ماذا حدث بآسفي ؟ كيف مرت الانتخابات و معها الحملة الانتخابية ؟ هل كان هناك تنافس بين اللوائح على الأفكار و البرامج أم أن سلطة المال القذر و حياد السلطة كان هو البرنامج الوحيد الذي اصطلى بناره لوائح اليسار و الاتحاد الاشتراكي بالأساس ؟ منذ بداية الحملة الانتخابية ، تبين بالملموس أن العديد من وكلاء اللوائح ليست لديهم القدرة على النزول إلى أحياء المدينة و شوارعها، بل لم يتجرأ واحد منهم على وضع صوره الشخصية في مواد الدعاية، و السبب معلوم و معروف ، جلهم كانوا في المجلس البلدي السابق، سيروا ، نهبوا المال العام، استولوا على أراضي المدينة ، بطرق تدليسية . كنا في الاتحاد الاشتراكي، حاسمين و مقتنعين بأن الحملة لابد و أن تدار بشكلها الحضاري، و بشكل تواصلي جديد يدفع بالخطاب الحزبي إلى مداه وسط الشرائح الاجتماعية. الأسبوع الأول مر باردا على الجميع، كأن المدينة ليس فيها انتخابات جماعية.. لا مبالاة واضحة و قاتلة، عكفنا أمام هذه الحالة في إدارة الحملة على الاتصالات الشخصية و إيصال برنامجنا إلى الفئات المتوسطة و المثقفين، أي النخب التي تفهم تاريخ اليسار وتعرف الأدوار التاريخية لحزب الاتحاد الاشتراكي. كنا كل يوم نتوصل بخبر وحيد لا ثاني له ، هناك مجموعة من وكلاء اللوائح يوزعون الأموال على المواطنين و يجمعون البطائق الانتخابية و تفوقت في هذا السلوك غير القانوني لائحة التراكتور. حقيقة اللوائح «الفائزة».. بشكل اختزالي ، ماهي السمات التي طرأت على بعض اللوائح و كيف اشتغل أصحابها الذين "فازوا" في نهاية المطاف ؟ أولا .. لفيف الفساد صاحب السوابق في تخريب المدينة و بدونتها لم يتأخر في تحريك شبكاته المعتمدة أساسا على بؤر الفساد و الدعارة و أصحاب المخدرات و كرابة جهنم. ثانيا .. لجا أصحاب اللوائح "الفائزة" إلى تكثيف اتصالاتهم بعناصر معروفة على الصعيد المحلي بالفساد الانتخابي ، و هاته العناصر هي التي سهلت مأموريتهم في إرشاء الفقراء و البسطاء و سحب بطائقهم . ثالثا .. بعض اللوائح ضمت أصحاب السوابق ، و السؤال ، السلطة راقبت ملفات الترشيح الخاصة بالاتحاد الاشتراكي بشكل دقيق رغم أننا قدمنا مناضلين و مقاومين و أطرا سياسية هي صناعة خالصة لمدرسة الاتحاد الاشتراكي، فيما أصيبت نفس هذه السلطة بعمى إداري عندما لم توقف بعض أصحاب السوابق و لم ترفض لائحة فائزة فيها من كان يتاجر في المخدرات، و فيها من كان قاطع طريق، و السؤال أيضا من أخرج لأصحاب السوابق صحيفة بيضاء من دون سوء ؟ أين هي أجهزة الاستخبارات و الاستعلامات و الشؤون العامة ؟ أجيبوا من فضلكم . رابعا .. رئيس المجلس الحضري السابق، معروف ما فعل طيلة ولايته و مر تقريبا في كل محطة انتخابية بجميع الأحزاب الإدارية ، وعندما أحس بالخطر الداهم اختبأ في التراكتور ، بل وضعه أصحاب "التحديث السياسي القادم على ظهر التراكتور ( ! ) على رأس لائحته . كانت الأصداء التي تصلنا إلى مقر الحملة غير مشجعة على الإطلاق، دائما خروقات و توزيع أموال و استمالة الشبكات المذكورة آنفا للتعاون مع بعض اللوائح. لدرجة أن " زوجة وكيل لائحة أخذت على حين غرة و هي توزع الأموال في المساء على نساء المدينة العتيقة ، لكن "الاختراع الجميل " الذي يسمى الهاتف المحمول تحرك ليقبر القضية في مهدها. و استمرت الحملة ، "أصحابنا الشرفاء" لم يفتحوا حوارا مع المواطنين و لا قدموا تصورا واضحا لإنقاذ المدينة ، كان برنامجهم الوحيد و الذي تم تنزيله بقوة لا مثيل لها عشية الانتخابات و صبيحة الاقتراع، هو المال ثم المال القذر المتحصل من اقتصاد الريع الذي صنعوه و سيجوه و حمته لهم بعض المصالح في السلطة . دموع التماسيح.. كنا في "إذاعتنا المحلية" التي هيأناها بوسائلنا التقليدية بمقر الحملة، نبث كل الخروقات مساء كل يوم ؟، و نعطي التفاصيل و يسمع المواطنون و المسؤولون على آذانهم ما يقع، حملناهم مسؤولية ما يقع، فقط كانت السلطة تتصل ببعض الإخوان نافية تورط رجالها في دعم لوائح معينة " بل إن أحد المسؤولين بالداخلية ، أتى يذرف دموع التماسيح، و يقول إنه يحترم الاتحاد الاشتراكي و لايمكن له التورط في ضربه أو مسحه من الخريطة ، يا سلام على الكذب الصراح و على الأقنعة التافهة التي يلبسها بعض رجال الداخلية بآسفي . كانت لجان اليقظة التي شغلناها عشية الاقتراع و طيلة يوم الجمعة تعود إلينا محملة بالأخبار السيئة ، إغراق المدينة بالأموال، وقالوا لهم هيت لكم ، انهبوا الأصوات ، 200 درهم إلى 300 درهم للبطاقة ، و الأماكن التي لا يضمنون ولاءها ، يشترون البطائق و يمزقونها أو يحرقونها . صادفنا في تجوالنا الليلي سيارات و دراجات نارية تقصد في مشيتها ، سرعة مشبوهة، طرق الأبواب ، رمي الأموال ، والانسحاب ، لاحقناهم ، هربوا إلى خارج المدينة ، أطفأوا الأضواء و انسحبوا في طريق غير معبدة ، نحن ثلاثة ، ماذا سنفعل أمام السيوف و المخدرين و السكارى الذين اشتغلوا طيلة ليلة الاقتراع، لم يناموا حتى أوصلوا "الحصيص" المتفق عليه لكل رئيس أو رئيسة مجموعة في كل حي و بكل زقاق أو دوار . كيف توصلنا إليهم كمناضلين و لم تتوصل إليهم عين السلطة التي قررت النوم باكرا طيلة يوم الخميس و الجمعة ؟ نطرح هذا السؤال على أجهزة السلطة، فقط لنقتنع بأن رجال أجهزتها لم يكونوا مورطين في صناعة خريطة سياسية بدت ملامحها قبل الإعلان عن النتائج الرسمية. أما يوم الاقتراع ، حكايته حكاية ، ما إن حركنا فرق المراقبة و وزعنا نوابنا على مكاتب التصويت، حتى بدأت المكالمات تنهال علينا، نعيمة الشهبة توزع على النساء في شمال آسفي، ولد الزركة يوزع الخمور و المخدرات و المال على الشباب العاطل و الفقير بشنكيط و سيدي عبد الكريم و بياضة، "إيستا" يحذو حذوهم في بياضة و لا من مجيب ، (الأسماء مستعارة) . نتصل بالسلطة تطلب أماكن الخروقات نمدها بالمواقع ، تقول إنها ستقوم باللازم ، لا أحد أراد تطبيق القانون ، فقط يراوغون ، يتعاملون بديبلوماسية ماكرة، و بعضهم يتصرف بخبث، كأن الاتحاد الاشتراكي حزب عدو و خصم لم ينقذ البلاد و لم يتحمل فاتورة الفساد منذ 50 سنة إلى اليوم !؟ و أكملوها و جملوها ، عندما رفضوا دخول نواب الاتحاد الاشتراكي الذين وضعهم الحزب في المكاتب المركزية ، رفضوا دخول 9 نواب من خيرة مناضلينا و أطرنا بدعوى ضرورة الحضور بساعة قبل إغلاق المكتب، فيما سمح لنواب بعض اللوائح "الفائزة" بالدخول خارج الوقت القانوني، أخذنا معركة سريعة مع رجال السلطة ، فيهم من كان يتذرع بالقانون، و فيهم من قال بأنه لا سلطة له على رئيس المكتب. هكذا مر يوم الاقتراع عزوف شبه تام ، أسراب من المبيوعين و عديمي الأخلاق و الداعرين هم من قادوا عملية التصويت، السلطة بجميع أجهزتها تتفرج، و كأن الانتخابات سلمت مسؤولية حمايتها و قيادتها إلى المشبوهين و لصوص المال العام، و هذا الكلام من بدايته إلى نهايته ليس فيه أي تحامل أو معطى غير دقيق ، و هم يعرفون التفاصيل. «حفلة» النتائج.. في المكتب المركزي، التحق نواب وكلاء اللوائح الواحد و العشرون ، جلسنا ، انتظرنا أن يفتح محضر المكتب الأول . قالوا اطمئنوا، لاشيء يقع ، كل النتائج سنعطيها تباعا. قلنا لهم اجلبوا محاضر المكاتب المركزية إلى قاعة الفرز ، قال الباشا ، بأن لاشيء في القانون يبيح هذه العملية ، و بالتالي فنحن نطبق القانون ؟ مرت في الرأس كثير من الأسئلة ، هل نقلب الطاولة و ننسحب ؟ هل نصعد ؟ لنتريث ، بينما نحن جلوس أتانا نائب أحد اللوائح الفائزة في الواحدة بعد منتصف الليل ، و أخبرنا باللوائح الفائزة ، و نحن لم نكمل فرز أصوات المكتب المركزي الأول ، بعد عشر ساعات و ما ينيف حصلنا على نفس النتائج ! تم محو الاتحاد الاشتراكي هو الذي لم يتخلف حتى في أيام القمع في الحفاظ على تمثيليته في المجالس المنتخبة بآسفي. الخلاصات الصادمة .. ما هي الخلاصات و الملاحظات و الدروس المستفادة على الأقل محليا و بتقاطع محمود وطنيا؟ هل خسر الاتحاد الاشتراكي لأنه ضعيف و تخترقه مشاكل تنظيمية، أم أن بعض رجال السلطة ولفيف الفساد الذي يتماهى مع بعض رجالها كانت لهم اليد الطولى في وضع خريطة انتخابية على المقاس؟ لندفع بالخلاصات إلى أقصاها .. لم يكن هناك حياد ، و لم تطبق التوجيهات الملكية و الحكومية بضرورة التقيد بالنزاهة و احترام القانون ، لقد تم حبك و ترتيب وصنع خريطة هجينة استعملت الأموال القذرة في الحصول على المراتب الأولى ، ليس أقلها الورقة الفريدة التي نملك نماذج منها و محاضر سلمت لنواب غير موقعة و أخطاء في حساب الأصوات، و محاضر لا تشبه أخرى، خارجة من مكتب واحد، بل لم يتحروا حتى في بعض المرشحين الذين يجرون وراءهم سجلات عدلية مليئة بالجرائم و المخالفات . * لماذا تم محو لائحة الاتحاد الاشتراكي بقدها و قضيضها ، نحن قدمنا أطرا شابة و نظيفة اليد و زاوجنا بين الأجيال القديمة و الجديدة ... هل رفضت آسفي لائحة الاتحاد الاشتراكي، أم أن اليد غير الماهرة و غير المحترفة هي التي لعبت في النتائج وصنعت محاضر لا علاقة لها بما أفرزته صناديق الاقتراع؟ * النخب المحلية التي من المفروض أن تدعم قيم الحداثة و التغيير، و أن تكون في مقدمة الحامين لمشروع التحول الديمقراطي ، قدمت استقالتها من التفكير و تركت الفساد يلعلع في المدينة رغم أنها استفادت من جو الانفتاح و من تحسين شروط عيشها المادي و المعنوي. في الانتقالات التاريخية كانت الطبقة المتوسطة عماد الانتقال وسط الفرقاء السياسيين و نفس هذه الطبقة التي تم إضعافها في المغرب كانت ساندة لمشروع الاتحاد الاشتراكي، فماهي الأسباب التي دفعتها إلى الارتكان و عدم تحمل مسؤوليتها ضد الفساد ؟