حجت إلى بلادنا وفود دول العالم ومنظماته للمشاركة في منتدى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي تأسس في شتنبر 2014. وقد حظي المغرب بانتخابه وإعادة انتخابه لرئاسة هذه الهيئة الدولية لولاية ثالثة، اعترافا بجهوده الكبيرة وأدواره الحيوية والاستراتيجية في قيادة العمليات التنسيقية والتعاونية الدولية للحد من المخططات الإرهابية والوقاية من مخاطرها، وتفكيك خلاياها في مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والقارية والدولية، وبشهادة من دول أوروبا وأمريكا خاصة، التي جنبتها التدخلات الاستخباراتية والأمنية المغربية حمامات دم في أكثر من موقعة ومؤامرة إرهابية، وبشهادة أيضا من مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمنية ومعاهد البحث في الظاهرة الإرهابية وتبادل المعلومات والخبرات والتجارب، والتي تضم خيرة الخبراء الدوليين، وهي الدراسات والأبحاث التي أجمعت على الثناء على الدور المحوري المغربي في مكافحة الإرهاب العابر للقارات، وعلى درجة اليقظة العالية والاستباقية للأجهزة الأمنية المغربية التي أثمرت تدخلاتها إحباط العمليات الإرهابية ووأدها في مهدها، وعلى أهمية استثمار المرجعية المغربية الرائدة في مكافحة الإرهاب، ليس على الصعيد الأمني والاستخباراتي فحسب، بل على مختلف الأصعدة التي اشتغلت فيها وعليها المقاربة الشاملة والمندمجة المغربية والتي تشمل الحقلين: الديني والثقافي، كما الحقلين التربوي والإعلامي، كما الحقلين: الاجتماعي والاقتصادي، وكذا الحقلين: الحقوقي والسياسي. فمنذ أن تعرضت بلادنا في 16 ماي 2003 لهجمات إرهابية غادرة أسقطت ضحايا من المواطنين وأحدثت خرابا وترويعا للآمنين، في مدينة الدارالبيضاء، والمغرب يسابق الزمن للتوفر على منظومة متكاملة الحلقات ومتعددة المداخل لتطويق الظاهرة الإرهابية بتجفيف منابعها الثقافية، والقضاء على مبرراتها الاجتماعية والاقتصادية، ومحاصرة مصادر تمويلها وقطعها، وتعقب مخططاتها الاستقطابية والتأطيرية والتنفيذية للجرائم، بخطط استباقية حاسمة وناجعة وموجعة لفلول الإرهاب وخدامه. هذا مع تعزيز الأمن الروحي للمواطنين والالتفاف حول مرجعية إمارة المؤمنين حامية الملة والدين والمدافعة عن إسلام معتدل سمح كريم، وتأسيس لمعاهد تدريب الأئمة والمرشدين، وتجديد مناهج وبرامج التعليم على أساس دعم قيم السلام والتسامح والتعاون على الخير ونبذ كل أشكال الكراهية أو التمييز والاضطهاد على أساس العرق أو الجنس أو الدين، مع انفتاح أكبر على اللغات والثقافات الإنسانية، وتعزيز حوار الحضارات… لم تتوقف المبادرة المغربية القوية والناجعة في محاربة الإرهاب، عند حدود تجارب ثقافية وأمنية محلية، وعمليات محدودة وخاصة بالحالة المغربية، بل تعدت ذلك إلى انخراط تام في المنظومة الدولية لمحاربة الإرهاب، ومشاركة دول العالم ومشاطرتها، عمليا وميدانيا، قلقها من تنامي الظاهرة الإرهابية وتموقعاتها الجديدة، والعمل على تحييد مخاطرها، والتنسيق الذكي والفعال والمنظم والمنتظم مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الدولية، لتوفير المعلومة وتبادل المعطيات والبيانات والإبلاغات والتحذيرات والتوقعات والمخططات… الأمر الذي بوأ المغرب مكانته الريادية كمبادر وشريك موثوق وذي مصداقية، في الصفوف الأمامية للجبهة الدولية التي تقف في وجه الإرهاب، والتي تسهر على أمن وسلامة الشعوب والدول من مخاطره. ولأن التجربة المغربية الناجحة في مكافحة الإرهاب في بعديها المحلي والدولي، قابلة للتقاسم والاستثمار في سياقات عالمية مختلفة ومتنوعة، فإن كل المؤشرات والمستجدات، خصوصا ما تعلق منها بتمدد الشبح الإرهابي إلى القارة الإفريقية من بوابات المناطق التي تشهد توترات ونزاعات مسلحة، ترشح المغرب بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي في القارة وقربه من بؤر التوتر، للعب دوره القاري والدولي بالجاهزية الكاملة المسنودة بخبرة معتبرة راكمها خلال سنوات متواصلة من العمل الجاد والمسؤول. لذلك لم يكن اختيار المغرب لتنظيم هذا المنتدى الدولي ولا إسناد رئاسته إليه بالشراكة مع دول أخرى، بالأمر المجاني والاعتباطي، بل عن اقتناع دولي تام بمتانة وراهنية ونجاعة المرجعية المغربية في مكافحة الإرهاب، وباحترافية مؤسسات المغرب وأجهزته، وبموثوقية ومصداقية المبادرات المغربية التي أحدثت فارقا في إفريقيا بشأن تكريس السلام وتوطيد الاستقرار والأمن، وتشكيل حاجز مقاوم لكل الاختراقات الإرهابية، بما فيها الاختراقات الانفصالية، التي تضرب بأطنابها في دول الساحل والصحراء، وتتشابك مصالحها مع مصالح تجار الأسلحة والبشر والممنوعات، والمهربين، بل ودول متواطئة في المنطقة، تتغذى على الفوضى وعلى الكراهية وعلى ابتزاز الدول في وحدتها الترابية وأمنها واستقرارها. يستحيل على بلد واحد أو منفرد أن يكون سدا منيعا في وجه التسللات الإرهابية التي تتخذ مواقعها الخلفية اليوم في بؤر التوتر الإفريقية، وفي خضم الصراعات الإثنية والنزاعات الترابية والنزعات الانفصالية، مهددة بذلك أمن القارة، بل أمن أوروبا وأمريكا، وأمن العالم بأكمله. لذلك ينبغي تشجيع كل أشكال التنسيق الأمني والتعاون الاستخباراتي، وفق نموذج المرجعية المغربية المتقاسمة والناجعة، وأن تكون خارطة الطريق الجديدة لمبادرات التنسيق في كل مجالات محاربة الإرهاب ومكافحة مظاهره وتشكيلاته العنقودية والخلوية، مؤسساتية وتشاركية وشمولية واستباقية ومتعددة المداخل والمجالات والمقاربات، على غرار الفلسفة التي يشتغل وفقها النموذج المغربي المرجعي في مكافحة الإرهاب. وكما يتقاسم العالم تحت إشراف الأممالمتحدة، أهداف التنمية للألفية الثالثة، ويتابع ويراقب ويقوم مراحل تنزيلها وتحقيقها، عليه أن يوجد مسارات لتقاسم أهداف الاستقرار والسلام والأمن التي هي قاعدة تحقيق التنمية المستدامة والمتقدمة، وأن يوفر آليات لتتبع تنفيذ هذه الأهداف وتبادل الحصيلة الإيجابية لها على أمن الشعوب والدول، بما يقلل من حظوظ تمدد الإرهاب ويلغي كل مبررات وجوده وعبوره للحدود، أو إعادة انتشاره من جديد في مناطق متروكة للفوضى والنزاعات المستمرة.