قتلى بالعشرات .. تخريب بيئي .. سلطة تتفرج ! "المحاصيل" تضخ في مسارب الريع المتخصص في صنع الخرائط الانتخابية نقدم هذا التحقيق الذي أنجزناه عن مافيا الرمال و المتورطين معها ، حتى يتبين قارئ الجريدة safitoday، أننا لا نتجنى على أحد و لا نستهدف أيا كان بعينه، الإعلامي الحقيقي و الصحافي المهني واجبه هو كشف الحقيقة للرأي العام و اعتبار دوره الإعلامي أمانة يطوقه بها عقل القارئ ، آسفي تعرف ظاهرة القتل المجاني بسبب مافيا الرمال . نقدم هذا التحقيق الذي يشارك في مسابقة الجائزة الوطنية للتحقيق بالمغرب ، لسنة 2009 . و التعليق للقراء الأوفياء . أنجز التحقيق: محمد دهنون كانوا في البداية لصوصا صغارا .. يسرقون الرمال و يبيعونها بهدوء.. لا احد يعترض سبيلهم مادامت العملية مستورة و لا تخلف وراءها فضيحة. و مع توالي الأيام تطور اللصوص ليصبحوا مافيا مهيكلة و منظمة تضم في صفوفها سياسيين و نافذين و مسؤولين .. و توسعت الأنشطة، لم يعودوا يأكلون لوحدهم ، الكل مستفيد و ما تبقى أو راج يدخل في الصناديق السوداء التي تصنع الخرائط الانتخابية بإقليم آسفي. كان الحديث في البداية يدور هامسا عن تورط رئيس جماعة قروية أو برلماني مع مسؤول في الدرك أو رئيس قسم في العمالة أو مسؤول ثان و ثالث بنفس البناية، الكل يعرف ماذا تفعل هذه الشبكات من تخريب للبيئة البحرية و تدمير للطرقات و لا أحد ناهض هذه السلوكات. أصبحت الظاهرة، ظاهرة سرقة الرمال ممارسة مألوفة إلى أن بدأت لائحة الضحايا تزدحم و أصبحت بعض الشهور من السنوات الأخيرة تسجل أكثر من عشرين آدمي و آدمية راحوا ضحية القتل الهمجي بشاحنات الرمال. ترى ما هي أساليب اشتغالهم، . كيف يفكرون و ماذا يفعلون للإبقاء على مصالحهم الرملية ؟ من يتواطأ معهم ؟ كيف يدفنون الأبرياء تحت عجلاتهم المجنونة . تلك أسئلة كانت محط تحليل عميق ذهب في اتجاه البحث عن أجوبة لها في الواقع المعيش، أي في جنح الظلام ، فكانت ولادة هذا التحقيق الذي استغرق منا وقتا ليس بالهين، لكن الحقيقة هي الأساس و إبلاغها إلى الرأي العام هي وظيفة الإعلام . حيا على العمل..! بمقدور أي كان ركن سيارته في إحدى مداخل المدينة، عندما تخف الحركة سواء في الطريق المؤدية على المعامل الكيماوية أو طريق الحبس أو طريق البدوزة .. ثلاثة مخارج و مداخل تشكل عناوين الجريمة.. أي مسؤول أو مواطن عادي سيلاحظ السفريات المكوكية لعشرات الشاحنات طوال الليل و بداية الصباح .. لا يتوقف هديرهن، يدخل سائقوها بسلام ، يفرغون الحمولات، يعودون أدراجهم غانمين إلى المقالع غير المرخصة بالشنينات ، الجليدات ، سيدي بوسكسو، سيدي الراضي، سيدي دانيال ، البرنس ، الرغاية، الرميلية .. في هذه الأماكن المعلومة لدى الجميع ، ينتظر أصحاب البالات ، لا يتعدى أمر الشحن أكثر من عشر دقائق للحمولة، أدرع مدربة، بخبرة و مراس يومي يتحرك هؤلاء ، هم في الأصل بدو تلك المناطق اختاروا البحث عن لقمة العيش بتلك الطريقة، يقولون إنها "رملة الشعب حنا نموتو بالجوع" .الشاحنة يتناوب عليها اثنان .. واحد للصباح و واحد للمساء ، ذخيرتهم مع مساعديهم هي السربيسة و الحشيش، عقيدتهم إشربْ و سُقْ و ارْمِ الخاوي، ليس لك من هدف سوى حمل الرمال ، و من جاء في طريقك دُسْهُ و لا تخف .. فالطريق يجب أن تكون سالكة لتوصيل الشحنة، واه .. المخزن خوا الطريق ، و المواطنون يضيعون علينا متعة السرقة و السكر و لذة السياقة الجنونية ، هكذا يفكرون . الشاحنة منزوعة الأرقام ، مجهولة ، يعمدون إلى شد نوع من المطاط على اللوحة الرقمية أو يلجأون إلى دهن اللوحات "بالزيت المحروقة" و رشها بالرمال، أو ليست هذه سياسة الأرض المحروقة !.و هكذا يمتد عمل هذه القوافل بشكل يومي و مسترسل، لا ناهي و لا منتهي. الفضيحة التي لا تلد إلا الفضيحة .. مافيا الرمال هاته عندما أحست أنها مستقوية بالنفوذ و العلاقات ، و أن لها ما يكفي من البرلمانيين و المستشارين الذين يسندوها و الذين يقومون أيضا بالوساطات لدى اعتقال صاحب شاحنة أو قاتل أصح ، لم تعد تأبه بالطريق و لا مرتاديها، المهم هي الملايين التي تدخل يوميا إلى صناديقها و جيوب شبكاتها ، نم مطمئنا يا مسؤول .. حصيصك سيصلك، و هم "لا ينظفون" سوى الشواطئ التي أعاقت الرمال الطريق إليها !.الفضيحة هي أن الشاحنات بدأت في حصد رؤوس المواطنين، طبيب قادم من منتجع الصويرية لقي حتفه ، موظف التجهيز البسيط أرسلته إدارته لإزالة الوحل عن إحدى الحافلات السياحية ، فصلوا رأسه عن جسده ، بعدما توقف لينقذ من تبقى في حادثة سير وقعت قبل وصوله و أبطالها "شوماخارات ديال الرملة" ..بائع خرشوف يعول أسرته شتتوه بخضراواته و خسه و فجله في طريق للافاطنة، نساء عاملات في تصبير السمك خارجات للتو من الفابريكة ( المعمل) ، شاحنة عمياء بدون إنارة تسير بسرعة قصوى، حصدت الجميع ، دزينة من البائسات في الإنعاش و اثنتان إلى القبر واحدة حامل تنتظر زغرودة الولادة . هرب صاحب الفعلة . خرجت جمعيات حقوقية في وقفات احتجاجية. المصيبة أن القاتل عندما اعتقل ، ماذا وجدوا عنده ؟ صحيفته القضائية مدون عليها ما يلي.. قتل ثلاثة ناهيك عن المشردين و ذوي الإعاقة الدائمة ، توبع سنة 2007 بجنحة حادثة سير مميتة مع جنحة الفرار و انعدام التأمين، توبع أيضا بجنحة حادثة سير مفضية إلى جروح بليغة ، متبوعة بحادثة سير مميتة و جنحة الفرار مع حالة العود ، و توبع أيضا في سنة 2005 بجنحة سرقة الرمال و عدم الامتثال و عدم إشهار لوحة الترقيم ، و في سنة 2002 توبع بجنحة حادثة سير مفضية إلى جروح و الفرار . السؤال .. من يحكم مثل هذه الملفات ؟ دخَل / خَرج !..
زمن المْجَلخ ..! و بما أن الشيء بالشيء يذكر، فمن البديهي أن ننبش في مسارات "ليطاماجور ديال المافيا" و من معهم من نافذين يفتحون لهم نوافذ على مسارب الريع و مواقع الاستفادة الرخيصة و المسروقة. لدى اشتغالنا على هذا الملف ، لم نجد أدنى صعوبة في الوصول إلى المعلومات و عددنا مصادرنان الشيء بالشيء يذكر لكن النتيجة كانت واحدة، رؤوس معروفة و علاقات مشبوهة و تفاصيل فاضحة و فادحة .. ليتأمل القارئ .. أكبر مهرب للرمال يشتغل تحت إمرته أسطول من الشاحنات، الشريط الساحلي لآسفي يعرفه ، ينادونه "المجلخ" و هو الإسم الفني بطبيعة الحال ، يملك :شاحنة من نوع usuzu رقمها 8 / أ / 5737 شاحنة من نوع usuzu رقمها 70/ أ / 133 إضافة إلى آخرين تتوفر الجريدة على أسمائهم و نورد هنا بعض أرقام شاحناتهم القتالة..شاحنة من نفس النوع رقمها 55 / أ / 886 شاحنة من نفس النوع رقمها 7 / أ / 37754شاحنة من نفس النوع رقمها 54/ أ / 15968 شاحنة من نفس النوع رقمها 26/ أ / 55145شاحنة من نفس النوع رقمها 38 / أ / 3376 شاحنة من نفس النوع رقمها 6 / ب / 4056 كم من "مكلخ" عفوا مجلخ يسرق الرمال و آلياته معروفة ، كيف توصل إليها الفاعلون في المجتمع المدني و الحقوقي ولم تتوصل إليها الجهات المسؤولة ؟ عدم الرغبة في التوصل إلى مجرمي الرمال هو تنصل من المسؤولية أو تواطؤ مكشوف فيه تبادل للمنافع و الإتاوات و هذا ليس بالشيء الجديد. يحكي مسؤول بإحدى الجمعيات المحلية عن ذلك بقوله : "ما يقع في شاطيء الإقليم أمر فظيع ، كل من يسرق الرمال معروف عند الدرك و عند القضاء ، من يتستر عليه ؟ هناك احد الرؤوس الفاعلة يقف عند مداخل المدينة ليؤمن الطريق للحمولات المسروقة و لا يتأخر في تأدية الواجب مع من هم مكلفين بالسهر على أمن البلاد و الطريق . ألهذا الحد أصبحت الرشوة مستشرية في بعض الأجهزة و أنا أحمل مباشرة جهاز الدرك مسؤولية ما يقع". عندما تدخلت الولاية.. أصبح القتلى بالعشرات في الحولين الأخيرين، كل صباح تستيقظ المدينة على جريمة وراءها سراق الرمال .. الولاية عندما لاحظ مسؤولوها أن الظاهرة أصبحت في تنام سريع و مهول و الدمار في تراكم سواء إنسانيا أو بيئيا، نظموا يوما دراسيا حول مقالع الرمال و مشاكلها استدعوا إليه كل المتدخلين من رؤساء جماعات قروية تقع في نفوذهم تلك المقالع و من قضاء و درك، نوقشت الأمور في إطارها القانوني . أنصت الجميع للإكراهات القانونية و اللوجستيكية التي تحد من عمل فرق التجهيز و العمالة أو اللجنة المختلطة التي تراقب و تتدخل و ترصد الخروقات ليس فقط في المقالع غير المرخص لها بل حتى في المقالع القانونية . انخرطت سلطات الولاية يومها في سرد أرقام باردة عن المداخيل و الكميات المستهلكة و الآثار المترتبة عن رمال مشبعة بالملوحة و التي تستعمل في الخرسنة ، و عن الوسائل البسيطة التي وضعت عند مداخل المقالع التي تسرق منها الرمال ، و عن حيرة الجميع أمام هذه الشبكات التي انخرط معها أبناء تلك المناطق في تهديم حواجز و إعلام الشاحنات و مراقبة تحركات اللجنة و الدرك ! وصلوا إلى هذه الخلاصة للتعبير عن "قلة حيلتهم" تجاه هؤلاء و من يحميهم ، المفارقة الغريبة هي أن العروض كان ينصت لها برلمانيون و مستشارون ممن تتهمهم المصادر المختلفة التي جالسناها بأنهم يشكلون المظلات الآمنة لأنشطة المافيا. ( سياسة الديب تحت القفة ) لينتهي ذلك اليوم الدراسي باقتراح إصدار النصوص التطبيقية للقانون 01/ 08 حتى يتسنى للإدارة تفعيلها و خصوصا من خلال وضع المخطط الجهوي لتدبير المقالع. ثم إصدار قوانين خاصة لمعاقبة سارقي الرمال و كل مس بالملك العمومي في إطار مدونة أملاك الأشخاص العموميين على غرار القانون الفرنسي ( قانون 25 يوليوز 2005 ) . لينتهي اليوم الدراسي و لم تنته جرائم الرمال البيئية و البشرية . استنتاجات موضوعية .. أمام هذه المعطيات و الحقائق الصادمة التي تتوفر عند أي مسؤول بآسفي و التي تخص أنشطة مافيا الرمال . تقفز بعض التساؤلات الملحة التي أطرت هذا التحقيق الصحفي .. السلطة و أجهزتها و مخبروها يعرفون الشاذة و الفاذة عن خيوط و شبكات المافيا ، لماذا يتسترون عليهم ؟ هل يمكن لقائد أو رئيس دائرة أو رئيس قسم الشؤون العامة أن يجهل خريطة تحركات هؤلاء ، و هل إذا طلب تقرير عن العناصر المشتغلة على قتل الناس أولا ، سيجدون صعوبة في تدبيجه و العمل على تفكيك عناصر هذه الشبكة و ضبطهم و تقديمهم إلى العدالة ؟ الدرك الملكي المعهود له بمهمة حراسة الطريق و تأمينها و استتباب الهدوء في مسالك العالم القروي ، هل يصعب على رجاله تتبع و إيقاف هؤلاء، مع العلم أنهم يتحركون نهارا جهارا و معروفون لدى السكان و المواطنين .. هذا ولد كذا و هادوك ولاد فلان. لماذا يتركون الوضع على ما هو عليه، جرائم تلو الجرائم. أين هي خلية البيئة و مسؤولها ، اختيار "العوم" في الرمال مهمة شاقة و ثقيلة لكنها مربحة !؟. ماهي الأدوار المنوطة بهذه الأجهزة مجتمعة، من استعلامات و استخبارات و شؤون عامة لدى الأمن و الدرك و الداخلية، ماهي وظيفتهم على الأقل في هذا الملف ، الصمت ؟ التواطؤ ؟ قلة الإمكانيات؟ عدم التنسيق؟ خيرات منطقة تنهب بشكل يومي و الناس يتركون لحتفهم و هم يقومون بحملات ظرفية لدر الرمال في الجيوب ! عندما حضر الملك إلى آسفي في الشهور الأخيرة لم تتحرك و لو شاحنة طيلة مقامه و عندما غادر، أعطيت التعليمات باستئناف النشاط. لفيف البرلمانيين الذين تشير إليهم أصابع الاتهام لديهم مشترك الأمية و الجهل السياسي و الإثراء غير المشروع و شراء الذمم في الانتخابات و اختراق المؤسسات الدستورية و التمثيلية، و توظيف عائدات الرمال في صنع الخرائط السياسية بالإقليم . هؤلاء يتحكمون في مداخل الثروة و السلطة و النفوذ بآسفي ، و يلتقون في فعل واحد يصرفونه بمهارة .. آكل، نأكل، تأكلون ، هي قاعدتهم الذهبية ، قسموا الكعكة فيما بينهم ، التكنوقراط الموجودين ببعض الإدارات المحلية و الولاية بالخصوص – نقصد هنا بعض رؤساء الأقسام الذين اغتنوا في فترة قياسية – يساعدونهم على إيجاد المخارج القانونية و طرق الاستفادة من الريع، و المؤكد أن "التدريب" على أساليب الإثراء غير المشروع له ثمنه . إن الرمال تحب أن ترى أثر نعمتها على لصوصها . نهايته.. نحن إذن إزاء وضع قاتل ، فيه الرمال و اللصوص و الجرائم و تواطؤ المسؤولين، ألم يصل إلى هؤلاء خبر أن السلطة السياسية اعتنقت طريق التحول الديمقراطي و الحكامة الجيدة و التدبير العقلاني للموارد، و أن اقتصاد الريع لن يضمن الاستقرار الاجتماعي بفعل تضرر الفئات المسحوقة و غير المستفيدة . بلادنا اليوم و آسفي جزء من جغرافيتها مفتوح مستقبلها على كل الاحتمالات ، و صمام أمانها و استقرارها الاجتماعي و الاقتصادي رهين بالتوزيع العادل للثروة و بتفعيل هيبة القانون و بمحاصرة كل مظاهر الريع الاقتصادي الذي هو مدخل صريح لكل مظاهر الإفساد السياسي ، هل يحتاج الأمر إلى توتر اجتماعي لإثارة الانتباه أم إلى إرادة سياسية صارمة تقطع دابر الريع حالا و مستقبلا ؟