طرحت علينا القارئة الشابة «نازك العلام» في رسالتها إلى الصفحة إشكالية هامة تتمحور حول مقروئية الجريدة (أنظر نص الرسالة جانبا) وهي إشكالية تتناسل منها عديد من الأسئلة على غرار، ماهي الغاية من كتاباتنا؟ لمن نكتب؟ أي نوع من القراء نستهدف؟ هل نعرف قراءنا؟ ماهي انتظاراتهم؟ وهل هناك شريحة من القراء لانلامسها في ما ننشره؟ وغير ذلك من الاسئلة المشابهة. من المحقق اننا أصحاب رسالة نسعى الى إيصالها لمختلف شرائح المجتمع، وهي رسالة ايديولوجية وسياسية - ما في ذلك من شك - تنشُد تشييد مجتمع دمقراطي تسوده العدالة الاقتصادية والاجتماعية والتعدد الفكري والحريات والانفتاح على العالم. وهي الرسالة التي تُعَدُّ الجريدة ، جريدتنا، واحدة من وسائل إيصالها. لاندري مدى نجاحنا في تبليغ هذه الرسالة بشكل أمين ومقنع. ولكننا نؤمن بأن الغاية النهائية لكتابات صحفيينا - من مختلف الاقسام والتخصصات (سياسية أو رياضية أو فنية أو اجتماعية...) هي محاولة لتجسيد تلك المبادىء المذكورة آنفا. وهذا بدوره يطرح علينا السؤال التالي: لمن نكتب وما هي الشرائح التي نستهدفها؟ لعل الجواب الفوري والسريع (أكاد أقول المتسرع) هو أننا نكتب للجميع. حقا، فلو كنا جريدة متخصصة لقلنا اننا نكتب لقراء تخصصنا، رياضة او فنا او اقتصادا او غيره... لكننا جريدة عامة تفتح نوافذها على جميع الفئات الاجتماعية والعمرية، وبالتالي فإننا نفترض أننا نخاطب قراء مختلفي المشارب، متنوعي التكوين، متفاوتي السن والمستوى الاجتماعي. نعم هذا مانعتقده وما نفترضه من جانبنا لكن هل نعرف قراءنا الفعليين، هل نعرف انتظاراتهم وتوقعاتهم؟ قطعا لا قد أجازف مجددا فأقول ان قراءنا ينتمون لفئة سوسيو-مهنية معينة (رجال التعليم مثلا أو الموظفين المتوسطين...) بيد أن هذا الافتراض الانطباعي، الذي قد يختلف من شخص لآخر، لاتؤيده - ولا تنفيه - أية خُلاصات لاستطلاع رأي حول هذا الموضوع. فجريدتنا - التي تجاوزت ربع قرن في مسيرتها بدون انقطاع - لم تجشم نفسها، ولو مرة واحدة، عناء تكليف مؤسسة او معهد من معاهد استطلاع الرأي. كي تتعرف، بطريقة علمية، على نوعية قرائها وعلى مايريدون قراءته في جريدتهم. وتتعرف كذلك على الذين لايقرأونها وأسباب عزوفهم عنها. هذا يقودنا في النهاية الى رسالة القارئة، التي قالت بصدق كبير «لا أجد نفسي في جريدتكم» وهي الجملة التي تلقيناها بحُرقةٍ وأسفٍ شديدين ، لكونها كشفت لنا «جهلنا» بتطلعات شريحة حيوية وصاعدة من شرائح مجتمعنا و«إهمالنا» لها وهي فئة الشباب العشريني (اقل او اكثر من عشرين سنة) التي تشكل القاعدة الكبرى من الهرم السكاني العام وتشكل النسبة الاكبر من القادرين على القراءة (على اعتبار ان نسبة الأمية في هذه الفئة العمرية نسبة ضعيفة جدا ) كما انها تمثل خزانا ورصيدا من قراء المستقبل المواظبين. وهذا بدوره يقودنا الى فئة أخرى - لاتلقى اهتمامنا وهي فئة الاطفال ،فباستثناء تجربة قصيرة في جريدتنا في منتصف الثمانينات تمثلت في «ملحق الطفولة» الذي كان يصدر كل جمعة، لم نلتفت الى هذه الفئة ولم نتساءل يوما عن جدوى هذه التجربة اليتيمة، علما أن معظم مكونات شخصية الانسان يتم بناؤها وتمتينها خلال هذه الفترة العمرية الفتية.. واجبنا المهني يلزمنا ان نفكر ايضا في هذه الفئة حتى لاتصلنا بعد عشر سنوات من الآن رسالة تكرر ما قالته نازك: «لا أجد نفسي في جريدتكم» دون ان نغفل طبعا، أن مبادرة هذه القارئة الكريمة، هي رسالة تقدير لنا ايضا، لأنه لو لم تكن تأمل منا شيئا، لما تجشمت عناء الكتابة إلينا أصلا.. لهذا، نقول لها بصدق مهني وإنساني واخوي، شكرا... رسالتك وصلت..