تحية نضالية لتحالف "الإخوان" و "الرفاق" .. في سائر بقاع العالم تصنع السياسة الواقع و العكس صحيح .. هناك متواضعات لا يمكن القفز عليها، قد يقع تحالف بين قوى سياسية في قضايا معينة ، لكن لا يمكن لليمين أن يصبح يسارا و لا اليسار يتحول يمينا .. في المغرب قد تتزحزح هذه المقولات لصالح خطاطات أخرى لا منطق و لا خيط ناظما لها .. هذه الورقة / الوجهة نظر محاولة للغوص في هذا الكلام .. محمد دهنون السياسة فن الممكن ..و قراءة التوقعات و الذهاب بالاحتمالات إلى أقصاها.. الفعل السياسي يبنى على أرضيات يجمعها المشترك الفكري و الثقافي و الاجتماعي، و يرصف خارطة طريقه في قراءة منسجمة للمرحلة .. هكذا تفعل المجتمعات التي راكمت في الديمقراطية و الحداثة . في المغرب تكاد المتناقضات تصبح أساسا للاستراتيجيات السياسية و الحزبية، بمعنى أن أخوات كان تتحول لتصبح أخوات إن .. و النحاة يعرفون الفرق بين "كان" و "إن" ...! .. في المغرب أيضا و تحت يافطة "الخصوصية" ، تنسج تحالفات لا رأس لها و لا رجل و لا مرجعية لها.. على الأقل في المستوى الإيديولوجي كحد أدنى . قد يكون مفهوما و مقبولا في مرحلة سياسية مفصلية فارقة و حارقة .. الاستنجاد بالتوافق و التراضي و تجاوز الإيديولوجيات و الخلفيات الفكرية في محاولة حثيثة تأسيسية تروم وضع قطيعة بين زمن سياسي قديم بتعثراته و إخفاقاته .. بصراعاته و مراراته، و بين زمن سياسي آخر يتغيا التغيير و إطلاق ثقافة ديمقراطية تنتصر لمفاهيم المشاركة و المحاسبة . كلام في الصميم .. المرحلة السياسية و التاريخية بامتياز التي عاشها و ما يزال المغرب السياسي اقتضت و تقتضي نوعا من الفرز و التمايز وسط القوى السياسية في البلاد .. انطلاقا مما أنتجه الحراك الوطني، و تأسيسا على سياقات ما جاء في الوثيقة الدستورية الجديدة .. هذا الفرز الذي كان يجب تركيزه داخل الحياة السياسية الوطنية بالنظر إلى الجو الذي عشناه جميعا و الذي كان سيسهل إعادة التموقعات و الاصطفافات المبنية على الوضوح الفكري .. ضيعناه مرة أخرى .. بعدما كانت الفرصة سانحة لإعادة تشكيل الصورة داخل الحقل الحزبي، اليسار يسار.. اليمين يمين ، الحداثيون هنا و المحافظون هناك ، و المحافظون اليوم يجوز استعارة خانتهم لإضافة الأصوليين أو الإسلاميين مع كامل التحفظ على هذا المصطلح الأخير .. و بالتالي كان بالإمكان ليس فقط إبراز تقاطب حزبي واضح و سلس .. حتى نسهل على الرأي العام و الملاحظين و الباحثين و الناخب أيضا فهم و التقاط ما يقع ، كما في الديمقراطيات التي تحترم تاريخها و تحترم مواطنيها .. للأسف العكس هو الذي حصل ، و بتنا ثم أصبحنا على مشهد يقترب من السوريالية حتى لا نقول العبثية في أبهى حللها .. كيف وقع ذلك .. و هل المصلحة الوطنية و روح المرحلة التي يتحجج بها بعض الفاعلين الحزبيين تبيح إنتاج الخلط و تفريخ الالتباس الإيديولوجي .. بذريعة حماية المنجز الدستوري و بعث الروح في ثنايا الوثيقة .. ؟ "اللحية" و "المنجل" .. حكومة "الباجدا" و هو تحريف دارج للبيجيدي مع كامل الاحترام (..) .. ضمت من بين ما ضمته أحزابا يمينية محافظة و هذا شيء مقبول.. لكن كان النشاز في هذه التركيبة "المنتقاة" بعناية هو دخول حزب شيوعي يساري خطه السياسي تاريخيا، لا و لن يلتقي مع الإيديولوجيا الأصولية و لا رابط بالمطلق معها .. و أثار هذا الاختيار وسط هذا الحزب و حتى من خارجه الكثير من التساؤلات الموضوعية و عميق الاندهاش من اختيار حتى و لو بدا مبدئيا بالنسبة لزعامة معينة .. فهو لن يكون مبدئيا بالحجة و الفكر و التاريخ و الجغرافيا الحزبية الوطنية. بكل نزاهة و بدون مزايدة أو فضفضة في الكلمات و التحاليل المحنطة التي تصدر اليوم هنا و هناك.. ماذا يفعل حزب التقدم و الاشتراكية ذو الخلفية اليسارية في حكومة "يقودها" الإسلاميون تجاوزا.. ما الذي يجمع اللحية بالمنجل..!.. ما الذي يربط الماضوي بالتقدمي .. هنا سقط الريال .. لكن و زيادة في الاستخفاف و نكاية في العقل الحزبي، لم يرقصوا عليه فقط.. بل جدبوا و ما يزالون تحت مسميات عدة.. المصلحة الوطنية، تمنيع الانتقال ، الحفاظ على المصالح العليا للبلد .. و كذا كلمات جامدة باردة مكانها في ثلاجة الأحداث قرب الجثث السياسية. زواج الإخوان بالرفاق ..! المتصفح المستعيد لمواقف حزب التقدم و الاشتراكية طيلة مساره ، لن يجد كبير عناء في التوصل إلى أن هذا التنظيم السياسي، كان ضد تديين السياسة و تحزيب الإسلام ، كان على طرف نقيض من الفاعل الديني الذي يريد أن يحكم باسم الله و السماء هي مرجعيته الدستورية .. كان هذا الحزب و لاعتبارات تاريخية معلومة لدى الحركة الوطنية و اليسار عموما .. في تحاليله، لا يمكنه أن يلتقي مع خصم تاريخي بامتياز.. لكن في المغرب .. البنية النفسية و العلاقات "الدموية" و شبكة المصاهرات قد تنتج الأعاجيب.. و من ضمنها أعجوبة الشيوعي الذي "تزوجه" الإسلامي.. لا ضير و لا ضرار .. إن كان نبيل مستشيطا غضبا في 16 ماي و أحداثها الأليمة ، و وصل حد المطالبة باستئصال "الإخوان" و تنظيماتهم الحزبية و الدعوية .. هؤلاء الإخوان الذي وجد الرفاق نفسهم اليوم بعد سنوات بجانبهم في حكومة جابتها الريح ديال المرحلة .. لا تثريب و لا مؤاخذة على الرفيق نبيل الذي وصل به شهر العسل الحكومي .. إلى حدود استدعاء الإخوان إلى دعمه في الحملة الانتخابية لمناصرة رفاقه في جزئيات الشماعية و بلاد احمر .. هل وقع و يقع هذا في أي بلد .. هل سبق أن حدث هذا الزواج الذي لا هو بالكاثوليكي و لا بالإسلامي بين فرقاء كل ينظر إلى الله و السماء بطريقته.. واحد يعشق السيف و حَدَّهُ.. و الآخر كان متيما بالمطرقة و التحليل الطبقي و البنية التحتية و الفوقية .. لو كان يعتة و بلال و مسواك ... اليوم لا فوق و لا تحت ، الكرسي الدوار الوثير يتحكم و يوجه أي تحليل، و يدوس الثوابت السياسية و الإيديولوجية . في الحقيقة لوكان علي يعتة ما يزال حيا، و لوكان عزيز بلال و الهادي مسواك و مؤسسو الحزب الشيوعي أي التحرر و الاشتراكية.. التقدم و الاشتراكية حاليا .. هل كانوا سيسمحون بمثل هذا التحالف الهجين الذي يجعل حزبهم في تجربة حكومية مجرد رقم صغير مكمل لأغلبية معينة .. لا يملك حتى فريقا و ينتظر من مقعد الشماعية أن ينقذه من المجموعة النيابية و يعيده إلى وضع متقدم في الامتيازات و التموقعات داخل قبة البرلمان .. هل هذه هي الواقعية السياسية ..؟ .. هل البراغماتية تبيح و تسمح بكل هذه العربدة .. و هي عربدة ما عندها ساس و لا رجلين.. هناك من يبني استراتيجيته واضعا نصب العين المصلحة الوطنية الحقيقية، و هناك من يتكتك و يعتقدها استراتيجية للانفلات من الموت الحزبي الزؤام و البقاء على قيد الحياة السياسية ، حتى و لو اقتضى الأمر التحلل من كل المرجعيات الناظمة للفكرة التقدمية و الاختفاء في جلابيب و برانس حكومة محافظة لا تعير الزمن السياسي و الدستوري أي احترام . ملاحظة لابد منها .. هي ورقة لا تستهدف أحدا، و لا تبحث عن تسجيل موقف ضد أحد، فيها رصد و كرنلجة لسياقات وجد فيها حزب التقدم و الاشتراكية بجانب العدالة و التنمية، و كان لابد من التفكير بصوت مسموع، بلا مزايدات و لا إطلاق قنابل مسيلة للقلوب و الدموع و المشترك السياسي و التاريخي بين اليسار و البيبيس .. كان لابد من هذا الكلام .. فالإعلام الحقيقي متوجب عليه و مفروض فيه قول الحقيقة بلا مساحيق، و دون الارتهان إلى الأجندات .. و به وجب الإعلام .