يبدو أن العصابة الحاكمة في الجزائر لا تتعظ بتاتا من سقطاتها المتتالية التي تجعلها أمام أنظار العالم أضحوكة الزمان، فلا أحد من الدول الغنية والفقيرة يضحي بمصالحه الحيوية، ويورد بلاده المهالك مثل حكام الجزائر، فإذ يتطلع العالم إلى بناء تحالفات جديدة على أسس من رعاية المصالح وتبادل الخبرات والخيرات، والنهوض بأسئلة التنمية، تصر العصابة على التغريد خارج الزمن، بالتزام أطروحات عفا عنها الزمن، تعلقت بجيرانها أو بالأباعد، معتقدة أن مصالحها تكمن في الإضرار بمصالح الآخرين. كذلك فعلت مع تونس ومع ليبيا ومع موريتانيا ومع إسبانيا، ومع المغرب الذي صمد في وجهها لما يزيد عن نصف قرن، دون أن تنال منه ما كانت تسوقه أمام شعبها من إسقاطه في جولة أو نزهة عسكرية. كان يكفي العصابة أن تنظر إلى الأصفار التي حققها عداؤها للمغرب خلال كل هذه العقود من الزمن، لتدرك استحالة المضي في مخططاتها العدوانية الخاسرة، من غير أن تدفع مزيدا من أموال الجزائر ومن مصالحها ومن مستقبلها، ما أوصلت إليه بلدها البترولي والغازي الذي نراه اليوم يشكو عجزا فظيعا في جاهزيته لولوج العصر. لأول مرة في تاريخ الدول المعاصرة تعلن دول وازنة انسحابها تباعا من ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تستضيفها الجزائر، بحجة عدم جاهزية هذه الدولة لتنظيم هذا الاستحقاق الرياضي الدولي، ولأول مرة أيضا تتعذر إقامة مؤتمر القمة العربية في هذا البلد بعد تأجيل وتأجيل، بسبب عدم الجاهزية الأخلاقية والديبلوماسية لنظام العصابة في إقناع الدول العربية وقادتها بأن هذا المؤتمر سيعود على الأمة بنفع، في ظل تعنت نظام العصابة وتطاوله على جيرانه، ومواصلة عدوانه على المغرب، ولأول مرة كذلك يدخل نظام العصابة على خط الأزمة الليبية والأزمة المصرية الأثيوبية، والأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، وتطورات الأحداث في تونس، فيقلب عاليها سافلها، ويتخبط في تحركاته، حتى بات العالم العربي يشكو من النتائج السيئة والسلبية لتدخلات نظام العصابة في القضايا العربية والإسلامية، فإذ يزعم أنه يسعى إلى لَمِّ الشمل، يُحدث بالعكس شرخا كبيرا بين الشعوب والدول، وصار إصلاح ذات البين بالطريقة التي تتحرك بها العصابة الجزائرية، عنوانا صارخا على التدخل في الشؤون الداخلية للدول. فبالإضافة إلى أن نظام العصابة الجزائرية غير جاهز لاحتضان أي ملتقى رياضي دولي أو قومي أو اقتصادي، فهو غير مؤهل لإنجاح أية مبادرة، لأنه بكل بساطة يحمل أجندة عدوانية تسلطية وتقسيمية واستفزازية. ولا يمكننا أن نتوقع من أي لقاء يجمع نظام العصابة بدول المعمور، خيرا لهذه الدول وللشعب الجزائري نفسه، لأن المشروع الديبلوماسي للعصابة مختزل كله في الأطروحة الانفصالية، إذ عليها تعادي وعليها توالي، ولنا في انقلاب العصابة على إسبانيا خير مثال، رغم أن إسبانيا لم تؤذ الجزائر في شيء، سواء في سيادتها أو في مصالحها الحيوية، ومع ذلك أعلنت العصابة الحرب عليها لا لشيء إلا لأنها لم تعد توالي أطروحتها الانفصالية، كما لنا في تقرب العصابة من تركيا وإيطاليا بالطريقة الاستجدائية المنحطة، خير مثال أيضا على إهدار ثروات الشعب الجزائري لانتزاع ابتسامة في وجه أزلامها وإنقاذهم من العزلة المضروبة عليهم، ولو بالتقاط صورة ضاحكة لا تعني شيئا في ميزان العلاقات الدولية. عدم جاهزية نظام العصابة للتفاعل الإيجابي مع متغيرات ومستجدات الواقع والتاريخ، واستعداده الدائم لتقديم التنازلات ودفع الأموال والغاز مقابل إطالة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في الوقت الذي تتوجه فيه دول العالم والمنتظم الأممي إلى وضع اللمسات الأخيرة على الحل السياسي الدائم والشامل والواقعي لهذا النزاع، يعرض مصالح الشعب الجزائري لتكالب القوى الدولية عليها، فالعصابة مستعدة للتضحية بكل هذه المصالح من أجل رؤية المغرب مقزما ومهزوما ومعزولا، الأمر الذي ثبت واقعا عكسه، بما يجلبه المغرب من استثمارات وصداقات وشراكات وما تحظى به قضية وحدته الترابية من دعم واسع، وما تحتضنه أرضه من ملتقيات دولية نجح في جعلها مرجعية أممية معتبرة. المغرب يسير في طريقه الصحيح لربح رهانات التنمية والديمقراطية وكسب شراكات استراتيجية جديدة على أساس الربح المتبادل، وهو جاهز في كل المحطات القارية والدولية والعربية والإسلامية، لاحتضان أكبر الملتقيات، بل وتقديم مبادرات واقتراحات لخدمة السلام والاستقرار والأمن في المنطقة. فماذا يتبقى للعصابة الجزائرية في الرقعة الضيقة التي تتحرك فيها غير مزيد من عزل الجزائر، وإهدار ثرواتها، وإضاعة فرص التنمية التي لم تتجهز لها في غمرة انشغالاتها بالحرب على المغرب الذي اختزلت فيه كل عقدها وكل آمالها وطموحاتها، في أن تراه وقد خر تحت الضربات والمؤامرات. لم يسقط المغرب وصار أكثر قوة ونشاطا في بناء مستقبل أجياله الجديدة، وصار أقدر على إدارة الحرب التي تستهدفه، وإدارة مبادرات السلام، بينما سقطت العصابة الحاكمة في الجزائر من عيون شعبها ومن عيون أقرب المقربين إليها، وسقطت في معركة غير أخلاقية أدارتها بالكذب والتدليس والتزوير والغش والخديعة والتطاول، وبعد أن كان المغرب مستهدفا بهذه المعركة الخاسرة، صارت كل الدول الشقيقة والصديقة مستهدفة بها، تارة بالابتزاز وتارة أخرى بتوريطها في اتخاذ مواقف أو الإدلاء بتصريحات مدفوعة، هي من أعمال العصابة، سرعان ما يتم تصحيحها واستنكارها، مثلما فعل الرئيس الروسي مع سفيره في الجزائر الذي ورطته العصابة في الإدلاء بتصريحات داعمة للأطروحة الانفصالية، ومعادية للمغرب، إذ لم يَمض يومٌ على تصريحه حتى جرده بوتين من مهامه في سفارة بلده بالجزائر، وتم تعيين السفير الروسي بالمغرب مكانه، في إشارة جادة وحازمة وحاسمة إلى عدم مسايرة روسيا للعصابة الحاكمة في الجزائر أطروحتها حول الصحراء المغربية. لقد صارت الهيئات الديبلوماسية الدولية في الجزائر تخشى توريط العصابة لها في أي تجمع أو ملتقى أو منبر صحفي وإعلامي لا يعكس المواقف الحيادية لبلدانها، أو مواقفها الداعمة لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي. خلاصة الأمر أن العصابة الحاكمة في الجزائر ليست فقط غير جاهزة لتنظيم الملتقيات والتظاهرات القارية والدولية والعربية، بل غير جاهزة لاستغلال فرص السلام والاستقرار والنماء والرخاء المتاحة أمامها، في سياق دولي تتدافع فيه المصالح ويعاد فيه رسم الخرائط وتشكيل التكتلات. وستجد العصابة نفسها عما قريب وقد أخرجت الجزائر من الباب الضيق للتاريخ ومن دوائر المصداقية والموثوقية.