لم يلمس المواطنون، خاصة المستثمرون، التحولات، التي كانوا ينتظرونها، في مجال العقار، كقطاع استراتيجي مرتبط بمجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل وثيق، على أرض الواقع في سياسة الحكومة و"إستراتيجيتها" من خلال ما التزمت به برامجُها التي تبجحت بها في حملاتها الدعائية، فقد ظل هذا القطاع يعاني مجموعة من الاختلالات المتفاقمة والمنعكسة سلبا على السياسة العقارية بالمغرب، المتجلية في المعطيات المتعلقة بإشكالية التدبير العقاري في ظل تعدد الأنظمة القانونية، وتعدد الفاعلين المؤثرين في هذا المجال، وغياب التنسيق فيما بينهم (أراضي الجموع وأراضي الحبوس وأملاك الدولة والملك الخاص). فالحكومة لم تتجاوز عقلية التقوقع والانغلاق في مفاهيم وسلوكيات وأساليب تتمسك بالتطبيق الحرفي لإجراءات القانون على عِلاتها، والتعامل جزئيا مع نصوص تشريعية صدرت في بدايات فترة الحماية منذ أواخر القرن التاسع عشر، كما هو الشأن في التدابير المسطرية الشكلية، كالتحديد الإداري والاستملاك غير المباشر، ولم يرق أسلوبها في التعامل مع قطاع العقار إلى استلهام روح الدستور الجديد في تدبير ملفات عقارية كالأراضي السلالية والملك الغابوي، سعيا لترسيخ دولة المشروعية، والحقوقية، والقانونية، والإنصافية. فقانون التعمير مجال متخصص يدخل ضمن منظومة القانون العام، الذي تحكمه قواعد وتقنيات تقليدية للقانون الإداري في جميع تطبيقاته، كالقرار الإداري، والعقد الإداري، والشرطة الإدارية، والمنازعات الإدارية، وغيرها.. من مجالات تطبيق القانون العقاري، الذي وفق الأحداث ومتطلبات الحياة، ليصيح مساهما في تدبير التراب والفضاء من أجل تقديم المساعدة التقنية الضرورية ، بغية تحقيق التنمية المستدامة التي تضمن استمرارية جودة هذا القطاع. لكن الحكومة الحالية، وبعد مرور أربع سنوات من عمرها باعتبارها سلطة مكلفة بالعقار، لم تحقق ما كان مرجوا منها في حل إشكالاته وتقوية علاقاته مع باقي مكونات مجاله، فالكل أصبح يؤمن بضرورة التنسيق لتجاوز صعوبة وتعقد الأزمة العقارية والاختلالات واللاتوازنات العديدة للفضاءات العمرانية الحضرية والقروية وفق رؤية منسجمة وشمولية، قوامها نهج صيغ بديلة، ترتكز على التشارك والتشاور، وتبني مقاربة جديدة تعتمد على التخطيط التوافقي كوسيلة لضمان تنمية شاملة للتجمعات العمرانية. كما أن تعقيد المساطر القانونية يزيد من مشاكل هذا القطاع، لذا فمبدأ المرونة يظل شرطا محوريا، يسمح بقدر مهم من تجاوز شدة وصرامة قوانين التعمير الجاري بها العمل بشكل يتيح معه تعزيز الدور الاستثماري لقوانين التعمير. فهذا المبدأ يحد من المشاكل الواقعية، ويسمح بخلق فرص الاتصال بين المستثمرين في قطاع العقار مع مختلف الفاعلين والمؤثرين فيه، فتسهيل مأمورية المستثمرين عن طريق نهج أسلوب واضح للتعامل معهم في مجال العقار، ينطلق من مبدإ "ضمان مصداقية القوانين رهين بمدى مرونتها"، لا سيما من خلال التجزئات ورخص البناء، لتنفيذ تصاميم التهيئة المسطرة، لذا فتجسيد مقتضيات القانون بشكل مرن يبقى أمرا ضروريا لبلوغ الهدف الرئيسي للتعمير المتمثل في تحقيق تنمية عمرانية سليمة، عن طريق تنظيم المجال تنظيما متوازنا ومتناسقا. ويظل استثمار العقار يعاني من عدة عراقيل، تجعل المستثمر يشعر بخيبة الأمل، بسبب طول وتعقيد مسطرة النظر، وقلة معالجة التظلمات التي تنجم عن وثائق التعمير على مستوى العقار، وعدم قدرة الجهات الحكومية على استيعاب الحاجيات المطلوبة وفرص الاستثمار التي تكون أحيانا مهمة، وارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية التي تعاني من عدم البث فيه، وغياب ضوابط فيما يخص تشجيع الاستثمار، سيما المتعلقة بتبسيط المساطر وطرق دراسة طلبات رخص البناء والتجزيء وتقسيم العقارات وإحداث المجموعات السكنية، حيث يمكن تقليص عدد الوثائق المكونة للملفات، وتقديم المساعدة التقنية الضرورية، وذلك في إطار من التعاون والتنسيق ما بين الفرقاء المعنيين. وواقع الحال يؤكد أن الجهات الحكومية لم تستطع ضخ دماء جديدة في مجال إنعاش الاستثمار العقاري، الذي ظل بمدى وضوح وشفافية السوق العقارية، وملاءمة القوانين مع الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق نمط الجهوية الموسعة والمتقدمة التي دعا إليها دستور 2011.