إذا وطأت قدماك مدينة يكسوها الأزرق أينما حللت وارتحلت، تأكد أنك في الشاون أو كما يحلو للبعض تسميتها "شفشاون"، مدينة مغربية حاكت لنفسها ثوبا يجمع بين جمال الطبيعة وهدوء المكان. مرّ على تأسيس الشاون أكثر من خمسة قرون، لكنها لاتزال محافظة على عراقتها وأصالتها، إذ تشتهر بمعمارها المتميز وحوانيتها الأقرب إلى المتاحف ولونها الأزرق، الذي يحافظ على طابع الثقافة الشاونية. وفي هذا الصدد، أوضح الناشط المدني، محمد عمور، أن معمار المدينة الأصيل، بسقوفه المغطاة بالقرميد الأحمر والحدائق الصغيرة الموجودة في أفنية المنازل وأبوابها المزخرفة وأقواسها العريضة، يحيل على مدن الأندلس العتيقة. ولأنها مكسوّة بقمم جبال حادة تشبه قرني الماعز، فإن اسم "أشاون" مستلهم من المعجم الأمازيغي، ويقصد به "القرون"، إلا أن الاسم الأكثر تداولا في المغرب هو "شفشاون". للمدينة ألقاب كثيرة، فمنهم من يصفها بالمدينة الزرقاء، ومنهم من يطلق عليها "مدينة السياحة والثقافة"، فيما يفضّل آخرون تسميتها "مدينة علي بن راشد"، في إشارة إلى اسم مؤسسها. تعايش وتلاقح الديانات ويقول مؤرخون إن المدينة شيدت على يد الأمير علي بن راشد، لإيواء المسلمين واليهود المطرودين من الأندلس عام 1471، مما جعلها منذ التأسيس أرضا لتعايش وتلاقح الديانات والثقافات. وكشف عمور أن المدينة كانت قبلة للمقاتلين الذين وجدوا في موقعها الاستراتيجي مكانا حصينا تتجمع فيه قوافلهم لمقاومة الاحتلال الأجنبي، مضيفا أن موقع الشاون اختير آنذاك ليكون مركزا لتخطيط العمليات الحربية للدفاع والهجوم. تحوز شفشاون على أكثر من 4 آلاف كيلومتر مربع من مساحة المغرب، وترتفع إلى ما يقارب 600 متر عن سطح البحر، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة. حرف تقليدية وفضاءات بهيّة النجارة والخياطة والحجامة والحدادة والخرازة والدباغة وحِرف وأخرى تلقى إقبالا كبيرا في الشاون، التي اشتهرت بالصناعات التقليدية، بفضل المهاجرين من الأندلس، الذين رافقوا بن راشد في البداية. غالبا ما يبدأ السائح جولته بساحة "وطاء الحمام" مرورا بقلعة عسكرية محاذية، دون إغفال عين "رأس الماء"، والقمم الجبلية المحيطة، قبل أن يختم زيارته بتسكع في الأزقة العتيقة ومحلات الصناعة التقليدية. ويعد "رأس الماء"، وهو المورد المائي الوحيد في شفشاون، من الفضاءات السياحية التي تشد أنظار الزوار، حيث ينفرد بطبيعته الفاتنة وشلالاته العذبة وأشجاره الخضراء المزدانة ومرافقه المتنوعة. كما تعتبر "القصبة" من الأماكن التاريخية في المدينة، على اعتبار أنها من أولى البنايات التي شيدت على الطريقة الأندلسية. و"القصبة" متحف تاريخي كبير، يضم قطعا أثرية ورسومات ومنقوشات، ويحيط به سور تتوسطه عشرة أبراج. ولإنهاء جولتك في القصبة، يستحسن الصعود إلى الطابق العلوي للاستمتاع بمنظر بانورامي لشفشاون. مدينة السياحة والثقافة باتت المدينة، منذ العقد الماضي، محطة سياحية مهمة في شمال البلاد، حيث تشهد خلال مواسم العطلات توافدا كبيرا من المغاربة والسياح، الذين تجلبهم المناظر الطبيعية والمآثر التاريخية. وتستقبل"المدينة الزرقاء" السياح من مختلف دول العالم، خصوصا الآسيوية، حيث يتصدر الصينيون القائمة بنحو 10 آلاف زائر، متبوعين باليابانيين (3 آلاف)، وفق تقرير للمندوبية الإقليمية للسياحة بشفشاون. كما أفادت بيانات المندوبية بارتفاع عدد الإسبانيين والبرتغاليين والفرنسيين والأميركيين الذين زاروا المدينة، خلال النصف الأول من عام 2018. وبلغ عدد السياح الإجمالي للشفشاون، في نفس الفترة، نحو 20 ألف سائح، مقابل 14500 العام الماضي. من جهته، ذكر محمد عمور، ل"سكاي نيوز عربية" أن السياحة في شفشاون تعرِف، سنويا، تزايدا مضطردا، وهو ما يعكس أهميتها السياحية المتعددة الجوانب، مضيفا "هذه المدينة تعطي ما يفوق الحصر من أسباب الاستمتاع، لأن ما فيها فريد في مميزاته ووحيد في خصائصه". لؤلؤة الشمال ومن المؤلفات الشهيرة في المغرب، التي تتناول مجموعة من المحطات والوقائع التاريخية للشاون، كتاب "شفشاون لؤلؤة الشمال" لعبدالخالق بن ميمون، و"شفشاون.. ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي" للشاعر والكاتب الشفشاوني محمد بن يعقوب. وتحدث الكاتب في مقدمة مؤلفه عن ظاهرة التصوف التي اشتهرت بها شفشاون منذ تأسيسها سنة 1471، حيث جال بالقارئ في أقدم الزوايا التي عرفت بها المدينة ونواحيها، كما تطرق إلى فني "الحضرة الشفشاونية" و"المديح والسماع"، اللذين يلقيان إقبالا كبيرا في المنطقة. ويؤكد المؤلف في كتابه الوصف الذي يطلق على شفشاون، باعتبارها "مدينة السياحة والثقافة"، إذ استعرض عددا من الشخصيات التي تركت بصمتها في مختلف المجالات، سواء كانوا علماء أو أدباء أو شعراء أو فنانين أو سياسيين، مثل سلالة بن ميمون والدكتور عبد السلام الهراس والعلامة محمد بن عياد الهوتي والأستاذ أحمد الشريف العلمي..