من المنتظر أن يقدم وزير الاقتصاد والمالية الجديد، الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2014 في جلسة عامة بمجلس النواب ثم أمام لجنة المالية. مشروع يحمل معه عدة مؤشرات وإشارات منذرة بمزيد من التقشف وشد الحزام على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، بذريعة مواجهة تداعيات الأزمة المالية والجمود الاقتصادي وضعف الاستثمار. مؤشرات وإشارات تضع السياسة المالية والاقتصادية للحكومة من خلال مشروع القانون المالي الجديد على المحك، بالنظر إلى ردود الأفعال والاستنتاجات والخلاصات التي سينتهي إليها أعضاء المجلس واللجنة بعد معرفة مضامين هذا المشروع الذي من المؤكد لن تعكس ما ظلت المعارضة تطالب به وتقترحه وما دأب المعنيون بالأوضاع الاقتصادية للبلاد يحذرون منه ويدعون إلى نهج مقاربة مالية واقتصادية شمولية تضع في الحسبان التوازنات الميكرو اقتصادية إلى جانب التوازنات الماكرو الاقتصادية لما لذلك من ارتباط جدلي وموضوعي بالتوازنات الاجتماعية. أولى هذه المؤشرات والإشارات أن ميزانية 2014 اختارت لها الحكومة عنوانا بارزا هو " التقشف" بمعنى على الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمحدودة الدخل وما تبقى من الطبقة المتوسطة تحمل أعباء سياسة مالية واقتصادية لا تهدف إلى الرفع من النمو وتحقيق مزيد من التنمية، بقدر ما تهدف إلى تحصيل الأموال ولو على حساب مزيد من تفقير المواطن المغربي. ثاني هذه المؤشرات: تقليص نفقات الاستثمار والرفع من مستوى النفقات العمومية الذي يبدو أنه السمة الكبرى التي تطبع مشروع القانون المالي الجديد، رغم شعار ترشيد النفقات وتعزيز مناخ الاستثمار الذي طالما رعته الحكومة لذر الرماد في العيون. ثالث هذه المؤشرات: اعتماد الحكومة على مجموعة من الإجراءات الضريبية الجديدة في مشروع قانون المالية الجديد ستجهز على ما تبقى من القدرة الشرائية بما فيها ضرائب جديدة على الفلاحين والصيادين والسيارات وحتى الملح والأرز!!. رابع هذه المؤشرات: الرفع من أسعار المواد الأساسية كالخبز والزيت والدقيق والسكر، وكذلك الخضر والفواكه والمحروقات، على بعد أسابيع فقط من دخول نظام المقايسة حيز التنفيذ. خامس هذه المؤشرات: أن كل ذلك يأتي في ظل تراجع موارد الدولة من خلال تواصل عجز الميزانية العمومية وفقدان صندوق المقاصة لمليارات أخرى من الدراهم وفقدان الآلاف من مناصب الشغل العمومية. إن هذه المؤشرات توضح إلى حد كبير أن مقصد الحكومة الاساسي لم يكن وضع مقاربة جديدة لإنعاش الاقتصاد الوطني والبحث عن آليات كفيلة بالوصول إلى حلول عملية مبنية على معالجة شمولية لكل الإشكاليات والقضايا التي أفرزتها تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية على بلادنا بمنظور استراتيجي. وبالتالي من التناقض الصارخ أن تزعم الحكومة بأن هذا المشروع يهدف " إلى مواصلة تفعيل الاستراتيجيات القطاعية، والاحتفاظ بالإعفاء الضريبي، لفائدة الفلاحين الصغار والمتوسطين، ودعم التشغيل خاصة لفائدة الشباب، في الوقت الذي تكشف كل المعطيات أن الحكومة مصرة على مواصلة سياستها المحاسباتية ذات الأفق القصير، المبنية أصلا على منطق التحصيل والتضريب وحصر المشكل فقط في الجانب المالي الصرف، دون الانتباه أو الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأخرى المتعلقة بكيفية النهوض باقتصادنا الوطني وإنعاشه وتمكينه من امتلاك القدرة على التنافسية دون المس بالقدرة الشرائية للمواطن المغربي. إن من يتحدث عن" سياق وطني يتميز بمردود فلاحي جيد، وتحسن مؤشرات المهن الدولية للمغرب، وارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وعائدات القطاع السياحي، والتحسن الملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة" ويزعم أن "مشروع استكمال الصرح المؤسساتي الوطني، وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وتحفيز النمو والاستثمار، مع التحكم في عجز الميزانية، فضلا عن تحسين التشغيل، وتعزيز آليات التماسك الاجتماعي"، إما أنه لا يدرك حقيقة الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، أو لا يعي خطورة السير في نهج سياسة مالية قائمة على التحصيل والتضريب فقط، ولا أفق لديها ولا استراتيجية من حيث تقوية وتعزيز مناخ الاستثمار الوطني والأجنبي، والإسراع بإخراج كل القوانين التنظيمية ذات الصلة بمجال الاقتصاد والمالية والقضاء والإدارة والاستثمار، وإجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية تهدف إلى تكريس آليات الحكامة الجيدة والشفافية في التدبير والتسيير وتعمل على تحقيق الجودة والرفع من المردودية والزيادة في الإنتاج. فقانون المالية الذي يتطلع إليه المغاربة الذي يعكس حقا طموحاتهم إلى السكن اللائق والصحة والتعليم والشغل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنتاج والاستثمار وتعزيز المقاولات الصغرى والمتوسطة ما زال بعيدا، لأن الحكومة الحالية ليست في مستوى التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا، لأنها اختارت أن تكون حكومة تصريف أعمال لا غير، لا حكومة قرارات سياسية وتاريخية فعلية وإجراءات اقتصادية واجتماعية حقيقية تعيد الثقة إلى المواطن المغربي في حاضره ومستقبله.