تغيرت نظرة المرأة التطوانية للموسيقى بشكل كبير في زمن العولمة وما بعد الحداثة. بل إن بعضهن عمدن إلى تجديد أدواتهن الفنية وتطوير مفاهيمهن الموسيقية في خطوات حثيثة إلى مسايرة التصورات الفنية العالمية فرق عديدة، وأسماء نسائية برزت في الألفية الثالثة تحاول أن تبني شخصيتها بطريقة مدروسة بين أنماط موسيقية مختلفة. زينب أفيلال واحدة ممن تألقن في الموسيقى الأندلسية، وسميرة القادري تميزت باجتهاداتها الموسيقية في غناء الليبيد، ومغامراتها التراثية في غناء القرون الوسطى، وسلوى الشودري صوت يبدع في الموشحات والأغنية العربية العصرية. إضافة إلى هذه الأمثلة الثلاثة ظهرت تجارب نسائية تستقي حدود أعمالها من حياة العالم المعاصر. فمنهن من أولعت بالأنماط الغنائية الغربية مثل «الراب»، ومنهن من تكفلت بمهمة قيادة فرق صوتية كورالية مدرسية أو خاصة. ومن الأجواق النسوية القادمة تقاليدها من الأندلس انفتحت الأذن الموسيقية التطوانية على أصوات خارجية، حيث ينعقد كل سنة مهرجان أصوات نسائية مستقطبا كل الشخصيات الأنثوية، ومنطلقا من مبدإ المحلية المنفتحة على العالمية. لكن جدل الانفتاح الفني على الآخر وعلى الفكر الأجنبي، جعل أغنيات تطوان منشغلة بسؤال جودتها، وهويتها الموسيقية. ففي ظل إبدالات وتحولات فنية مقلقة، تخلت أغلب الأجواق النسوية التطوانية عن كثير من تقاليدها. وفي هذا الصدد، نلاحظ فرقا موسيقية استغنت عن اللباس التقليدي أو عن بعضه، وعوضته بلباس معاصر. كما أنها لم تحافظ على الآلات الموسيقية التقليدية التي تعودنا الاستماع إلى نغماتها: العود، والكمان، والدربوكة، والطار، بل أضافت آلات حديثة مثل الأورغ وعن اختيار الأغنيات لم تقتصر الأجواق النسوية المعاصرة في برامج حفلاتها على الموسيقى الأندلسية أو الجبلية أو الشعبية التطوانية، وإنما أصبحت تأخذ مما اشتهر من أغاني مغربية عصرية، بل تنفتح على الغناء المشرقي والعربي ككل. ومن الملاحظ أيضا أن الأجواق الحديثة اهتمت بتسريع إيقاع كثير من الأغاني التي كانت في أصولها تعتمد على إيقاع متوسط، كما أقدمت على تحديث توزيع الألحان الموسيقية، وكان بعض هذه المحاولات لغايات تجارية بحتة والملاحظ أيضا كثرة الأجواق والأسماء التي لا تحصى، وتعرض كثير من الأغاني النسائية التراثية للقرصنة والتسجيل بطرق أبعدتها بشكل كلي عن رؤية ومقاصد مبدعاتها الأولى. لقد سلبت هذه التغييرات كثيرا من الآثار الفنية التطوانية روحها وأصالتها المتفردة. لذلك نتساءل بحيرة وقلق شديدين: إلى أين تمضي أغاني تطوان؟ وما مستقبلها ؟ هل ستغترب هويتها وتخضع لسلطة الآخر؟ هل ستفقد يوما بعد يوم ذوق جمهورها وأدواتها ومرجعياتها؟ هل ستخضع لمعايير التفكيك والتشتيت والتشظي ؟ تلك أسئلة آنية، نعي خطورتها كما يعيها أغلب المثقفين مجابهتها ضرورة قصوى لعلها تفيد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي الكاتب: كتاب جماعي الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) بريس تطوان يتبع...