يظهر بوضوح تام، أنه من غير المرتقب أن يتوقف مسلسل الزيادات في الأسعار، في ظل عجز الحكومة عن تدبير عقلاني وشفاف للملفات الاقتصادية والمالية ذات الطابع الاستعجالي وبالكيفية التي لا تمس التوازنات الاجتماعية وتعمل على تصحيح الاختلالات التي تعاني منها التوازنات الماكرو اقتصادية؟ سؤال نطرحه على كل من وضع الغربال على عينيه حتى لا يرى شمس الحقيقة. تلك الحقيقة التي تنضح بواقع أليم من الفشل الذريع الذي منيت به الحكومة الحالية في تدبير الأزمة المالية لخزينة الدولة، بحيث لم تجد من مخرج سوى اللجوء إلى خيار الزيادة في الأسعار والتضريب والاقتراض من الخارج. ذلك الثالوث الملعون الذي يهدد بلادنا بالانفجار. لقد أصبح من الضروري اليوم عدم السكوت عن استمرار هذا النهج في مقاربة الإشكالية المالية والتمويلية لخزينة الدولة، القائم على الإجهاز على ما تبقى من قدرة شرائية للمواطن المغربي البسيط، والمطالبة العاجلة بإيقاف مسلسل الزيادات في الأسعار التي لم تعد تلهب جيوب فقراء المغاربة بل وصلت حتى إلى جيوب الطبقة المتوسطة. فما يعانيه المواطنون من هذه الزيادات هو نتيجة منطقية وطبيعية لسياسة حكومية فاشلة أدت إلى خيارات غير مسبوقة في مجال تدبير الملفات الاقتصادية والمالية بمنطق محاسباتي ضيق، وبرهانات لا ترتبط بجوهر تسيير الشأن العام كما ينص على ذلك الدستور بل تتعلق فقط بحسابات سياسوية وانتخابوية ضيقة، راهنت على عامل الوقت، لتمرير حلول ترقيعية، كعنوان على افتقار تام للإرادة السياسية، ونكوص مكشوف عن مجمل التعهدات والالتزامات بالرفع من وتيرة النمو إلى 7 بالمائة، وتحقيق سلم اجتماعي فعلي، والوصول إلى إقلاع اقتصادي حقيقي. اليوم تواصل الحكومة وبدون تردد هذا التوجه بمزيد من الزيادات. وهذه المرة جاء دور مادة السكر، تحت ضغط المهنيين، بسبب تقليص قيمة الدعم في المحروقات و ارتفاع أسعار الفيول الصناعي، إذ تنضاف هذه الزيادة الجديدة، إلى لائحة الزيادات التي همت عددا من المواد الأساسية التي تقوم عليها الحياة اليومية للمواطن، وهو يعطي الانطباع أن هذا المسلسل أو الكابوس الفظيع الذي أصبح يقض أحلام المغاربة، لن ينتهي في الوقت القريب حتى تنتهي الحكومة من استكمال مخططها المدمر للاقتصاد الوطني ولجيوب المغاربة. زيادات إذن تتزامن مع واقع النمو الضعيف لاقتصاد البلاد وللانخفاض المتواصل فيقيمة العملة الوطنية، وضعف في التنافسية الاقتصادية لمقاولاتنا، حيث إن أي إجراء أو قرار أو سياسة حكومية في هذا الشأن، دون وضع اليد أو الاصبع على مكمن الخلل ومواطن الزلل في تدبير الإشكاليات الاقتصادية والمالية الناتجة عن الأزمة البنيوية والإنتاحية والتمويلية والتنافسية للاقتصاد الوطني ثم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية خاصة تلك التي تضرب منطقة الاتحاد الأوروبي، لن يكون ذي جدوى أو نفع. أن إصرار الحكومة على السير في هذا الاتجاه التدميري لقدرة المواطن المغربي الشرائية معناه تكريس واقع الاحتقان والدفع نحو مزيد من المواجهة مع كافة المتضررين وهم بعشرات الملايين في المدن والقرى والبوادي، في ظل ضرب ما تبقى من المكتسبات الاجتماعية للعمال والموظفين، وعدم تنفيذ كل الالتزامات الخاصة بالرفع من مستوى العيش الكريم للمواطن المغربي أينما كان، كما وعد بذلك رئيس الحكومة في كثير من المناسبات. إن بلادنا اليوم أمام مفترق طرق صعب، بعد أن انطلق الدخول الاجتماعي والسياسي في ظل مناخ من المواجهة القوية بين المعارضة والحكومة وبين هذه الأخيرة والمركزيات النقابية، بسبب قراراتها الانفرادية وخاصة تلك المتعلقة بإصلاح التقاعد. دخول طبعه إضراب وطني في الوظيفة العمومية، وآخر على الأبواب يتمثل في شبه إجماع بين المركزيات على اختيار المواجهة بعد أن أغلقت الحكومة باب الحوار للتفاوض معها، على التنسيق من جديد لتصعيد احتجاجاتها والدعوة إلى إضراب عام، ردا على جعل جيوب الفقراء حلا وحيدا لكافة المعضلات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية، بما يشكل تهديدا سافرا للسلم الاجتماعي واستقرار البلاد. لقد أصبحت معظم القوى الوطنية السياسية منها والحقوقية والنقابية والمجتمعية، متفقة على مواجهة النهج الاستبدادي لحكومة بنكيران ومنطق التحكم والهيمنة الذي ارتضته في رسم سياسات أغلبها فشلت في الوصول إلى تحقيق ما تم الوعد به في البرنامج الحكومي المقبور، والترويج بالتالي لإجراءات مست بشكل خطير حقوق المواطنين، محملة إياهم مسؤولية الأزمة الحالية، ومستهترة بحقوقهم، في الوقت الذي يطالبون فيه بتوزيع عادل للثروات الوطنية والقضاء على الامتيازات واقتصاد الريع، ومعاقبة المسؤولين عن نهب المال العام، ووضع حد لوضعية اجتماعية واقتصادية تتسم بالهشاشة القاتلة.