منذ تأسيسها عقب اغتيال الشهيد عمر بنجلون سنة 1975 ، شكلت الشبيبة الاتحادية مدرسة حقيقية لتكوين وتأطير الشباب الاتحادي، ومشتلا لانتاج الكفاءات والاطر، التي تتحمل اليوم مسؤوليات عديدة في مختلف المجالات والقطاعات. وساهمت الظروف السياسية التي كانت ترخي بظلالها على مغرب السبعينات وقبل ذلك،في ان تجعل من مسؤولي ومناضلي الشبيبة، الذين قضت ارادتهم من حجرعلى امتداد الوطن ان يكونوا امام مهام نضالية مزدوجة، اي بناء الذات وتوسيع قاعدة هذا القطاع، وايضا القيام بادوار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،بحكم ان قادته كانوا مختطفين أومعتقلين بشكل تحكمي، كما ان المقرات الحزبية كانت مغلقة من طرف النظام السائد انذاك. المهمة المزدوجة التي تحملها خيرة الشباب المغربي بتفان ونكران الذات، جعلت الشبيبة الاتحادية تكون حاضرة مؤثرة في المشهد السياسي، بل لا يمكن الحديث عن الاتحاد الاشتراكي بدون الحديث عن ادوار الشبيبة الاتحادية ومواقفها، وهو ما جعلها تسود فكرا وممارسة في المجتمع المغربي،خاصة في صفوف الشبيبة المغربية ويتجاوز حضورها وتأثيرها حدود الوطن. لتسليط الاضواء على جزء من هذه الذاكرة الجمعية نستعرض في هذه السلسلة العديد من المواضيع التي كانت تستأثر باهتمام الشباب الاتحادي، والتي مازال الكثير منها يلقي بظلاله في المغرب الراهن، كما هو الحال بالنسبة للنقاش الذي دار في الملتقى الوطني للشبيبة الاتحادية بالمعمورة مابين 27 - 31 مارس 1978 وغيرها من المحطات التي سنحاول استرجاع تفاصيلها في فسحة هذا الصيف. ويضيف خالد عليوة في إطار رصده للحركات السياسية في المجتمع المغربي بالتأكيد على أن انشقاق 1959 لم يكن نتيجة لمشكل داخلي في حزب الاستقلال، بل نتيجة لتناقض إيديولوجي عميق، ففشل البرجوازية الوظيفية وضعفها في توجيه وهيكلة المجتمع على النمط الذي تريده الجماهير الشعبية هو الذي أدى إلى انفجار 59 وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذا الانشقاق الذي لم يأت فقط نتيجة لغياب الديمقراطية داخل حزب الاستقلال، بل كما قلنا، هو نتيجة لصراع ايديولوجي حاد، ولأن الجماهير الشعبية تطالب بحقها في أداة تعبير سياسية عن مطامحها، كما أن ذلك الانشقاق لم يكن نتيجة لصراعات فردية بين أشخاص، بل جاء تلبية لرغبة الجماهير الشعبية في التغيير، وطرح بديل شعبي لمشكل السلطة وقد كان مطروحا: هل يعيش المغرب في نظام ديمقراطي دستوري أم تكون الدولة منسلخة عن الجماهير؟ وعندما برهن حزب الاستقلال عن فشله في طرح بديل للهياكل الاستعمارية انتفضت الجماهير وأسست الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، واتضحت معالم الصراع التي تحولت من صراع وطني إلى صراع طبقي. أما بالنسبة للحزب الشيوعي المغربي فقد كان مؤهلا لقيادة النضال الشعبي ضد الاستعمار، لو ربط بين الصراع الوطني والصراع الطبقي، إلا أن افتقاده لهذا الربط جعله يعارض التوقيع على وثيقة الاستقلال، كما صفق لحملة القمع التي تعرض لها الوطنيون بدعوى أنهم يخدمون النازية، بالاضافة إلى افتقاده لتصور صحيح وسليم لمشكل الاستقلال.. كل هذه العوامل جعلته يهمش نفسه ويلعب دورا سلبيا في مرحلة النضال الوطني، وهو يتحمل مسؤولية أن النضال الوطني في المغرب لم يربط منذ البداية بالنضال الطبقي بشكل ناضج. إلا أنه يجب أن نتلمس حقيقة واضحة وهي أن انتقاضة 59 لم تكن منظمة بشكل يجعلها قفزة نوعية في التنظيم السياسي بالمغرب (غياب المفهوم العلمي للتنظيم، وغياب الخط الايديولوجي الواضح)، ولأن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان المعبر الحقيقي عن مطامح الجماهير الشعبية فقد كان القمع يسلط عليه كلما احتدمت معالم الصراع الطبقي والسياسي في المغرب. 4 - يلاحظ أن بعض الهيئات السياسية تعاني من الثنائية فحزب الاستقلال مثلا لا يعبر عن مصالح طبقته بوضوح، بل يدعي الانحياز إلى الجماهير (برنامج التعادلية) مع أن التعادلية هي تجريد للصراع الطبقي ومعناها تكافؤ الفرص. ولكن كيف وبين من ومن...؟ هل تكافؤ الفرص هو السماح للرأسمالي أن يستغل ثروات البلاد دون أن يضايق رأسماليا آخر؟ هل تكافؤ الفرص هو بين الفلاح الصغير والملاك الكبير؟ إنها - أي التعادلية - تتستر بشعار العدالة الاجتماعية، لكنها لا تطرح المشكل في العمق وهو: هل نمو الانتاج يجب أن يتم في شكل يكرس الاستغلال الطبقي أم لا؟ الحقيقة أن التعادلية ماهي إلا تزكية للصراع الطبقي سياسيا ومحاولة طمس معالمه. ومعناها العميق هو تكافؤ - تعادلية بين البرجوازية التقليدية والبرجوازية البيروقراطية التي خلقها الاستعمار. وأكد في عرضه أن حزب الاستقلال هو تعبير عن الطبقة البرجوازية التقليدية التي لها تناقض ظرفي مع البورجوازية السلطوية، مع وجود هدف استراتيجي هو محاولة السيطرة على وسائل الانتاج، لأن العدالة الاجتماعية إذا لم تضرب الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وإلغاء التفاوت الطبقي فهي فقط من أجل تكريس الاستغلال. أما حزب التقدم والاشتراكية فإنه يدعو إلى تتميم الثورة الوطنية الديمقراطية ونطرح سؤالا أوليا: هل فعلا شرعنا في تطبيق الثورة الوطنية الديمقراطية حتى نعمل على تتميمها؟ معنى الثورة الوطنية هو أن على المجتمع ما قبل الرأسمالي عليه أن يمر بالمرحلة الرأسمالية لكي يحقق الاشتراكية، وهذا تحليل خاطئ، لأن المرور بالمرحلة الرأسمالية ليس حتميا، ومن يؤمن بالعكس فهو يحرق مفهوم الصراع الطبقي، وهدفه التحالف المرحلي مع البرجوازية، فإنجاج الاشتراكية يقتضي التحالف ما بين القوات الشعبية لقيادة الطبقة العاملة، لكن نظرا لوزنه الضئيل، هل يضمن الحزب الشيوعي أن يضمن قيادة هذا التحالف، الجواب بالطبع لا. (فالثورة الوطنية الديمقراطية ظهرت بين الثورة البرجوازية والثورة البرولتيارية عندما كانت روسيا قبل الثورة تعيش تحت ظل حكم ديكتاتوري إقطاعي، ولم تقم البرجوازية الروسية بدورها التاريخي حيث كانت أضعف من البرجوازية الاوربية، وسقط الحكم القيصري الروسي، وكانت آنئذ البرجوازية و الطبقة العاملة في المعارضة، وتسلمت البرجوازية الحكم وهنا طرح مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية.