هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر بلخوجة: كنت وراء إبعاد بن علي إلى المغرب بعدما عينه القذافي في حكومة الوحدة
وزير داخلية تونس الأسبق يتحدث لأول ل «الشرق الأوسط» عن بعض خفايا اتفاقية جربة في عام 1978

كشف الطاهر بلخوجة، وزير الداخلية التونسي الاسبق، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، لاول مرة انه هو من كان وراء ابعاد زين العابدين بن علي، مسؤول الامن العسكري في تونس، إلى المغرب، وتعيينه ملحقا عسكريا في السفارة التونسية بالرباط، منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي.
وعزا بلخوجة، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، ابعاد بن علي إلى كون الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وضع اسمه في لائحة حكومة الوحدة الليبية التونسية بعد توقيع اتفاقية جربة عام1974، كمسؤول عن الامن العسكري للجيشين الليبي والتونسي، بشكل مريب، ودون التشاور المسبق مع السلطات التونسية. واضاف بلخوجة ان السؤال الذي طرح نفسه انذاك بقوة هو: «هل يعقل ان يسلم القذافي الامن العسكري لجيشه لشخص لا يعرفه؟». وذكر بلخوجة ان الامور كانت سرية إلى اقصى درجة، «وعرفنا فيما بعد ان بن علي كانت لديه اتصالات قديمة بالقذافي عن طريق اخيه منصف، الذي كان يعمل في طرابلس». وتحدث بلخوجة الذي خبر دهاليز السياسة التونسية منذ اكثر من خمسة عقود عن مسار بن علي في الحكم، والمآل الذي آل اليه نظامه بعد اندلاع الثورة الاخيرة كما تطرق إلى احداث الساعة في بلاده، وقراءته للمستقبل القريب. وفي ما يلي نص الحوار.
* بعد الاعلان عن الحكومة الانتقالية الجديدة تبدو تونس وكأنها خرجت من عنق الزجاجة. ما قراءتك لهذا المستجد الجديد؟
تونس خرجت فعلا من عنق الزجاجة، وان شاء الله سترجع الامور إلى مجراها الطبيعي، لتدخل البلاد مرحلة البناء عقب قيام ثورة خارقة للعادة. والان ثبت بعد خروج فلول النظام السابق من الحكومة، واصبحت هذه الاخيرة صافية، ان الامور اصبحت واضحة، فمحمد الغنوشي رئيس الحكومة الانتقالية هو شخص مقبول، ورجل معروف بين ان له التزامات سيفي بها. لهذا اظن في الوقت الحاضر ان رئيس الحكومة من خلال ذلك سيمكن البلاد تماما من الخروج من عنق الزجاجة. وأود ان اشير إلى ان هناك تحديات كبرى اقتصادية واجتماعية، وهناك ناس يعيشون في جهات نائية يجب ايجاد حلول عاجلة ومؤقتة لهم، من خلال تشجيع الاستثمارات فيها، وخلق فرص الشغل، وفتح ورشة سياسية كبيرة تروم اعداد البلاد للجمهورية الثانية، بحيث يكون الاعداد جماعيا وديمقراطيا، تشارك فيه جميع مكونات المجتمع. واملي كبير في ذلك حتى نشترك جميعا، مواطنين ومسؤولين، في مساندة رئيس الوزراء مع المراقبة الذكية حتى يفي بالتزاماته ازاء ما يترقبه المواطنون، وفي الاجال الدستورية المحددة، وحتى ان تم تجاوز هذه الاجال نوعا ما. ان الناس في حاجة إلى الاستقرار وترسيخ الطمأنينة في النفوس وايجاد حل للمشاكل القائمة.
* باعتبارك وزير داخلية سابقا ما هي الاخطاء والتراكمات التي ادت إلى الوضع الحالي في تونس؟
الحديث سيطول لان التراكمات ليست عفوية أو مفاجئة ولكن بالنسبة لرجال السياسة ومتتبعي الوضع كانت الامور مترابطة، وكان الخطأ الاول هو عدم الاستماع إلى الناس، وتجاهل الاوضاع المتأزمة إلى اقصى الدرجات في الجهات (المناطق). فمنذ حصول تونس على الاستقلال كان هناك دائما تفاوت بين مناطق البلاد خاصة بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية، ويوجد ضمن اسباب هذا التفاوت ان المستثمرين لا يحبذون الاستثمار في المناطق الداخلية النائية. وقد حاولت الحكومات المتعاقبة ايجاد حل لذلك التفاوت بيد ان الامور تأزمت بكيفية كبيرة خاصة في السنوات الاخيرة. وكنا نسمع ان الامور وصلت في تلك الجهات إلى درجة الجوع، جراء عدم توفر المواطنين على مناصب شغل تمكنهم من توفير لقمة العيش لعائلاتهم، هذا اضافة إلى عدم توفرهم على ضمانات اجتماعية سواء في مجال الصحة أو البطالة. ومع مرور الوقت، ومع تزايد عدد حاملي الشهادات الجامعية، تكاثرت البطالة في اوساط الشباب بنسب كبيرة، ذلك ان هؤلاء الجامعيين حينما انهوا دراستهم ورجعوا إلى مناطقهم لم يجدوا شغلا. ان العدد الذي اعلن عنه حول البطالة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية يتجاوز ال 300 الف، وأظن ان هناك 350 الفا، وكلنا يعرف ان الجامعة تخرج كل سنة 60 الفا.
ان الاخطاء الاساسية الموجودة لا تكمن في المفاجأة من قيام الثورة، وانا كنت وزيرا سابقا للداخلية، اشدد على القول انها لم تكن مفاجئة، لماذا؟ لانني عشت تقريبا جميع الاحداث الاجتماعية التي عرفتها البلاد، فأنا عملت مع الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة منذ عام 1954، وتقلبت في الوزارات من داخلية وفلاحة اضافة إلى الامن الوطني، وكنت سفيرا لبعض الفترات، وقضيت 10 سنوات في الامن والداخلية، ولدي قناعة ان الثورة الاخيرة هي ثورة عارمة وخارقة للعادة، وادهشت العالم كله. فهي نتاج لحالة اليأس التي وصل اليها الشعب التونسي، فالثورة مبنية على يأس. واعود إلى الماضي واقول ان اول انتفاضة عرفتها تونس كانت عام 1967، وكنت انذاك في وزارة الاقتصاد، مديرا لديوان احمد بن صالح، وقبلها كنت قائما بالاعمال في باريس، فسفيرا لدى السنغال، فالانتفاضة الاولى قامت بعد 10 سنوات من انتهاج سياسة اقتصادية اشتراكية افلست الناس وخاصة التجار، وتم تأميم اراضي الاجانب، ووضعها تحت اشراف تعاضديات. وتفاجأنا في 7يونيو (حزيران)1967، وكنت وقتها في وزارة الاقتصاد، بالمواطنين يخرجون إلى الشارع في فورة غضب. لماذا 7 يونيو؟ لان كل الانتفاضات والثورات يلزمها سبب. لانها لا تندلع بدون سبب، وكان السبب هو حرب اسرائيل على مصر، ووجد التونسيون في ذلك سببا للتعبير عن الحنق الذي يوجد في صدورهم. لقد تم تعييني غداة تلك الانتفاضة مديرا عاما للامن الوطني، ومنحني الرئيس بورقيبة كامل الصلاحيات، بحيث اصبحت مسؤولا عن الحرس الرئاسي والامن العام، وكانت المشكلة انذاك هو ان الحزب الحر الدستوري الحاكم كان غائبا تماما وليس موجودا، وهو ما لمسناه ايضا خلال الثورة الاخيرة بالنسبة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي. واذكر ان الرئيس بورقيبة نادى انذاك على اقدم المناضلين في الحزب ضمنهم المنجي سليم، وطلب منهم ان يعقدوا اجتماعا مع الحزبيين لكن لا احد جاء إلى ذلك الاجتماع، وكان الامن قد تم تجاوزه، ولم ينته الامر الا بعد ان تدخل الجيش دون ان يسقط ضحايا، وعاد الامن إلى وضعه الطبيعي. كان ذلك هو الدرس الاول، ولكن لسوء الحظ لم نأخد ذلك الدرس بعين الاعتبار. وبالعودة إلى التقارير التي اطلعت عليها عقب تعييني مديرا للامن الوطني، وجدت انها بينت ان الناس سيثورون بسبب تأزم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وخلال وجودي على رأس مديرية الامن الوطني اصابني وخز ضمير لانني تأكدت من حقيقة مفادها ان الجميع كان منضبطا، الحزب، والمسؤولين، والديوان السياسي للحزب لا يجتمع ولكنه خائف ويمضي كما اتفق، والبرلمان كذلك، ولم يكن احد يتجرأ لينتقد الاوضاع الا شخصين وثلاثة ضمنهم احمد التليلي الذي غادر البلاد وبعث رسالة لبورقيبة عام 1965، وقال له فيها ان التعاضد والمضي قدما في انتهاج سياسة اقتصادية اشتراكية ستوصل البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، وكذلك احمد المستيري عام 1968 الذي قدم في المجلس الاعلى للتعاضد، استقالته من الحكومة.
* طبعا تونس عرفت عدة هزات في 1967 في 1978 وفي 1984 و2010 و2011. والملاحظ انه كانت هناك دائما مقاربة امنية تطغى على أي مقاربة اجتماعية للتعامل مع هذه الهزات، بحيث انه في كل مرة لا يتم استخلاص الدروس مما حدث. ما تعليقك على ذلك؟
بالفعل كان هناك دائما قصور سياسي وامني واقتصادي. لقد ظل الناس في حالة ضنك وافلاس بيد ان المشكلة الاساسية كانت تكمن في افراغ الناس، ليس من حقوقهم السياسية فقط، بل من امكانيات العيش. ففي 1967، اقتصاديا ومعيشيا، وصل الناس إلى حالة متردية. وفي انتفاضتي 1978 و1984 كان هناك نفس الشيء اذ تم تجويع الناس عن طريق الزيادة في اسعار الخبز المدعوم. لقد كان بعض السياسيين واهمون، ويعتقدون انه يكفي ان يكون عندنا بورقيبة والحزب والامن، لكي تمضي الامور إلى الامام، وهذه كانت غلطة كبيرة تمادت إلى حد الان، بحيث سرى الاعتقاد بأن الدولة في ايدينا، والحزب في ايدينا، وفي الاخير لم نجد احدا. واندلعت الثورة وجرفت الجميع.
ان ثورة الخبز لعام 1984 انطلقت من بلدة صغيرة اسمها سوق الاحد تقع في اقصى الجنوب التونسي يوم 29 ديسمبر من نفس السنة. ثم تسربت الثورة إلى الشمال ثم إلى القصرين فجندوبة ووصلت إلى تونس يوم 4 يناير 1984. ان نفس الاسباب التي ادت إلى انتفاضة 1984 ادت إلى الثورة الاخيرة لان هناك ازيد من 350 الف شخص عاطل، اضافة إلى اقتناع الناس بان ارزاقهم تعرضت للسرقة، زد على هذا احتقان الوضع السياسي، وتحول الدولة إلى دولة بوليسية تجسدت في 350 الف شرطي.
* لو طلب منك تقديم استشارة للخروج من المأزق الذي تعرفها تونس بعد نجاح الثورة، فما هي الوصفة التي ستقدمها؟
قبل ذلك يجب ان يعرف قراء جريدتكم كيف كان اسلوب بن علي في تدبير شؤون البلاد، لان اسلوب حكم بورقيبة كان اسلوبا شعبيا بينما اعتمد بن علي مقاربة امنية شبيهة بما كان معتمدا في الدول الشيوعية مثل رومانيا وبولندا، فنيكولاي تشاوسيسكو مثلا اقام امنا خاصا له يتكون من 30 الف عنصر يقيمون معه في القصر، وهو النهج الذي انتهجه بن علي، الذي حوط الجيش، ولهذا لما امره بن علي باطلاق الرصاص على المتظاهرين، ورفض اوامره خسر بن علي كل شيء. وباختصار كان بن علي يتصور انه بامكانه القضاء على الثورة بالاضطهاد والقتل. لذا فان الوصفة الحقيقية لتفادي كل ما حصل مستقبلا، وهذا امر يهم جميع الدول العربية، تكمن في الانصات إلى المواطنين وخلق فرص شغل للشباب، والا ستكون الثورة التونسية عند الباب.
انا الان ليست لدي مسؤولية سياسية، ولكن هذا لا يعفي المرء من اتخاد موقف من الاشياء، واشير هنا إلى ان احمد المستيرى مثلا اخد موقفا، ونفس الامر بالنسبة لمصطفى الفيلالي، وبعض الناس يتساءلون: انتم رجال كبار في السن ولماذا تتخدون موقفا؟ وانا ارد بالقول: نحن لدينا حق في هذا البلد ما دمنا أحياء. فنحن ناضلنا من اجل البلاد مدة 50 سنة ليس من اجل ان تعبثوا انتم بها، وما دمتم تعبثون بالبلاد فإننا سنشهر بكم. والمستيري لديه الحق في ان يقول ذلك. وحين اقول ذلك فليس لان لدي طموحات، فمستقبلي ورائي، وضميري مرتاح، كما انني مررت بازمات كبيرة وخرجت منها باقل التكاليف. واذكر انني حينما كنت وزيرا للداخلية لم تخرج رصاصة واحدة من فوهة مسدس رجل امن، وازحت من وزارة الداخلية، كما قال احدهم: بلخوجة لا يصلح لهذا الموقع، وبالتالي يجب ان نقضي عليه، وبعد ذلك نقضي على الاتحاد العام للشغل فأنا خرجت من وزارة الداخلية يوم 24 ديسمبر (كانون الاول) وبعد ذلك بشهر صارت احداث 26 يناير1978، وكنت قبل 24 ديسمبر1977 القيت خطابا في مجلس الامة، قلت فيه ان الحزب لم يقم بواجبه، وانه مبني على اساس الميليشيات والسواعد المفتولة، ويعتمد على اناس بدائيين في السياسة، وقلت ايضا مخاطبا الحضور اذا كنتم ستبقون هكذا فهذا امر غير ممكن، وثمة قوة جديدة هي الاتحاد العام للشغل، لا بد ان تحسبوا لها الف حساب، واذكر هنا ان بورقيبة نفسه قبل الاستقلال أي في سنة 1952 تشارك مع فرحات حشاد حتى تمضي امور الحزب في اطار التوافق مع الاتحاد العمالي. وفي عام 1978 سعى بورقيبة إلى ان نلقى الحل المشترك إلى اخر رمق، وجمعنا انا والهادي نويرة والحبيب عاشور وطلب منا ان نجد حلا، وفي نهاية المطاف تغلبت الجماعة المناوئة للاتحاد العمالي على هذا الاخير، ودخلت البلاد في المأزق، ووصلنا إلى احداث 26 يناير 1978.
* وماذا عن الان؟
والان، لماذا تحدثت عن هذا كله، لان نفس الاسباب تعطي نفس النتائج، فهناك اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية معروفة، ومن غير شك ليس في نفس المستوى، لكن اذا لم يتم ايجاد حلول لها سيكون لها انعكاسات، وهذه المرة وصلنا إلى درجة لا تطاق من الازمة، اذ تراكمت الامور على امتداد عشرات السنين وخاصة في السنوات ال 23 من حكم بن علي بطريقة حكمه وافلاس الدولة. قد يقول قائل انه تم انجاز طرقات ومدينتي الرياضة والثقافة ومصارف، كل هذه اشياء جيدة، بيد ان الشعب يظل فقيرا نظرا لعدم توزيع الثروة على اساس صحيح. فالناس بحاجة إلى الشغل. وهم عندما ثاروا لم يقوموا بذلك فقط مساندة لمنطقة سيدي بوزيد، وانما نظرا لكونهم يعانون من نفس المشاكل.
* اعود بك إلى 7 نوفمبر 1987 حينما سمعت بيان التحول هل كنت تعتقد ان بن علي سينتهي هكذا نهاية سيئة.
نحن خرجنا جميعا، من مرحلة صعبة جدا هي اخر فترة حكم بورقيبة. وجاء بن علي وخرجت البلاد من النفق بسلام، واعتبرنا ان تونس ربما خرجت وقتها من ازمة لان حكم 30 سنة في غالب الاحيان في العديد من البلدان لا يتغير بدون مشاكل، ولما جاء بن علي إلى السلطة، كنت وقتها في باريس، واعلن البيان الصادر عنه، منح التونسيين جميع الحريات، وتداول السلطة، والافراج عن المعتقلين، ولا رئاسة مدى الحياة. وكنا نعرف انه كان وراءه سياسيون يوجهونه، ولكن لسوء الحظ لم يكن توجههم سليما. غير ان العماد الاساسي لبن علي عان هو الهادي البكوش، الذي كنا نعرف انه هو من كتب بيان 7 نوفمبر. وكنا نعتقد ان بن علي باعتباره عسكريا ومعه سياسيون، سيجعل الامور تمشي إلى الامام، وتوسمنا الخير ولكنني في قرارة نفسي كنت مرتبكا شديد الارتباك لانني اعرف الرجل واعرف ماضيه جيدا فقد كنت مديرا عاما للامن ووزيرا للداخلية، ومن الطبيعي أن أكون على بينة من امره وامر غيره غيره من المسؤولين، فبن علي كان انذاك مسؤولا عن الامن العسكري. بعد بيان 7 نوفمبر 1987 قضى بن علي 23 سنة في رئاسة الجمهورية، وجرى اول خرق سياسي واخلاقي للبيان في عام 1989 عند تنظيم الانتخابات التشريعية، انذاك جاء احمد المسيري، امين عام حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المعارض عند بن علي وقال له انا اساندك لانك تحملت مسؤولية كبيرة واخرجت البلاد من ازمة، وانا ادعمك في الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكنني اطلب منك ان تكون الانتخابات شفافة وبعد الانتخابات تبقى انت زين العابدين بن علي رئيسا لكل التونسيين، وليس رئيسا لحزب فقط، فوافق بن علي على ما قاله المسيري، بيد انه بعد مرور الانتخابات صدر بيان عن تركيبة الحزب الجديدة برئاسة بن علي، وقتها خرج المسيري من الساحة السياسية وابتعد عنها. وقال ان رئيس الدولة وعدني بشيء ولم يف به، وان الامور ستؤول بذلك إلى الحزب الواحد. كان هذا هو الخرق الاول، ثم بعد 3 سنوات لم يطرأ أي تغيير على المنظومة السياسية، وبدا الحزب ما زال موجودا لكنه على ذمة الامن، حيث اصبح اعوان الحزب رهن اشارة الامن، واصبح الجهاز المسؤول عن الامن هو المسؤول على كل شيء بما فيهم الولاة والحزب. ولهذا، خلال 23 سنة من حكم بن علي توسع النظام الامني (الشرطة)، دون الاعتماد على الجيش لانه كان يعرف ان الجيش لا يحبه. واعتمد على الامن على اساس الانظمة الموجودة في البلدان الشيوعية قبل سقوط جدار برلين، التي تعتمد الاستخبارات والاستعلامات بمعنى مراقبة الشعب، وكان يقول: انا اريد ان اعرف النملة حينما تتحرك إلى اين هي متجهة؟ ولذلك اقام امنا خاصا موازيا للامن العام، كانت عناصره تحظى بامتيازات اكثر بكثير 20 مرة من امتيازات عناصر الامن العام، ثم نظم مثل البلدان الشيوعية امنا رئاسيا خاصا. انا كنت مسؤولا عن الامن الرئاسي مدة 10 سنوات ولم يكن عندنا ما هو موجود اليوم على الاطلاق. فعدد عناصره بالآلاف، ومزودين بترسانة كبيرة من السلاح، وبعض عناصره خضع لتدريبات عند جهاز الموساد الاسرائيلي. وكان المشرف عليه هو الجنرال علي السرياطي، الذي لم يكن يقيم اعتبارا للداخلية والامن وللبلد ايضا، فهو كان الكل في الكل. وتبين ان عناصر الامن الخاص بعد الثورة خرجوا إلى الشارع وقتلوا الناس. ولهذا ما فعله بن علي خلال 23 سنة فيما يخص المنظومة السياسية والتحكم في البلاد، لا يوجد مثيلا له في تاريخ البلاد. ونظرا لذكائه الخارق كانت هذه الامور ليست معروفة وغير معلن عنها، بيد ان الناس كانوا يشعرون انهم مراقبين في في حياتهم اليومية، وان انفاسهم يتم احصاؤها، ذلك ان بن علي كان يعتقد انه من خلال هذا التضييق البوليسي لن يقع شيء في البلاد.
* نفهم من كلامك ان بن علي كان ضحية المنظومة الامنية التي صنعها. الا ترى ايضا انه كان ضحية نفسه وعائلته؟
بن علي كان ضحية المنظومة الامنية التي صنعها، وضحية نفسه وعائلته ايضا ذلك انه سهل لها ظروف القيام بما قامت به دون حدود وبلهفة كبيرة. اذ لم يكن احد من المستثمرين الاجانب يستطيع القيام بمشروع في البلاد دون ان يمر عليهم.
* اذا، بن علي في نظرك اختار العائلة على الشعب؟ اعتقد ان بن علي كان يحتقر الشعب. فهو عسكري، والعسكري دائما امامه عدو اما يراوغ به أو يقتله، فمثل هذه العقلية موجودة ولكن ليس لدى جميع العسكريين.
* خلال فترة رئاسة بن علي للدولة هل سبق لك ان التقيت به؟
انا رأيته في مناسبتين أو ثلاث مناسبات. واود التذكير انني غادرت تونس عام 1985 بعد ان قامت مشاكل بيني وبين محمد مزالي، وقعدت هناك حتى عام 1990. وكان بن علي قد بعث لي مع السفير التونسي في باريس رسالة يطلب فيها مني ان اعود إلى البلاد. فالرئيس بن علي كان يعرفني جيدا، وانا كنت اعرفه جيدا بدون ان نعمل مع بعضنا، وبدون ان نلتقي، وبدون ان نتشاور لأنني لا اظن ان يقع حديث بيني وبينه نظرا لما نعرفه عن بعضنا البعض.
* في منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي، عين زين العابدين بن علي ملحقا عسكريا في الرباط، ما اسباب ابعاده إلى هناك؟ في عام 1974 كنت وزيرا للداخلية، وكنت حضرت في جربة برفقة الرئيس الحبيب بورقيبة للتوقيع على معاهدة الوحدة التونسية الليبية، وعشت موضوع الوحدة منذ بدايته، واذكر انني كنت ذات يوم مع بورقيبة حين تلقى مكالمة هاتفية من العقيد معمر القذافي طالب فيه بعقد اجتماع فوري لبحث قضية مهمة. والجديد بالنسبة لبن علي، هو ان اسمه ورد في حكومة الوحدة، والحقيقة ان بورقيبة نفسه غرر به لان الاتفاق بينه وبين القذافي كان على اساس قيام الوحدة واصدار بيان حولها، وفي اخر وقت اخرج القذافي، وهو على المنصة للتوقيع على البيان، ورقة من جيبه تتضمن حكومة الوحدة. انذاك قمت من الكرسي وتوجهت نحو الرئيس بورقيبة وسألته: سيدي الرئيس ما هي حكاية هذه الحكومة، فقال انني قلت للقذافي ان يكون العقيد الخويلدي الحامدي وزير للداخلية. ولا أظن ان الرئيس بورقيبة كان لديه الوقت لقراءة الوثيقة المتضمنة للحكومة التي تتكون من 40 اسما، لانه كان يعتبر الاساس هو اقامة الوحدة فقط. فبورقيبة كان متفقا على قيامها وقيام تكامل بين ليبيا وتونس ودافع على ذلك حتى اخر وقت. وبعد ذلك حصلت على قائمة الحكومة بطريقة مضحكة لانها كانت عبارة عن صورة مستنسخة لها. وتضمنت القائمة اسم بن علي كرئيس للامن العسكري للجيشين الليبي والتونسي. فهل يعقل ان يسلم القذافي الامن العسكري لجيشه لشخص لا يعرفه؟ وانا كوزير للداخلية لمت نفسي، ولمت الاخرين كيف لم نتمكن من استباق معرفة ما حصل، لقد كانت الامور سرية إلى اقصى درجة وعرفنا فيما بعد ان بن علي كانت لديه اتصالات قديمة بالقذافي عن طريق اخيه منصف الذي كان يعمل في طرابلس. انذاك، استدعاني الهادي نويرة، رئيس الوزراء إلى مكتبه، انا والهادي خفشه، وزير الدفاع، وطلب منا ان نفسر له اصل الحكاية، وكيف دخل اسم بن علي إلى قائمة حكومة الوحدة، فقال الهادي خفشه: انا وزير للدفاع ولكن بن علي هو الذي يتوفر على الاخبار السياسية للجيش بحكم موقعه كمدير للامن العسكري، لكن نويرة اعطانا مهلة حتى صباح اليوم الموالي لنأتي له بتقرير حول بن علي. وطلبت من مصالح الوزارة ان يبحثوا في الموضوع لكنهم ابلغوني انهم لا يتوفرون على معلومات بشأن علاقة بن علي بليبيا، الا انهم بامكانهم ان يزودوني بسيرته الفاسدة، وبالفعل وجدت ملفه افسد ما يوجد في الدنيا، لاسيما فيما يتعلق بحياته الخاصة. وانا نفسي لم اكن لأتصور ذلك عنه لو لم يحدث ما حدث، وطلبت من المصالح ان يعطوني ملخصا عن ملف بن علي، وحملته إلى نويرة في صباح اليوم التالي، وقلت له انني لم اجد عنه أي شيء بخصوص علاقاته مع ليبيا، وانا سأعطيك تقريرا عن ملفه. فرد بانزعاج: ليس هذا ما اريده. اريد فقط معرفة علاقته بالقذافي. وتوجه بالسؤال إلى وزير الدفاع قائلا ما هي معطياتك؟ فقال لم اجد شيئا عنه. لقد سألت الجنرالات، وقالوا انهم لا يعرفون شيئا عن ذلك، وسأل بن علي نفسه ونفى وجود علاقة له بليبيا. فتساءل نويرة ما هو الحل؟ وعبر عن استيائه من وقوع مثل هذه الاشياء دون علم الداخلية والدفاع. وطال الحديث حول الموضوع، واخيرا قام وزير الدفاع وقال انه سيزيل البدلة العسكرية من بن علي، على اساس ان ألحقه انا بوزارة الداخلية، وهناك ربما نستطيع ان نستخرج منه شيئا عن اتصالاته الليبية. انذاك جاءتني فكرة اخراجه إلى الجيش وارساله في مهمة إلى الخارج، ونقوم نحن في الداخلية بمتابعة البحث حوله والتدقيق فيه، واذا ثبت عليه شيء نرجعه إلى البلاد. فصاح نويرة: هذا غير معقول. فقلت له اذا جاء إلى الداخلية فأنا لا اتوفر على معطيات تمكنني من محاسبته، واقترحت من منطلق انساني ان يذهب بن علي إلى المغرب كملحق عسكري في سفارة تونس. فاقتنع نويرة بذلك.
لما خرجت انا من وزارة الداخلية في24 ديسمبر (كانون الاول) 1977 لانني كنت ضد المواجهة مع الاتحاد العام للشغل، وضد اطلاق النار، وكان الهدف هو ضرب الاتحاد العمالي، وفي نفس اليوم الذي ازحت فيه قام عبد الله فرحات الذي كان وزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية بالنيابة لمدة قصيرة، بتنصيب بن علي مديرا عاما للامن الوطني وبعد شهر أي في 26 يناير 1978، قاد المواجهة مع الاتحاد العمالي واعتقل قياداته يوم 25 يناير، ونزل الشعب إلى الشارع، وقمعه بن علي، وكان عدد الضحايا كبيرا، وبعد مرور ثلاث سنوات، وكان بن علي ما زال مديرا للامن الوطني صارت حادثة قفصة، واود ان اشير إلى ان منفذي الاحداث قدموا من ليبيا والجزائر واقاموا قرابة شهرعلى مقربة من مقر محافظة قفصة بنحو 200 متر، ويتم يوميا تزويدهم بالطعام دون ان يلاحظ الامن ذلك، إلى ان صار ما صار.
* هل تعتقد ان بن علي كان متواطئا مع الليبيين في احداث قفصة؟
لا اعتقد انه كان متواطئا في ذلك. بيد انه لو كانت العملية نجحت اكيد كان سيطرح التساؤل حول ماذا كان سيكون موقف بن علي منها؟ وبعد احداث قفصة قرر بورقيبة ان يبعده خارج البلاد، وعينه سفيرا في بولندا. وهناك تعلم ما قام بتطبيقه هنا على المستوى الامني حينما اصبح رئيسا للجمهورية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.