثوار بالرصاص المضاد للطائرات ثم بالطائرات والمدفعية، كما أنه أحضر جيشاً من المرتزقة الإفريقية للفتك بالثوار، وما إحضاره لهذا الجيش المرتزق الذي دربه وسلحه في دول إفريقية عدة إلا لتأكده من أن الجيش لن يقف إلى جواره في يوم ما، وإلا ما معنى أن يسلح ويدرب جيشاً إفريقياً مرتزقاً لا علاقة له بليبيا وتأكد له ذلك بسرعة قياسية عندما بدأت يوم أمس كتائب من الجيش الليبي جنوداً وضباطاً وقوات من الصاعقة بالانشقاق وانخراطها في صفوف الثوار بل وصل الأمر باغتيال ضباط في الجيش الليبي من قبل القذافي ذاته عندما رفضوا الوقوف إلى جانبه وتنفيذ أوامره بقصف الشعب الثائر وهذا ما دفع طيارين آخرين للهروب إلى جزيرة مالطا كان أيضاً قد طلب منهما قصف الثوار. ولم يقتصر الأمر على الجيش بل وصل إلى السلك الدبلوماسي حيث بدأ الإعلان عن استقالات جماعية لأعضاء السلك الدبلوماسي بالعالم كله بدءاً من استقالة مندوب ليبيا في جامعة الدول العربية إلى إعلان استقالات عدد آخر من الدبلوماسيين في دول أخرى كسفراء ليبيا في كل من الهند وبنغلادش واليابان والسكرتير الثاني في السفارة الليبية في الصين إضافة إلى استقالات جماعية أخرى لوزراء ومسؤولين كبار آخرين والاستقالات ما تزال تتوالى. التخلي السريع للجيش وللشعب (القبائل) كله ولكبار المسؤولين في الجماهيرية سواء في داخلها أو في خارجها ووقوفها صفاً واحداً في مواجهة هذا الطاغية أظهر حقيقة وترهل الدولة الخالية من النظام وهشاشة عرش هذا الديكتاتور الذي شارف على السقوط. سقوط ورقة التوت لم يكن للقذافي الجرأة على ارتكاب هذه المجازر بحق الثوار واستخدام الطائرات والمدفعية لقمعهم لولا الدعم الغربي وأمريكا وإسرائيل له، وتلقيه الضوء الأخضر لذلك. وهنا يمكننا أن نجيب على الكثير من التساؤلات التي كنا نطرحها على أنفسنا حول العلاقة التي تربط القذافي بتلك الدول. بات لا مجالا للشك أمامنا من القول أن القذافي ليس خادماً وحسب لأسياده في تلك الدول بل هو أيضا مصدر ثرائهم وقوتهم المادية، هو من منحهم خيرات ليبيا وثرواتها وحرم منها كل الشعب الليبي، وللقذافي ديون كثيرة وهائلة عند أسياده في الغرب وأمريكا وإسرائيل ولا بد لهم من رد بعض الدين من خلال المحافظة عليه حتى لو اضطر بهم الأمر للسماح له بإبادة الشعب الليبي الذي سينتصر وقريباً جداً. كما أن هذه المواقف عرَّت أيضا تلك الدول وعلى رأسها أمريكا التي نصبت نفسها راعية الديمقراطية في العالم والحارس الأمين على أرواح الشعوب، وأظهرت قبحها وحقيقة جريمتها النكراء بحق الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي اتهمته بارتكاب مجازر وإبادة جماعية إلى أن أتت على رأس جيش عرمرم لتطيح به وتنتقم لدم من أبادهم على حسب إدعاءاتها المتكررة، وهنا نلمس الحقيقة القاسية أن ما ارتكبتنه أمريكا بحق الرئيس الشهيد صدام حسين وإقدامها لاحتلال العراق لم يكن من أجل الشعب ولم يكن حرصاً على أرواح من اتهمته بإبادتهم زوراً وبهتاناً بل كان مخططاً استعمارياً لنهب ثروات العراق والإغراق في إبادة الشعب العراقي الذي وصل إلى درجة من العلم والإبداع لم يكن لأمريكا وحلفائها تحملها. كل هذا يؤكد لنا أن مواقف هذه الدول عرَّت القذافي وأظهرته على حقيقته التي كان يداريها دائماً من خلال محاولته الظهور على أنه بطل قومي وزعيم شعبي وكذبت كل إدعاءاته القومية والعربية والإسلامية، وكشفت على الملأ وأمام العالم أجمع أن هذا الرجل عميل عتيق ومجرم متأصل بالإجرام لذلك لم تتفوه بكلمة إدانة واحدة بحقه وهي ترى جثث الشهداء تملأ الشوارع والأحياء وتتعامى عن ذلك ليزداد قتلاً ويزداد شراسة وتغرق البلاد في بحر من الدم. الأفعى تأكل نفسها على الرغم من جنون العظمة التي أصيب بها القذافي من لحظة قيامه بالانقلاب على الملكية وعلى الملك الراحل إدريس السنوسي، الذي آثر الخروج من ليبيا وترك العرش للقذافي حفاظاً على ليبيا والشعب الليبي وحقناً لإراقة نقطة دم واحدة، إلا أنه وعلى يقين يدرك أن هذه هي أيامه الأخيرة ليس في الحكم وحسب وإنما في الحياة أيضاً، سيما بعد أن أطلق فضيلة العلامة يوسف القرضاوي فتوى تبيح بقتل هذا المجرم معتبراً ذلك واجب إسلامي وفرض عين على كل من يتمكن من فعل ذلك، هذه الفتوى لم يطلقها القرضاوي عبثاً بل جاءت بعد العديد من المجازر التي ارتكبها القذافي بمساعدة جيوش المرتزقة الأفارقة، وبعد الخطاب الاستفزازي الذي جاء به سيف الإسلام مهدداً متوعداً ومحرضاً على فكرة الحرب الأهلية واقتتال القبائل فيما بينها، هذه الفكرة التي أفشلها الشعب الليبي مباشرة بعد الخطاب بانضمام كل قبائل ليبيا وانخراطها مجتمعة مع القبائل الأخرى حتى القبيلة التي ينتمي إليها القذافي تبرأت منه وأعلنت مؤازرتها وانضمامها للشعب. هذا التضامن الشعبي (القبلي) ورفض الجيش لتنفيذ الأوامر وفرار طيارين وانخراط كتائب عدة من الجيش مع الشعب وضع القذافي أمام خيار واحد وهو السلاح الذي كان قد أعلنه نجله في خطابه المذكور أعلاه، والسلاح يعني الإبادة الجماعية بغطاء غربي أمريكي إسرائيلي والسلاح يعني معركة بين طرفين، الشعب بكافة مكوناته والقذافي مع جيش المرتزقة فقط. والقذافي سيقود المعركة حسب خطاب نجله، والمبكي في الأمر، أي معركة سيقودها القذافي هل هي معركة ضد اليهود والصهاينة في فلسطين، أم معركة ضد الأمريكيين في العراق وأفغانستان وغيرها، المؤسف أن المعركة ضد أبناء الشعب الليبي، ضد الأطفال والنساء والشيوخ، ضد الشباب العزل، ضد طلبة الجامعة والموظفون، ضد كل مواطن ليبي. هذا التصريح الذي أطلقه نجل القذافي وأتبعه بمجازر فورية على أرض الواقع، يؤكد على أن القذافي انتهى تماماً ولا مجال آخر أمامه، وأصبح كالأفعى التي تجوع فتأكل نفسها وهنا القذافي بدأ بأكل نفسه فكلما ازداد عنفاً ووحشية وكلما كثرت مجازره، كلما تقدم الشعب الليبي أكثر وأكثر، وأصر على النصر وهزيمة هذا الطاغية، بل أيضاً كلما زاد من وحشيته كلما ازداد التفكير بالبحث عن طريقه لقتله وربما من أقرب المقربين له، ونحن ننتظر أن يتم اغتياله من قبل أحد الضباط الشرفاء المتواجدين بالقرب منه وعلى قلتهم. القذافي في أيامه الأخيرة، لن يعلن تنحيه ولن يهرب، بل سيغرق ليبيا في بحور من الدم وسيقتل عشرات الآلاف والعالم سيبقى متفرجاً، والشعب سيتابع ثورته، التي أوشكت على النصر وعلى القبض على رقبة هذا السفاح، وبيننا وبين ذلك أيام قليلة وربما ساعات.