توفيق بوعشرين رئيس تحرير المساء: أختلف مع رشيد نيني في بعض ما يكتب لم تثر جريدة مغربية جدلاً في الوسط الإعلامي المغربي كما فعلت "المساء"، فهذه اليومية المغربية التي تحولت إلى الجريدة الأولى من حيث المبيعات، في أقل من ستة أشهر، شهدت إنتقادات مختلفة ركزت في مجملها على خطها التحريري المحابي للأصوليين، حسب بعضهم، والمائل إلى الشعبوية، حسب بعضهم الآخر، كما صبت الإنتقادات على عمود ناشرها رشيد نيني. يرد توفيق بوعشرين، مدير تحرير "المساء" على هذه الأسئلة، ويتحدث عن المساهمين في هذه المؤسسة، كما يجيب عن علاقته بالناشر ومدى تحكمه في عموده اليومي الشهير "شوف تشوف"، كما يدافع عن إتهامات أخرى، أترك للقراء إكتشافها. "" تعد مجموعتكم الإعلامية لإصدار يومية باللغة الفرنسية "لوسوار"، ما الذي سيميزها عن "المساء"؟ أمنيتنا أن يكون العدد الأول من الجريدة اليومية في الأسواق شهر يناير المقبل. "لوسوار" جريدة يومية شاملة، لها الخط التحريري نفسهل "المساء" على مستوى الخطوط الكبرى، لكننا واعون أنها متوجهة إلى جمهور فرانكفوني مختلف نسبيًا من حيث اهتماماته ونوع الموضوعات التي تستقطبها. هل طاقم هذه الجريدة سيكون شابا؟ نعم فقد اخترنا التركيز على الطاقات الشابة. كما نطمح إلى إيجاد قراء جدد. علمتنا تجربتنا في "المساء" أن الأمر ممكن، فقد أدخلنا حوالى 60 ألف قارئ جديد إلى سوق القراءة بالعربية، ولم نأخذ من يومية "الأحداث المغربية" سوى 10 آلاف قارئ، وما بين 15 و20 ألف قارئ آخر من جريدة "الصباح" على عكس ما هو سائد. هذا ما نأمله من خلال التجربة الجديدة. جريدة مستقلة مئة في المئة يملك غالبية أسهمها الصحافيون. على ذكر المساهمين، من هم المساهمون في "المساء"؟ أنا (توفيق بوعشرين) ورشيد نيني وسمير شوقي ومحمد العسلي، وهناك طلبات لصحافيين آخرين يرغبون في دخول رأسمال الشركة. لقد كنت أدافع عن فكرة أن يكون الصحافي مساهمًا في الجريدة منذ اشتغالي في الصحافة، وتحققت الفكرة في "المساء". لقد بدأنا المشروع بمليون درهم ولم ننفق إلا 700 ألف درهمًا، إذ حققنا الاكتفاء الذاتي في الأيام الأولى من الإصدار. وأشير إلى أن أكبر مساهم في المشروع لا يسيطر على رأسمال الجريدة، كما أن الخط التحريري لا يخضع لأي تأثير ويرسم داخل هيئة التحرير بكل مهنية. لنعد إلى يومية "لوسوار" أليس الهم المادي وراء فكرة إصدار يومية بالفرنسية، ما دام أن المعلنين في المغرب يفضلون الصحف الفرانكفونية؟ الاعتبار الاقتصادي حاضر في المشروع، لكنه ليس الاعتبار الأهم لأن الجميع يعرف أن قطاع الصحافة ليس قطاعا ربحيا بالدرجة الأولى. إن مشروع "المساء" بالفرنسية جزء من تطوير المؤسسة الإعلامية وتنويع إصداراتها للوصول إلى أكبر فئة من القراء وللدفاع عن صحافة قريبة من المجتمع ومساهمة في تحولاته الاجتماعية والسياسية والثقافية. همنا الكبير حاليًا هو توسيع المجموعة، فبعد اليومية أطلقنا المجلة النسائية "نجمة" ثم بدأنا إعداد مشروع اليومية بالفرنسية، ونفكر في مشروع "راديو" في المستقبل. لننتقل إلى الحديث عن "المساء"، باعتبارك رئيس تحريرها، ما الذي لا يعجبك في هذه اليومية؟ ما زال طموحنا أكبر مما تحقق، ولا يوجد أي رئيس تحرير راض مئة في المئة على الجريدة التي يشتغل فيها، فمثلاً ما زلنا نطمح إلى الوصول إلى تحقيقات أكبر وإلى تنويع موضوعاتنا لتصل إلى فئات أوسع. إننا لم نحقق طيلة سنة من ظهورنا السبق الصحافي إلا ثلاث أو أربع مرات، كما أننا لم نصل بعد إلى إنتاج جريدة وطنية تغطي كل الجهات حتى تلك التي تقع في خانة المغرب غير النافع. هل أنت راض على ما يكتب في الصفحة الأخيرة وما قبل الأخيرة من "المساء"، حيث عمود رشيد نيني؟ نعم، وهذا لا ينفي أن هناك جدلاً ونقاشًا في "المساء"، لسنا ثكنة عسكرية ولسنا خلية في حزب شيوعي ننسخ بعضنا البعض. إننا نعطي مساحات كبيرة من الحرية لبعضنا، وهذا سر نجاحنا. إننا في الجريدة نفرق بين الأخبار وبين التعاليق، لذا فنحن متشددون أكثر في الأخبار ومنفتحون أكثر في الآراء. أختلف مع رشيد نيني في بعض ما يكتب ويختلف معي في بعض ما أكتب، والشيء نفسه مع علي أنوزلا مستشار التحرير في بعض ما يكتب. الأساسي أننا وجدنا فضاء يجمع اختلافاتنا في الرأي لكننا مهنيًا متفقون على فكرة ومشروع "المساء". وماذا عن الصفحة ما قبل الأخيرة في الجريدة، إذ تحولت إلى فضاء للرد على الصحافيين، وأعرف أنك تعرضت أكثر من مرة لانتقادات عنيفة أحيانًا وترفعت عن الرد؟ البشر مختلفون، قد أتسامح في حقي وقد لا يفعل الآخر الشيء نفسه. لا بد من التذكير أن رشيد نيني تعرض لحملات منظمة من قبل أشخاص وصلت حد التجريح فيه وفي عائلته، لذا لا يمكن أن تطلب منه أن يظل مكتوف الأيدي. إنني مقتنع أن الجريدة ملك للجمهور وهذا الأخير يبحث عن أخبار جديدة لا على حروب الصحافيين الصغيرة. وأشير إلى أن الصفحة ما قبل الأخيرة ساخرة، أعرف تتضمن رسائل، لكن لا يمكن أن نتعامل معها كما نتعامل مع صفحات أخرى. إنها صفحة هزلية. لا أعتقد أن صفحة تصل حد التجريح تعتبر هزلاً؟ إنني أرفض الفعل ورد الفعل، وأرفض أن يصل الصحافيون إلى المس بالحياة الشخصية لبعضهم، كما أرفض أن يقحم كل مرة اسم السينمائي محمد العسلي في تصفية الخلافات مع "المساء" لأنه مساهم فيها. وأؤكد أن العسلي مخرج موهوب ويحترم الصحافة والصحافيين ولا يسمح لنفسه حتى ولو ظلمه الآخرون، بتوظيف "المساء" للدفاع عن نفسه كما يفع آخرون في منابر عدة. فهو لا علاقة له بما ينشر في "المساء"، فعندما غطى الصحافي عبد الله الدامون (مدير مكتب الجريدة في طنجة) لم يوجهه أحد في إدارة التحرير، لقد فعل ذلك بكل حرية ونقل ما حدث. يقال إن "المساء" مملكتين، مملكة رشيد نيني (ناشر الجريدة) ومملكة توفيق بوعشرين، وأن لا أحد يقترب من مملكة الآخر؟ لا توجد ممالك في الجريدة، هناك دينامية تشهدها "المساء" وتستوعب الرأي والرأي الآخر. ألا يزعجك أن ترتبط "المساء" بصحافي واحد هو رشيد نيني؟ إن الجريدة عمل جماعي، وداخل هذا العمل لا بد أن يكون هناك نجوم يقدمون قيمة مضافة للجريدة. لا أعتقد أن جريدة يمكن أن تختزل في شخص واحد، والدليل على ذلك هناك اختلافات في التعبير عن الأفكار. إن الجريدة تعتمد التعددية أكثر من النجومية. نجحنا لأننا نقدم منتوجًا إعلاميًا يلبي حاجيات الناس، إضافة إلى نقد اجتماعي قريب فئات واسعة، علاوة على تميز الجريدة بجرأتها واستقلاليتها وسرعة ملاحقتها للحدث. باعتبارك رئيس تحرير هل تطلع على ما يكتبه نيني قبل الطبع؟ بيننا نقاش لا يوجد في أي جريدة أخرى. أعيد سؤالي هل تطلع على ما يكتبه نيني؟ هذا الأمر غير مطروح، لا نقيم الرقابة على بعضنا. هناك قواعد مهنية وأخلاقية يعرفها كل صحافي. إننا متفقون على الخطوط العامة، نبحث لإبراز الحقيقة ونقدم منتوجًا إعلاميًا قريبًا من المواطنين. لديك توجه حداثي، لكن الجريدة تبدو محافظة؟ لا بد أن نحدد هذه الكلمة جيدًا، فالتيار المحافظ ظهر في أوروبا قبل قرنين، كان يعادي الحداثة والتطور. أما نحن فندافع عن تطور بلادنا وحداثة نظامه السياسي وفصل القداسة عن السلطة وعن ملكية برلمانية دستورية. إننا نحتكم إلى آراء القراء، ولسنا جريدة محافظة، لكن في الوقت نفسهلسنا حزبًا سياسيًا يقترح على المغاربة مدونة سلوك وأخلاق، نحن صحافيون يعملون في جريدة أولاً وأخيرًا، والصحافة وظيفتها أن تشكل سلطة رابعة للرقابة وليست سلطة أولى للتشريع والحكم على الناس. أين تضعون أنفسكم إذن؟ ممكن أن تصنف أشخاصًا، لأننا لسنا حزبًا سياسيًا، فالأساس هو هويتنا الصحافية، ونحن مختلفون في أنماط تفكيرنا. نريد ديمقراطية حقيقية ومنفتحة، نرفض مركزية السلطة، وندعو إلى الاحتكام إلى إرادة أغلبية الشعب، وهذا يعني أن كل الخيارات مفتوحة أمام هذه الإرادة، ولا أحد يملك الوصاية على الناس. إننا ندافع عن قيم منفتحة على العصر ومتصالحة مع الدين ومع التراث، وننطلق من فكرة أن الزواج بين الحداثة والإسلام أمر ممكن، والنموذج الفرنسي في العلمانية المتطرفة ليس النموذج الوحيد الموجود في العالم، هناك نموذج أنجلوسكسوني يدعو إلى إيجاد حقل للتسامح المشترك بين السياسة والدين، بمقتضاه يحترم الدين مجال تخصص السياسة كمجال لإرادة البشر، ومن جهتها تحترم السياسة الدين كمجال لتحرك العقائد. لنعد إلى الضجة الإعلامية الكبيرة التي حدثت بخصوص موقفكم من السينما، ألا تعتقدون أنكم بالغتم كثيرًا؟ كل ما قمنا به هو نقد بعض الأفلام ونقد توجه سينمائي يبحث عن الإثارة المجانية لإخفاء فقره الفني وتهافته على دعم من أموال دافعي الضرائب دون موجب حق. النقد الإعلامي لا يجب أن يقتصر على التقنيات فقط، بل من حقه الولوج إلى المضمون والرسائل الصريحة والضمنية التي يحملها الفيلم والصور التي تعرض على الجمهور. ولماذا التركيز في حملة "المساء" على مدير المركز السينمائي نور الدين الصايل؟ هناك توجه سينمائي يقوده نور الدين الصايل، يسعى إلى خلق صدمة في المجتمع، ويتحرك بأجندة إيديولوجية معينة، ولا يعير كبير اهتمام للشروط الفنية والأدبية التي تنتج فيها الأفلام ولا لحاجيات الجمهور الذي تفرض عليه نوعية معينة من الصور ومن الموضوعات، لكن الصايل الذي يدعو إلى الحداثة كانت له لائحة لصحافيين لا يسمح لهم بالمرور في القناة الثانية أيام كان مديرها، وكنت أحد هؤلاء الممنوعين رفقة عبد الله الحمودي ومحمد الساسي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعلي لمرابط وبوبكر الجامعي... لذا أتساءل هل هؤلاء يدافعون عن قيم أم عن مصالح ومخططات لآخرين في الداخل والخارج. إنني مع حق السينمائيين أن ينتجوا ما شاؤوا لكن من حقنا أن ننتقد. وهل من حق "المساء" أن تطالب بسحب البطاقة المهنية لمخرج سينمائي، كما هو الحال مع أحمد بولان؟ الخطوط الحمراء في "المساء" هي الدعوة إلى العنف والتجريح ومصادرة حق الآخر في الكلام. وهذا ما تتهمون به من قبل الناس؟ إذا سلمتني لائحة بأسماء هؤلاء الناس، فأنا مستعد لمناقشتهم. الصحافي هو الوحيد الذي يتعرض للاستفتاء كل يوم في أكشاك بيع الجرائد، فيصوت الناس معه أو ضده. تهمة أخرى لصقت ب"المساء" وهي الشعبوية، هل تقرون بذلك؟ إذا كان المقصود بالشعبوية الخضوع لسلطة الجمهور دون اعتبار لضمير الصحافي فلسنا شعبويين، لكن إذا كانت الشعبوية احترام هويتنا المهنية والتجاوب مع فئات واسعة من المجتمع دون أن نخل بما نعتبره واجبًا مهنيًا فنحن شعبويون. وماذا تسمي دفاعكم عن الدجال المكي؟ لم نكن نعرفه واكتشفنا إقبال الناس عليه فخصصنا له مساحة في جريدتنا، وجئنا برأي الأخصائيين في مقابل آرائه، وهذا جزء من عملنا المهني. الصحافي لا يكتب فقط عن الموضوعات التي تعجبه بل حتى تلك التي قد لا تروقه. لكنكم لم تكتبوا ولو مرة واحدة أنه دجال؟ ولماذا تريد مني أن أهاجمه؟ ليس في ثقافتي الإعلامية مهاجمة أحد ولا الاختيار مكان الآخرين. أنا صحافي أبحث عن المعلومة وأحللها وأقدمهما للقارئ بطريقة مهنية ثم أترك له الحكم وحرية الاختيار. الذين يحكمون مكان الآخرين لا يحترمون عقل القارئ. شخصيًا لا أومن بما يدعيه هذا الشخص، ولكنني أعطي الأولوية للفهم قبل الحكم. هناك تهمة أخرى تتهم بها "المساء" وهي محاباة الإسلاميين؟ لقد نشرنا قبل أسبوعين صورة لعمدة مكناس بوبكر بلكورة (من حزب العدالة والتنمية الأصولي) وهو يعانق سيدة في فرنسا، كما أننا كنا سباقين إلى نشر خبر لقاء مسؤولي حزب "العدالة والتنمية" مع الوزير المنتدب في الداخلية سابقا فؤاد عالي الهمة، وأنجزنا ملفا حول خرافات رؤية 2006 التي ادعاها عبد السلام ياسين، لكن في نفس الوقت لا أعتبر أن وظيفة الجريدة هي محاربة الإسلاميين كما تفعل جرائد أخرى تعتبر نفسها مكلفة بمهمة في هذا المجال. نحن جريدة تعددية وعندما يكون حدث يستحق مواكبته نفعل بحيادية، لقد أجرينا حوارات مع كل الأطياف السياسية في المغرب ولم نستثن أحدا. الحضور الإسلامي حاضر حتى في كتاب الرأي، فهناك أفكار عن ضرورة تطبيق الحدود نشرها الريسوني، القيادي في جماعة "الإصلاح والتوحيد" المقربة من حزب العدالة والتنمية الأصولي؟ الريسوني عبر عن رأيه، وطرح نقاش ديني وعلمي، لقد طلبنا منه حلقات لأنه عالم شجاع، لدينا كتاب رأي آخرون أمثال خالد الجامعي وسعد الله إبراهيم وعبد الباري عطوان وعبد الله العباسي والمخرجة الشابة بشرى إيجورك. وفي الماكيط الجديد أسماء أخرى تنتمي إلى كل التيارات، وهده قوة جريدتنا، فلسنا جريدة إيديولوجية، كما هو الحال لبعض المنابر الفرانكفونية. في علاقة بتعامل الناس مع "المساء" لوحظ أخيرا أن الجريدة تراجعت مبيعاتها من 132 ألف إلى 124 ألف، هل هي بداية التراجع؟ نحن الجريدة الأقل تراجعًا في كل اليوميات المغربية، ولهذا التراجع علاقة بالمناخ، فخلال الشتاء تقل نقاط بيع الصحف. لكن الأمطار لم تتساقط إلا نهاية هذا الشهر؟ كل الصحف تراجعت، خلال فترة البرد هذه، لقد اطلع الناس على مبيعاتنا لأننا نكشف عن دلك دائما، في حين أن صحف أخرى تتهرب من كشف مبيعاتها، لقد فعلنا ذلك كي يصبح قدوة لصحف أخرى. راجت أخبار عن خلاف بين المساهمين، خاصة رشيد نيني وتوفيق بوعشرين، وأن تلك الخلافات قد تؤدي إلى خروج أحدهما من المشروع؟ لا توجد خلافات من هذا النوع، وأؤكد أن بيننا حوار متواصل، أرجوك ألا تستمع كثيرًا إلى إخواننا في الحرفة. إن الغيرة والحسد والقليل من سوء النية هي مصدر هذه الإشاعات.