حصل حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تم إجراؤها يوم الجمعة 25 نونبر 2011، وبناء على هذه النتائج وتماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد، تم تعيين بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة من طرف الملك. تمكن الحزب الإسلامي من الحصول على 107 مقعدا، أي ما يمثل 27 % من المقاعد البرلمانية، فهذه النسبة، لا تمكنه من قيادة الحكومة بمفرده، لهذا فهو مضطر للبحث عن أغلبية مريحة، لهذا أضحى هذا الحزب مجبرا على الدخول في تحالفات مع الأحزاب الأخرى، ولتحقيق هذا الغرض، أجرى الأمين العام للعدالة والتنمية عدة اتصالات ومشاورات شملت بالخصوص أحزاب الكتلة الديمقراطية ومنها حزب التقدم والاشتراكية، لكن الشيء المؤسف له أن بعض الأطراف داخل الحزب بدأت تلوح بالمشاركة الحكومية للحصول على غنيمة الاستوزار. إن هذا الاختيار الفوقي لا يعكس تماما تطلعات وطموحات مناضلي حزب التقدم والاشتراكية لعدة اعتبارات أبرزها: I- هذه المشاركة تعرض الحزب لأخطار متعددة وتخلق له مشاكل ومصاعب كثيرة وتسبب له الوقوع في ورطة حقيقية يصعب الخروج منها، كما تجلب له السخط والتذمر الشعبي في اتجاه إنهاء وجوده بالساحة السياسية. إن هذا المنزلق الخطير يفرض علينا بعض التساؤلات من قبيل: على أي أساس ستتم عملية المشاركة ؟ ما طبيعة البرنامج المعتمد ؟ وهل يتضمن الحد الأدنى من الاختيارات الأساسية المبنية على نقطتين جوهريتين: * تعميق الديمقراطية. * الحكامة الجيدة والرشيدة التي تتيح إمكانية محاربة الفساد وتخليق الممارسة السياسية. هذه القضايا الجوهرية ليست جديدة، إذ شكلت أحد المطالب الأساسية لحزبنا التقدمي، وتتمتع بحضور قوي ووازن في البرنامج الحزبي منذ سنوات. وعلى النقيض من ذلك، فبرنامج حزب البيجيدي لا يجيب عن كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تعاني منها بلادنا، لهذا يصعب توقع ما سيكون عليه الحال بعد تشكيل الائتلاف الحكومي، إذ من المؤكد أن يكون حكومة تصريف أعمال، لا تملك رؤية سياسية واقتصادية أو اجتماعية. إذن، هذه التحالفات الهجينة لا تشجع بتاتا على خلق جو ديمقراطي سليم يسمح لكافة الأطراف المشاركة أن يكونوا شركاء في تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، فالنتيجة المنتظرة هي الفشل التام، وتصاعد تيار المقاطعة للانتخابات وللعمل السياسي برمته، وكذا تشجيع تكوين تحالفات غير طبيعية بين تيار اليسار والتيار السلفي، مما يفضي إلى إخفاق التجربة الحكومية. فكيف سيبرر قائد السفينة الحكومية تجربته ؟ من المؤكد أنه سيوجه أصابع الاتهام إلى الأحزاب الاشتراكية المشاركة، ويعتبر أن لها اليد الطولى في شل حركيته وفعاليته. أمام هذه الحقائق والمعطيات، يجب تنبيه المهرولين نحو الاستوزار والمشاركة الحكومية من أجل الحصول على الغنيمة وتقاسم الكعكة بالانعكاسات السلبية لهذا الاختيار الخاطئ، فهل مشاركة حزب التقدم والاشتراكية ستساعده على إبراز هويته التقدمية والاشتراكية؟ المؤكد أن توجهات واختيارات الحزب سلمية مبنية على نبذ العنف كأسلوب نضالي وتبني الاختيار الإصلاحي، وإعطاء الأولوية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، متشبث بكل الالتزامات الاجتماعية خاصة ما يرتبط منها بالحياة المعيشية اليومية للجماهير الشعبية والتي تساعد على تقوية لحمة التضامن في مجتمعنا. على النقيض من ذلك، فوضعية حزب المصباح ليست باليسيرة، فقد قدم وعودا كبيرة تعكس التزاماته وتعهداته اتجاه المقاولين ورجال الأعمال والمال المغاربة والمسؤولين الغربيين قبيل إجراء الاستحقاقات الانتخابية، حيث نلاحظ تشابها كبيرا بين الحزب الإسلامي المغربي وحزب العدالة والتنمية التركي الذي وصل إلى السلطة بدعم من القوى الرأسمالية الغربيةالأمريكية والأوربية التي غدت تعتقد أن الأحزاب الإسلامية في العالم العربي والإسلامي تلاميذ نجباء للنظام النقدي العالمي. لا شك أن توجه حزب المصباح واختياراته تتناقض كليا، وإيديولوجية حزب التقدم والاشتراكية الذي لا يتوانى في تقديم انتقادات لاذعة لاختيارات وتوجهات النظام العالمي الجديد وتدخلاته اللامعقولة في الشؤون الداخلية والتي لا تتماشى وإرادة الشعوب، كما يتمتع باستقلالية قراره عن القوى الرأسمالية العالمية. حزب التقدم والاشتراكية حزب تقدمي حداثي يؤمن بمبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لضمان التقدم الاقتصادي، كما سعى الحزب اليساري عبر مساره النضالي الطويل، سواء أثناء مرحلة المعارضة أو مرحلة مشاركته في الحكومات السابقة ? كحكومة التناوب لإدارة الشأن العام ? إلى تعزيز المشروع المجتمعي الحداثي بمساهمته الفاعلة في تحرير المعتقلين السياسيين والدفاع عن الحريات العامة وحقوق النساء والأطفال. فهل هذه الاختيارات الحداثية ستستمر مع حزب العدالة والتنمية ؟ II- المشاركة الحكومية وعرقلة مسار التطور الديمقراطي: لا شك أن دخول الحزب في الحكومة الائتلافية سيشكل خطأ جسيما لا يمكن تحمله، إذ يقود إلى عرقلة الديمقراطية التمثيلية بالخصوص والتي تمنح مؤسسة البرلمان دورا فاعلا وحيويا في الحياة السياسية والدفاع عن مصالح المواطنين، كما أن الديمقراطية الحقيقية ترتكز على مبدأ التناوب والتداول على السلطة انطلاقا من مرجعيات إيديولوجية وبرامج مجتمعية متشابهة أو متقاربة على الأقل، وليست متناقضة، فحزب التقدم والاشتراكية ذو هوية اشتراكية تقدمية وحداثية، ويسعى إلى تعزيز الحريات المدنية والسياسية والحقوق الثقافية والتي تشكل حجر الزاوية في إرساء قواعد المجتمع الديمقراطي الحداثي، أي مجتمع العدالة والمساواة والكرامة، عكس حزب البيجيدي ذي المرجعية الفكرية المحافظة على القيم الأخلاقية، والليبرالية في الجانب الاقتصادي، فالطابع المحافظ يقلص دور المرأة ويهمشها ويكرس التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق، لهذا يمكن القول أن الخطاب السلفي الإصلاحي لا يساعد على الحد من الصعوبات الاقتصادية والمعضلات الاجتماعية. بناء على ذلك، فإن أي تحالف بين حزب التقدم والاشتراكية وحزب المصباح سيكون تحالفا مصطنعا وظرفيا لا يستند إلى أسس متينة. وفي هذا الصدد، يرى المتتبعون للشأن السياسي أن مثل هذه التحالفات المبنية على أسس واهية قد شهدها المغرب في فترات تاريخية سابقة، إذ يرتكزون في رفضهم لهذا النمط من التحالف الهش على تجارب عديدة، أهمها: أ- التجربة الوطنية: المتمثلة في تأسيس الكتلة الديمقراطية بعد صراع طويل مع الجهاز المخزني في إطار ما سمي بسنوات الرصاص. ب- التجارب الدولية: تتجلى في التجربة السياسية الفاشلة التي عرفتها ألمانيا والمتمثلة في تحالف حزبين متناقضين إيديولوجيا: الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة "ميركيل"، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي فقد بريقه وقوته من جراء هذا التحالف الهجين. فهذه التجارب الفاشلة تتطلب منا أن نكون أكثر وعيا بواقع التحالفات الحكومية خصوصا تلك التي تتم بعد إجراء الانتخابات، إذ تقود إلى نتائج كارثية، ولعل واقع الصراع الحاد الذي اشتدت وتيرته خلال هذه السنة بين بعض مكونات الحكومة السابقة: حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، خير دليل على ما نذهب إليه. يتضح لنا مما سبق، أن هناك جملة من الأسباب الوجيهة تجعل مشاركة حزبنا معرضة للإجهاض ومن أهمها: الاختلافات الإيديولوجية الصارخة. فمن شأن هذه المشاركة أن تؤدي إلى هندسة حكومية ضعيفة تفتقد إلى الانسجام والفعالية، يغيب فيها روح التضامن ويحضر فيها الصراع الحاد بين مكوناتها، كما تقود إلى الضبابية والغموض في المشهد السياسي، وخلط الأوراق، ولا تساهم في فتح أفق سياسي جديد. وتدعيما لما طرحناه، فإن الدستور الجديد الصادر في فاتح يوليوز 2011 طرح مسألة توسيع حقوق المعارضة وتقويتها في الحياة السياسية والنهوض بمسؤوليتها وأدوارها الرقابية الواسعة، وجعلها قوة اقتراحية وازنة وبناءة، وتعزيز دورها الفاعل المتمثل في المساءلة وبلورة وتقييم السياسة العمومية خدمة للديمقراطية. إن اختيار الحزب اليساري التموقع في الحكومة المرتقبة لا تتماشى وهويته الاشتراكية ومبادئه التقدمية والحداثية، ولا تخدم مصالحه. فموقع حزب التقدم والاشتراكية في الظرفية الراهنة هو المعارضة البناءة والجادة لا العنيفة والهدامة، ففي إطارها يمكن أن يقترح الحلول الناجعة ويقدم البدائل المناسبة، ويناقش مختلف القضايا الجوهرية في البرلمان وفي وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، كقضية المالية، والتربية والتكوين، والشغل، وتشغيل الأطفال كخادمات البيوت. الخلاصة: إن المشاركة في حكومة بنكيران ستعرض حزبنا لهزات عنيفة ومخاطر عديدة أبرزها: * إضفاء نوع من الضبابية والغموض على هوية الحزب. * هدم الأسس الإيديولوجية للحزب وتهديد وجوده. * غرس الإحباط واليأس في نفوس المناضلين الشرفاء ودفعهم إلى الانسحاب أو تجميد العضوية. * فقدان الناخبين الأوفياء. إذن، هذه المشاركة لا تخدم مصلحة الحزب بتاتا ولا المصلحة الوطنية المتمثلة في: * انتظارات الفئات الشعبية وحاجتهم الماسة إلى الاستجابة لمطالبهم وتطلعاتهم التي تجسدها العدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف، وتحسين ظروف حياتهم. * تطلعات الطبقة الوسطى في إيجاد الحلول الناجعة لمشاكلها وهواجسها. * حاجات المقاولين في تدخل الدولة لتصفية مشكل المأجورين، تفاديا للصراعات والاصطدامات وتحقيقا للسلم الاجتماعي.