نعيش هذه الأيام لحظة تاريخية بكل معنى الكلمة، وفي خضم الأحداث المتسارعة و تتبع الجزئيات و التفاصيل اليومية قد لا يتمكن المرء من القبض على هذه اللحظة و استيعاب كل أبعادها و بشكل خاص بعدها التاريخي الأكيد. وفي هذا الخضم عرف حزب التقدم والاشتراكية،الذي اتضح انه حزب فاعل ووازن سياسيا،نقاشا و جدالا داخليا حادا وصحيا يعبر عن حيوية نادرة في الحياة الحزبية المغربية ، لأن الامر لا يتعلق بمجرد قرار سياسي من القرارات العادية ، بل بقرار تاريخي ، قرار المشاركة أم عدم المشاركة في حكومة بنكيران، التي ستنظم ، بلا شك، إلى الحكومتين التاريخيتين اللتين عرفهما المغرب: حكومة عبد الله إبراهيم و حكومة عبد الرحمان اليوسفي.وتوج هذا النقاش باتخاذ القرار المعرف يوم السبت 10 دجنبر 2011 ، وهو قرار تاريخي بكل معنى الكلمة سيحدد مساره المستقبلي، و سيبصم ويحدد هذا المسار بكل تأكيد. سؤال كبير كان مطروحا على اعضاء اللجنة المركزية للحزب: هل ينبغي على الحزب ان يشارك في هذه التجربة ( أؤكد أنها تاريخية) أم يعارضها؟ لم يكن من السهولة الجواب السريع على هذا السؤال الكبير، انطلاقا فقط من شعار أو انفعال أو حتى مبدأ... و الأكيد أن أي قرار له تكلفة و تبعات ، و للمشاركة إيجابيات و لها سلبيات ،كما أن للمعارضة إيجابيات و لها سلبيات، لا بد إذن من ميزان دقيق للربح و الخسارة، و بعد التحليل و إستحضار كل المخاطر مال الميزان، وكان لابد في نهاية النقاش والجدل ان يميل إلى الربح و ليس الخسارة بالطبع،حسب ماقدرته الاغلبية الساحقة من اعضاء اللجنة المركزية. 1- المرجعية الإيديولوجية و الموقف السياسي: أول ما تبادر إلى الذهن بخصوص المشاركة هو المرجعية الإيديولوجية للحزب و علاقتها بمرجعية الحزب المكلف بتشكيل الحكومة.. يبدو التناقض واضحا، ولست بحاجة إلى استطراد في هذا الجانب، و لكن السؤال بهذا الخصوص هو: هل كانت مواقف الحزب الكبرى ، ذات الطبيعة التاريخية ( أي المسجلة كعلامات فارقة و حاسمة في تاريخ الحزب) مرتبطة و ملتصقة بشكل اتوماتيكي بمرجعيته الإيديولوجية ام لاعتبارات اخرى؟قثمة مرجعية ايديولوجية لكن ايضا مرجعية تاريخية لايصح تجاهلها. شئ من التاريخ : * في سنة 1946 قرر الأعضاء الوطنيون داخل الحزب الشيوعي بالمغرب ( الذي تأسس سنة 1943 وكان يضم في البداية مغاربة واجانب ) و على رأسهم القائد التاريخي للحزب علي يعتة تغيير إسم الحزب ليصبح الحزب الشيوعي المغربي و بأمين عام وطني هو علي يعتة.. هذا له دلالته و رمزيته بالطبع، لكن ليس هذا هو المهم ، فالأهم كان تبني قضية الاستقلال و إعطائها الأولوية ،علما أن الأطروحة الإيديولوجية التي كانت سائدة آنذاك داخل الحزب الشيوعي الفرنسي و الحركة الشيوعية عامة هي أن الأولوية هي تحرير الطبقة العاملة و سيطرة حزبها على الحكم في البلد المستعمر( بكسر الميم)و بذلك تتحرر الشعوب تلقائياا.. لم يساير القادة التاريخيون للحزب هذه الأطروحة التي تبدو ثورية و لصيقة بالمرجعية الإيديولوجية للحزب ( الشيوعية و تحريرالطبقة العاملة )، بل كان شعارهم الوطن أ ولا و الشيوعية فيما بعد.. *بعد منع الحزب الشيوعي المغربي أواخر الخمسينيات في عهد حكومة عبد الله إبراهيم الإتحادية ( سجلوا ذلك بدون مزيد من التفاصيل) عاش الحزب مخاضا فكريا و جدلا مثمرا، خاصة أن مبررات المنع كانت هي أن الشيوعية ضد الدين و ضد الملكية .. وكان الحزب امام خيارين إما أن يتشبث بالمرجعية الإيديولوجية بشكل دوغمائي، و يعلن تشبثه بالفكر الشيوعي ( المرجعية ) و تجاهله للواقع المغربي ( الملكية و الإسلام) أو يجتهد و يطور فكره ليتمكن من التجذر في الواقع المغربي كما هو و ليس كم تريده النظرية و الاديولوجية ، فكانت المراجعات الفكرية الكبرى التي توجت سنة 1966 بإعلان الحزب اعترافه بالملكية و بالدين الإسلامي، ولم يكن ذلك يعني على الاطلاق تخلي الحزب عن مرجعيته الايديولوجية او خيانة لها،فقد استمر في حربه على الرجعية و الطبقات المستغلة ونشر الفكر الاشتراكي، وقد رفض بعض الرفاق هذه المواقف التاريخية بالنسبة للحزب ودعوا إلى الإخلاص للفكر الشيوعي و رفض هذا الإعتراف (انسحبوا من الحزب ليؤسسوا مجموعة إلى الأمام ثم حزب النهج الديمقراطي لا حقا ) ونعرف مصير كلا المقاربتين. وبفضل هذا القرار التاريخي تجذر الحزب في الواقع المغربي و تمكن من الاستمرار ليصل إلى زمن آخر وهو متحرر من الأغلال الإيديولوجية ، وتطرح عليه اليوم مساهمة فعالة في حكومة يقودها الإسلاميون كان من الممكن، نظريا، أن يرفضوا بالمطلق إشراك الشيوعيين في تدبير الشأن العام ( لو تشبثوا هم الآخرون بالمرجعية ) خاصة أن لهم خيارات أخرى... فبفضل تبصر و بعد نظر القادة التاريخيين للحزب يوجد الآن حزب التقدم و الاشتراكية كقوة سياسية لها وزنها وفاعلة في الحياة الوطنية من منظورع اليساري التقدمي. *في سنة 1955حين تاسيس نقابة الاتحاد المغربي للشغل كذراع نقابي للحركة الوطنية من اجل الاستقلال فضل الحزب الشيوعي المغربي المساهمة الفعالة في تاسيس هذه النقابة الوطنية على الاستمرار في العمل في اطار الكنقدرالية العامة للشغلCGT التابعة للحزب الشيوعي الفرنسي والتي كان يحتل فيها نقابيو الحزب الشيوعي المغربي مواقع قيادية،اختار الحزب ان يتحالف مع حزب الاستقلال ذي المرجعية السلفية في اطار نقابة وطنية عوض البقاء بل وحتى قيادة نقابة شيوعية لكنها تابعة للحزب الشيوعي الفرنسي،الاختيار الوطني قبل الاممي،ومرة اخرى الوطن قبل الشيوعية والوطن ومصالح الوطن قبل مصالح الحزب. * عندما جاءت قضية الصحراء كان الاتجاه السائد في أوساط الحركة الشيوعية و الحركة الثورية في العالم هو دعم ما يسمى بالشعب الصحراوي و حقه في الانفصال و إعتبار البوليساريو كحركة تحرر وطني ،وروج بعض " الثوريين" لفكرة " البؤرة الثورية في الصحراء" ستمتد لمجموع المغرب.. المرجعية الإيديولوجية ، نظريا، كانت تقتضي أن يصطف الحزب في هذا الصف كحزب ثوري، و يدعم أطروحة ما كان يسمى بالحركة الثورية العالمية.. لكن الحزب ، مرة أخرى ، إختار الوطن و مصلحة الشعب المغربي ( الذي هو جزء منه ومعبر عن طموحات فئات و اسعة منه) على المرجعية الإيديولوجية .. * في بداية التسعينات عندما تشكلت الكتلة الديمقراطية كان الحزب امام حزبين بمرجعيتين و إيديولوجيتين مختلفتين: حزب الاستقلال بمرجعيته السلفية المعروفة و الإتحاد الاشتراكي بمرجعيته البعثية ( التي كانت خطيرة آنذاك و تحيل إلى الرعب و الاستئصال)، كان الحزب أمام خيارين : إما استحضار مرجعيته الإيديولوجية و رفض التحالف مع السلفيين و البعثيين و البحث عن حلفاء مفترضين يقاسمونه المرجعية الإيديولوجية ( أي بقايا إلى الأمام ( النهج حاليا) و إلى حد ما منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي كانت تتبنى أيضا إيديولوجية القومية العربية ، و إما استحضار الواقع السياسي ومصلحة الديمقراطية و مصالح الشعب، و كان الإختيار المعروف ، الأهداف المرحلية أولا و الإيديولوجية فيما بعد.. * هل أستمر في سرد الوقائع التاريخية ؟ الموقف من حرب الخليج، دستور 1992،الإضرابات العامة المتحزبة؟... الخلاصة أن المرجعية الإيديولوجية لم تحدد أي موقف تاريخي و حاسم و كبير في كل تاريخ الحزب... 2- التحالفات و نظرية الصراع الطبقي: إن عدم استحضار المرجعية الإيديولوجية في اللحظات التاريخية الكبرى لا يعني ، بالطبع ، غياب هذه المرجعية في كل مواقف و سياسة الحزب وأطروحاته، فلا معنى لهذا القول ، فتحديد الحزب لسياسته في التحالفات مبنية على نظرية صراع الطبقات و المصالح الطبقية ،هكذا بلور الحزب خطاطة عامة للوضع الطبقي و التعبيرات السياسية للطبقات الإجتماعية في المغرب و إعتبر،في حينه، أن حزب الاستقلال يمثل مصالح و مطامح البرجوازية الوطنية، و الاتحاد الإشتراكي يعبر عن البرجوازية الصغرى و الفئات الوسطى عموما، وخارج هذين الحزبين ، فإن الباقي يمثل مصالح الرأسمالية الطفيلية و الرأسمال المرتبط بالشركات الرأسمالية العالمية ، والواضح أن التناقض الأساسي كان مع هذه الأخيرة، و اعتبر الحزب أن لاخيار له إلا التحالف مع البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية المتناقضة مصالحهما مع المعسكر الآخر.. هذا هو أساس سياسة تحالفات الحزب.. لكن عندما ظهر حزب العدالة والتنمية لم يقم، كما باقي الفعاليات الوطنية ومنها المفكرون والمثقفون عموما، بأي جهد نظري جاد لتحليل التركيبة الطبقية لهذا الحزب و الطبقات الإجتماعية التي يعبر عنها، لإتخاذ الموقف الصائب منه، و على أساس طبقي ... ونظرا لغياب هذا الجهد النظري أجازف بالقول ( أقول أجازف) أن الإتحاد الاشتراكي لم يعد لوحده يعبر عن مصالح و تطلعات الفئات الوسطى بل أن حزب العدالة و التنمية ينافسه إن لم أقل أنه هو الذي أصبح يعبر عن هذه الفئات، او على الاقل على جزء كبير منها، إعتبارا للتحولات التي عرفها المجتمع المغربي و لم يتم ، مع الأسف، أي جهد فكري بهذا الخصوص ، و إذا صحت هذه الفرضية فإن التحالف الحكومي مع العدالة و التنمية لا يعدم أساسه الطبقي... 3- التحالف مع العدالة و التنمية و مسألة الحداثة: يجدر التساؤل عن الخطر الذي يمكن أن تشكله حكومة بنكيران على المجتمع المغربي و على الطبقات الكادحة في المغرب ، مادام أن الخطاب السائد اليوم وسط الحداثيين في المغرب يستحضر مفهوم الخطر قبل المكاسب الممكنة للطبقات الوسطى و الكادحة.. هل تشكل حكومة بنكيران ( و لا أقول حزب العدالة و التنمية و هناك فرق أكيد ) فعلا خطرا على الحداثة في المغرب؟ لكن ماهي الحداثة؟ إنه مفهوم نسمعه و نقرأ عنه في الصحف كثيرا بدون أي تحديد ، و ما نقرأه و نسمعه يحيلنا فقط إلى الحريات الفردية، و هناك تركيز خاص على حرية الجسد ( مشروعية التعري العلني واللقطات الجنسية في الأفلام، و المهرجانات الفنية، و استهلاك الخمور...) ثم عندما يرتفع منسوب الفكرقليلا في ما نقرأه هناك مسألة حرية المعتقد.. لست ضد كل ذلك بل أدافع عن الحريات الفردية لكن أتساءل هل يمكن اختصار الحداثة في هذه التجليات التي تبدو مبتذله في نظر فئات واسعة من الشعب ان لم اقل غالبيته؟ هل هذه هي القضايا و المشاكل الكبرى المطروحة علينا و بالأخص على الجماهير الشعبية الكادحة التي يقول اليسار انه يعبر عن طموحاتها؟ الحداثة في تصوري أكبر بكثير من هذه القشور ومن هذه القيم التي كنا، إلى وقت قريب داخل فصائل اليسار ومنها حزب التقدم والاشتراكية، نعتبرها قيم برجوازية وننعت متبنيها بالإستيلاب الثقافي الغربي. الحداثة في تصوري هي الديمقراطية ، هي حماية حقوق الإنسان ، هي الإنتخابات النزيهة، هي الحريات الجماعية و حرية التعبير و النشر،هي المساواة بين الجنسين وبين الجهات، هي التغطية الصحية والحماية الاجتماعية ، هي تعميم التجهيزات الأساسية، هي الحق في المعلومة و التواصل الحديث.. هي الشغل و ضمان موارد العيش لكل أفراد الشعب ، هي الشفافية ( لا فساد مالي أو سياسي) .. هي الكرامة للإنسان المغربي .. هذه هي الأولويات في نظري من موقع الدفاع عن قضايا الجماهير الفعلية ، فالحقوق والحريات الجماعية اولى من الحريات الفردية، والاولوية هنا لاتعني الالغاء من طبيعة الحال. هل يمكن الإفتراض أن حكومة بنكيران ستشكل خطرا حقيقيا على هذه القضايا ، أي قضايا اوسع الجماهير الشعبية،أم العكس؟ هذا هو السؤال الأهم في نظري، و ليس الخطر على بعض الحريات الفردية ( المشروعة طبعا) لكن ليس لها نفس الأهمية و الأولوية مثل قضية محاربة الفساد و ضمان العيش الكريم للمواطن المغربي. وتنبغي الاشارة ان اهم مكتسبات الحداثة ببلادنا تمت دسترتها ،واي حكومة كيفما كان نوعها ملزمة باحترام مقتضيات الدستور، فلسنا امام انقلاب شامل وحكم، وليس حكومة، جديد يقوده الاسلاميون ويفرضون كل خياراتهم ومشروعهم المجتمعي الذي حسم فيه الدستور الجديد. 4- إعتبارات سياسية: قبل الإنتخابات بشهور وجد حزب التقدم و الإشتراكية نفسه، موضوعيا، بجانب حزب العدالة و التنمية في معركة محاربة الفساد السياسي و مواجهة نزوع سلطوي لجهة سياسية نافذة، و مواجهة إرادة تحجيم حزب وطني و العمل على التضييق على حزب التقدم والإشتراكية بأساليب رهيبة ، عرف الرأي العام الحزبي و الوطني بعضا منها، و ما خفي أعظم ... و تبلور شعار المرحلة الموحد بين الحزبين ( دون تنسيق مسبق)، و عمليا بين فعاليات وطنية من مختلف المشارب، وهو شعار محاربة الفساد السياسي المالي... هذا المعطى كانت له اهميته في بلورة الموقف السليم للحزب من المشاركة في حكومة يبدو أن شعارها الأساسي هو بالذات محاربة الفساد، لقد كان السؤال: هل من المستحب الإنخراط في هذه المعركة من موقع المسؤولية و التنفيذ ام من موقع المعارضة ، و معارضة ماذا في نهابة المطاف؟ - حكومة بنكيران هي أول حكومة بعد المصادقة على الدستور الجديد. ومهمتها، إضافة إلى تدبير الشان العام من منظور جديد، تنزيل المقتضيات المتقدمة للدستور الجديد ، ومنها على الخصوص صياغة 18 قانون تنظيمي مكملة للدستور وبدونها يبقى الدستور بدون تاثير فعلي على الحياة العامة، و لها أهمية قصوى و مؤثرة على مجمل الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعبة و الثقافية و لسنوات، وربما لعقود، ومن هذه القوانين التنظيمية من لها أهمية خاصة عند حزب التقدم و الإشتراكية نذكر بالخصوص ما يتعلق بالأمازيغية و المساواة و الشباب و المسألة الإجتماعية، فهل من الأنجع المساهمة الفاعلة في صياغة مشاريع هذه القوانين من داخل الحكومة أم الإكتفاء بتقديم تعديلات داخل البرلمان على مشاريع الحكومة وليست هناك أي ضمانة لتمريرها، لكون الأغلبية الحكومية هي الحاسمة ،و إعتبارا لحجم فريق الحزب بمجلس النواب. - ثمة إنطباع أن جزء هام من الشعب المغربي يساند السيد بنكيران والحكومة التي سيتراسها كتعبير عن رغبة الشعب في التغيير و بالأخص في محاربة الفساد،ولعل استطلاع الرأي المنجز مؤخرا من طرف مؤسسة مختصة والذي يفيد ان 82 في المائة من المغاربة يثقون في حكومة بنكيران، يعني الشيء الكثير رغم هامش الخطأ الموجود دائما في أي استطلاع للرأي. و هذه اول حكومة جاءت برغبة من الشعب، و أول حكومة في تاريخ المغرب تحضى بدعم شعبي واسع...فحتى حكومة عبد الرحمان اليوسفي جاءن برغبة من الملك الراحل الحسن الثاني، فهل كان من المفيد ، من الناحية السياسية ، معارضة حكومة بهذه المواصفات؟ وهل كان الحزب سيكسب دعما جماهيريا أم سخطا عليه في حالة تموقعه في المعارضة؟ علما أن اوساط واسعة داخل الشعب تعتبر عدم دعم هذه الحكومة تعبير عن الرغبة في عدم نجاحها ومن ثمة إسقاطها.وبالتالي خدمة هولدينغ الفساد المالي والسياسي موضوعيا؟. وماذا سيكون موقف الشعب، اعني غالبيته، ممن عمل على افشال هذه التجربة الجديدة؟ وفي حالة إسقاطها من طرف هولدينغ الفساد السياسي و المالي الذي يشتغل في هذا الأفق ، فما هو البديل المطروح ؟ حكومة بزعامة التجمع أو الأصالة و ما تبقى من ج8 بدعوى أنها حكومة حداثية مقابل حكومة المحافظين كما يسوق البعض في إطار الفرز المزعوم؟ إنها أسئلة كان لابد من استحضارها في هذا المنعطف التاريخي الكبير.. - المغرب بحاجة اليوم إلى حكومة قوية ناجعة تقدم إجابات عن الإشكاليات الكبرى المطروحة، ومنجزات و أعمال يلمسها الشعب و الجماهير الكادحة على وجه الخصوص، و ذلك اعتبارا للمحيط العام للحراك القائم و لأجل ضمان الاستقرار وعدم الزج ببلادنا في مسارات غير مأمونة العواقب .. مطروح على المغرب أن يحقق عن طريق الديمقراطية ما تريد عدد من الشعوب تحقيقه بوسائل أخرى ليست دائما ناجعة ... فشل هذه الحكومة قد يؤدي إلى فقدان الشعب لثقته في كل الفاعلين السياسيين الحاليين بكل اصنافهم ، والطبيعة تخشى الفراغ كما يقال و لاأحد يمكن له أن بتكهن أو يطمئن للوضع السياسي الذي يمكن أن ينشا نتيجة لذلك.. لذلك اختار الحزب ان يدعم هذه التجربة وهو الموقف الذي اعتبر صائبا من طرف فئات واسعة من الشعب المغربي بكل تاكيد. الخلاصة : - المرجعية الإيديولوجية لم تكن أبدا محددا حاسما لمواقف حزب التقدم و الاشتراكية في اللحظات التاريخية الكبرى و المرتبطة بالمصالح العليا للوطن و الشعب. - هناك تناقضات أكيدة بين حزب التقدم و الاشتراكية و حزب العدالة و التنمية على المستوى الإيديولوجي، لكن هناك نقاط لقاء عديدة ، مرحليا، وبشكل خاص محاربة الفساد السياسي و المالي و الانحياز للطبقات الاجتماعية الكادحة و الفئات الوسطى. - هذا التحالف مرحلي بين عدة أحزاب و ليس فقط مع العدالة و التنمية، و يحكمه برنامج حكومي و ميثاق للأغلبية ، إنه تحالف سياسي و ليس إيديولوجي. - مصالح الشعب عامة و الطبقات الكادحة خاصة تقتضي الإنخراط في بلورة و إنجاز برنامج حكومي يلبي طموحات هذه الجماهير أو بعضها الأكثر إلحاحية. - مصلحة الحزب لأجل تجذره أكثر و توسع إشعاعه وتقوية حضوره في الساحة الوطنية، ولأجل تحقيق ولو جزء من برنامجه الاقتصادي و الاجتماعي ، تقتضي التواجد في مراكز القرار وليس خارجها،وهذا في العمق يخدم اليسار والحداثة وليس العكس كما يتصور البعض انطلاقا من موقف مسبق وربما لوجود حاجز سيكولوجي كان لابد من كسره ولو جزئيا لينطلق حوار عملي بين الإسلاميين المعتدلين واليساريين المعتدلين كذلك، فكما طور حزب التقدم والاشتراكية مواقفه وتخلى عن بعض الاطروحات التي لم تعد تلائم تطور المجتمع والتاريخ مثل دكتاتورية البروليتارية والملكية الجماعية لوسائل الانتاج ،افترض ان الاسلاميين المعتدلين سيطورون تفكيرهم وممارساتهم وهم يمارسون تدبير الشان العام،وقد بدؤا بالفعل في ذلك وطمان السيد بنكيران علانية وبكل وضوح جزء من المجتمع الحريص على عدم المساس بالحريات الفردية،والمساواة بين الجنسين وحرية الفكر والابداع، وهو غير قادر على ذلك حتى لو اراد اعتبارا لحيوية المجتمع المدني في المغرب من جهة وحرصا على التوافق داخل الحكومة المهددة بالانفجار في حالة الاقدام على المساس بمكتسبات الحداثة،في بعض جوانبها الاكثر اثارة للجدل،نظرا لوجود مكون حداثي وتقدمي داخل التشكيلة الحكومية،وهنا ينبغي الانتباه لاهمية وجود حزب التقدم والاشتراكية في هذه الحكومة. - موقع الحزب في المعارضة سيجعله يتواجد، موضوعيا، بجانب التعبيرات السياسية لقوى الفساد ،وكل من مارس العمل البرلماني يعلم ان التنسيق ضروري بين مكونات المعارضة في اللحظات الحاسمة،وهو ما قد يشكل مغامرة كبرى بمستقبل ومصير الحزب. - لكل هذه الاعتبارات كان موقف حزب التقدم والاشتراكية من المشاركة في حكومة بنكيران صائبا.... *عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية