رشيد اسعيد كلما اقترب موعد الامتحانات خاصة الاشهادية منها تظافرت جهود المسئولين ، وتعالت أصوات المهتمين بضرورة العمل على محاربة آفة الغش التي تفتك بالمنظومة التربوية . فتكتب الكتابات ، وتصدر التشريعات ، وتلقى المحاضرات للتحذير من عواقب هذه الآفة وما يترتب عن ذلك من عقاب قانوني . هذا بالنسبة للامتحانات الاشهادية الخاصة بالتلاميذ والطلبة ، أما امتحانات أخرى اسمها امتحانات الكفاءة المهنية والتي لا تقل أهمية عن سابقتها . بحيث يتم من خلالها اختبار معارف الأستاذ ومهاراته وكفاءته في الممارسة المهنية ، أقول هذه الاختبارات لا نكاد نسمع شيئا عن الاستعداد لها من قبيل توفير الأجواء المناسبة ، وضمان تكافؤ الفرص بين الممتحنين . ولأني للمرة الأولى أشارك في هذه الامتحانات فقد أصبت بالصدمة من هول ما رأيت . فأن ترى التلميذ يختبأ خلف زميله وينظر إلى المراقب خلسة ، ويحاول أن يخرج بعض الأوراق ؛ التي أعدها من قبل ؛ من تحت الطاولة ، أو من جيبه ، ليدسها وبسرعة بين أوراق التسويد والتحرير ، ويسترق النظر إلى أوراق زملائه ، و … فأن ترى هذا يصدر من تلميذ قاصر مراهق مساكش فالأمر يهون . لكن أن تصدر هذه التصرفات من الأستاذ المربي الذي يعلم التلاميذ معنى الاعتماد على النفس ، ويدربهم على ذلك ، ويشدد المراقبة عليهم أثناء الاختبار ، بل وربما يعاقب من سولت له نفسه أن يغش أومجرد محاولة الغش … فهذا ينذر بجائحة أخلاقية تربوية اجتاحت منظومتنا التربوية . ويزداد الموقف صعوبة ، ويعظم الخطب حينما تجد أستاذا لمادة التربية الإسلامية يخوض مع الخائضين ، و … أستاذ مادة التربية الإسلامية الذي طالما صدع رؤوس تلاميذته بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تنهى عن الغش ؛ كل الغش ؛ وتتوعد الغشاشين بعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، والذي طالما دغدغ مشاعرهم بسرد مواقف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم في مجال محاربة الغش ، ولطالما ذكرهم بحديث نبوي شريف مشهور ومعروف " من غش فليس منا " . أيها السادة .. من غير المعقول أن نلقن أبناءنا التلاميذ دروسا في الورع والاعتماد على النفس ، واتقاء الغش،ثم في أول اختبار لهذه المبادئ أو بالأحرى لهذه الشاعرات نفشل ونرفع عاليا الراية البيضاء . أيها الإخوة .. أذكركم ونفسي أولا بقول الله تعالى : " ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ " : البقرة 44 . وبقوله عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ* " : الصفّ 2 3 . وختاما بقول سبحانه و تعالى إخبارًا عن سيدنا شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ " : هود 88 .